جسر – (خاص)
منذ إعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة القضاء على تنظيم “داعش” بسوريا عام 2019، تصاعد نشاط التنظيم شهراً بعد آخر، ليستعيد قوته وسطوته في المنطقة، حيث يمارس سلطة موازية، قد تكون أكثر نفوذاً من سلطة جميع الأطراف الأخرى، لأن التنظيم يلجأ بسهولة إلى قتل مخالفيه وخصومه ومعارضيه، ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
لقد قتل عدد كبير من عناصر التنظيم، واعتقل الآلاف منهم، في آخر المعارك التي شهدتها منطقة الباغوز، آخر معقل للتنظيم في سوريا، إلا أنّ قسماً آخر تمكن الفرار إلى عمق الصحراء ليعيدوا تجميع أنفسهم، وتشكيل خلايا جديدة، تظهر بين لحظة وأخرى لتشن هجماتها، في بعض المناطق شمال شرقي سوريا.
مصادر محلية مطلعة كشفت لجسر عن حجم التنظيم حالياً، وأماكن سيطرته، وسبل بقائه، وموارده، وأسماء بعض قادته، وذلك في منطقة شمال شرق سوريا الواقعة تحت سيطرة قسد، وقوات التحالف الدولي.
مرحلة لم الشتات
رغم الضربة القاسية التي تلقاها تنظيم “داعش” وانحسار سيطرته بشكل كلي عام 2019، باشر التنظيم على الفور وبسرعة عملية تجميع عناصره الفارين، في مواقع عدة بالبادية السورية، وبعيداً عن مراكز المدن والبلدات.
وأكدت مصادرنا أن تنظيم “داعش” نجح خلال هذه المرحلة الممتدة بين عامي 2019 و2020 بتجميع المئات من عناصره وأنصاره، الراغبين بالانتقام واستعادة السطوة، في عدة بؤر من بادية الروضة، وهي منطقة صحراوية شاسعة ملاصقة للحدود العراقية، لم تستطع قسد تمشيطها أو التمركز فيها حتى الآن. وأكدت المصادر أن هذه العملية يشرف عليها ويقودها قيادي من الجنسية العراقية يلقب بـ”أبو جاد الله العراقي”.
مرحلة التدريب والتسليح والتخطيط
بعد عمليتي التجميع والتقسيم، بدأ التنظيم بإعادة تدريب عناصره عسكرياً على استخدام الأسلحة والمتفجرات، وشن العمليات المباغتة.
وعملت قيادات التنظيم على ربط هذه المجموعات المنتشرة ببعضها بواسطة عدد من الأشخاص، المكلفين بالتنسيق ونقل الأوامر والخطط.
وأشارت المصادر إلى أن عناصر “داعش” الفاعلين، لا يتلقون أي مرتبات مالية كما يشاع عنهم، وأن من يتلقون رواتب أو مكافآت هم متعاونون من خارج التنظيم، يتم استخدامهم لغايات محدودة.
مصادرنا المحلية أكدت أن عدد عناصر التنظيم الملتزمين بأوامر قادته، والمنظمين ضمن هيكليته السرية، يتجاوز عددهم الـ ٢٠٠٠ مقاتل في الوقت الحالي، في مجمل محافظات دير الزور والرقة والحسكة، حيث تم تقسيمهم إلى مجموعات بقيادة “أمير” لكل مجموعة، على أن لا يتجاوز عدد المجموعة الواحدة 20 مقاتلاً.
وأعلنت ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، اكتشاف أنفاق في تموز الماضي، كان يستخدمها عناصر تنظيم “داعش”، في منطقتي المعامل والعزبة، بريف دير الزور الشمالي، كما بثت القناة الخامسة للتلفزيون الروسي في أيار، تسجيلاً مصوراً، يظهر أنفاقاً في البادية السورية، فيها أسلحة وأسرّة وغرف عدة، اكتشفتها القوات الروسية.
مرحلة تنفيذ الهجمات
نفذت خلايا التنظيم منذ سقوط الباغوز في آذار ٢٠١٩ آلاف الهجمات، مستهدفة مواقع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في البادية السورية قرب تدمر والسخنة بريف حمص، كما استهدفت الهجمات قوات النظام و”قسد” شمال شرقي سوريا، فضلاً عن عمليات الاغتيال التي طالت العشرات من المدنيين.
وقالت المصادر لصحيفة “جسر” إن قرابة 3000 من العسكريين والمدنيين، قُتلوا على يد خلايا التنظيم، منذ بدء هذه الهجمات، في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وحدها.
ووثق مراسلو صحيفة “جسر” بالأسماء، مقتل 63 شخصاً على يد “داعش” في ريف دير الزور، ما بين شهري أيلول 2020 وكانون الثاني 2021.
مرحلة بث الرعب
منذ بداية ظهور “داعش” بصورته الإرهابية الشهيرة عام 2014، عقب سيطرته على مدينة الرقة، التي اتخذها معقلاً لما يسمى “الدولة الإسلامية”، ارتكز التنظيم على بث الرعب في قلوب الأهالي والسكان، كوسيلة من وسائل ترسيخ الوجود وتثبيت الأقدام.
ولم يغفل خلايا التنظيم عن “بث الرعب” في سعيه المتجدد لإعادة الانتشار والسيطرة، ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، أفاد مراسل “جسر” بريف دير الزور، أن مجموعة من عناصر تنظيم “داعش”، يستقلون دراجات نارية، تجولوا في مناطق ريف دير الزور الشمالي، حاملين أثناء تجوالهم مكبرات صوت (بافلات)، تبث أغانٍ وأناشيد جهادية بصوت مرتفع.
وأكد مراسلنا على أن ريف دير الزور الشمالي أو ما يسمى بـ”خط الخابور”، المتصل بريف الحسكة، أصبح مرتعاً لخلايا تنظيم “داعش” مؤخراً.
وارتُكبت عشرات جرائم القتل في أرياف دير الزور والبادية السورية خلال الشهور الماضية، حملت بصمة “داعش” بالصلب أو تقطيع الرؤوس.
كما أبلغ عناصر تنظيم “داعش” مرات عدة، أصحاب الحرّاقات النفطية بريف دير الزور، بوجوب دفع “الزكاة”، بالدولار الأمريكي.
ورغم عمليات الملاحقة المتواصلة التي تنفذها “قسد” بالاشتراك مع التحالف الدولي، للحد من نفوذ “داعش”، إلا أن شوكة التنظيم تزداد قوة بشكل جليّ في سوريا.
وفقاً لمصادرنا المحلية، تعيش مجموعات القيادة والسيطرة التي تقود عناصر التنظيم في منطقة شرقي سوريا في ثلاث مناطق وعرة من بادية الروضة، أما المقاتلون النشطون فيتنقلون في المنطقة الصحراوية، تحت غطاء الأنشطة المتعارف عليها في المنطقة، مثل مجموعات الصياديين التي تجوب البادية بحثاً عن الصقور “الطير الحر”، أو الرعاة، أو غير ذلك. أما الإمداد بالمواد الغذائية وسواها، فإن التنظيم يعتمد على تجمعات البدو الرحل في المنطقة لتأمينها، وهو يدفع أسعاراً مجزية مقابل الحصول على الإمدادات بطرق أمينة، وفق ما أفادت به مصادرنا.
اجراءات مضادة
في محاولة للسيطرة على الوضع، أنشأت “قوات سوريا الديمقراطية” قوة لملاحقة خلايا وعناصر التنظيم، تعرف باسم قوى مكافحة الإرهاب، يتمركز أحد أهم فروع هذه القوة في حقل التنك النفطي، على تخوم الصحراء إلى الشرق من دير الزور وقريباً من بادية الروضة، وتستخدم وسائل مراقبة الكترونية وطائرات مسيرة لمراقبة تحركات التنظيم واتصالاته، لكنها ما زالت عاجزة لا عن مواجهة أنشطة التنظيم فحسب، بل وعاجزة عن كبح جماح تمدده ونموه مجدداً، وكسب المزيد من المؤيدين والمجندين في صفوفه.