جسر – صحافة
حسن عبدالعظيم وسالم المسلط يجتمعان في إسطنبول، في ضيافة ائتلاف المعارضة؛ الجهة الداعية للاجتماع من أجل حل الخلافات بين الائتلاف وهيئة التنسيق الوطنية. وكي لا يذهب الظن بعيداً، الخلاف الرئيسي المعلن بين الطرفين هو اقتسام “تعيين” المستقلين في الهيئة العليا للتفاوض، وعمر الخلاف سنتان فقط! والبشرى السارة أن اجتماعات يومين أسفرت عن تشكيل لجنة من الجانبين، ويُفترض باللجنة الذهاب إلى الرياض للتفاوض أيضاً مع الدولة الراعية التي قد يكون لها تصورات مختلفة للحل، إذا صمد الاتفاق بين الائتلاف والهيئة حتى وصولها إلى هناك.
بيان الائتلاف، الذي واكب بدء الاجتماعات بين الجانبين قبل أسبوع، تجاهل الخلاف على ثمانية مقاعد في هيئة التفاوض لينصرف للتركيز على الرؤى السياسية المشتركة، ومنها تمسكهما بالقرارين الدوليين 2118 و2254. يُفهم أيضاً من البيان تخوفهما من محاولات تعويم الأسد، ما يوجب على المعارضة التوحد لمواجهته، وها هي تفعل ذلك غير متأخرة إطلاقاً!
إذا كان هناك وجه للطرافة السوداء يدفع الملل في ما سبق فهو مجيء الاجتماعات لتذكّر بالائتلاف والهيئة وخلافاتهما، ولتذكّر أيضاً بمطلب تراكمت فوقه أطنان من الغبار هو وحدة المعارضة السورية، وكان المقصود بها الاتفاق على رؤية سياسية للتغيير في سوريا، والدخول بها في المفاوضات مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية. لم يكن التفاوض في جنيف مطروحاً عندما أطلق ناشطون على واحد من أيام جمع التظاهر اسم “جمعة وحدة المعارضة”، كان ذلك في الثالث والعشرين من أيلول2011 ، وها هما الطرفان الرئيسيان “اللذان لم يتغيرا في الجوهر إذ ورث الائتلاف المجلسَ الوطني” يسعيان لتحقيق الهدف بعد ما يزيد عن العشر سنوات بشهرين ليس إلا.
ما يوحد المعارَضتين أكثر من أي شيء آخر هو عدم الإحساس “ثم عدم الاعتراف” بتأخرهما لأكثر من عقد، وبأن ما كان مطلوباً من قبل لم يعد مطلوباً الآن. الحق أن ما كان مطلوباً قبل سنوات قليلة يمكن تلخيصه بتنحي هذه المعارضة على خلفية اليأس منها، ولم تكن حينها إعادة تدوير الأسد مطروحة بقوة كما هي الآن، وكان الاعتراف بالفشل والتنحي مطلوبين على أمل أن يؤديا إلى تظهير بديل لا يرث سيئات الأطراف الأساسية في المعارضة كما برزت منذ عام2011. اليوم حتى هذا المطلب توارى بداعي اليأس، اليأس المتولد أولاً من تفاقم عدم الثقة بالتشكيلات السياسية المعارضة، ثم عدم الثقة برعاتها الدوليين والإقليميين.
خلال أكثر من عقد تعيشت المعارضة على أنها الخيار الموجود، والمعتمد خارجياً، أي أن وجودها واستمرارها كانا بمعزل عما تنجزه “بالأحرى عما لا تنجزه”، وعن المحاسبة المرتبطة بما لا يُنجز. لسان حال المعارضة: من لا يعجبه أداؤنا فلينشئ هيئة معارضة أخرى. هذه العبارة، صراحة أو مواربة، خَبِرها السوريون من مختلف التشكيلات والهيئات والفصائل العسكرية وحتى جمعيات الـ”إن جي أوز”. في أحسن الأحوال، الإنجازات لدى هؤلاء جميعاً ممتنعة بسبب الظروف القاهرة التي يمر بها الوضع السوري، وبسبب تخاذل الخارج أو تآمره، بما يذكّر بمعزوفة إعلام الأسد المفضّلة خلال عقود.
لا يُعرف بدقة ما دار في غرفة الاجتماعات، إلا أن رئيسي الائتلاف وهيئة التنسيق ظهرا معاً في برنامج تلفزيوني قبل يومين، في برنامج “منتدى دمشق” على تلفزيون سوريا، أدارت الحوار نور الهدى مراد. أبرز ما سعى إليه الاثنان في الرد على الأسئلة هو إظهار الروح الإيجابية المتبادلة، إنما من خلال الكلام في العموميات، وتحاشي الرد بدقة على بعض الأسئلة الذي يذهب إلى مواضع الخلاف المعروفة، وهذا ليس دلالة على التفاهم بينهما على قاعدة الاتفاق أو الاختلاف. رئيس الائتلاف كان الأكثر إصراراً على نجاح المفاوضات، بل قال أنهما أصبحا طرفاً واحداً، لكن يمكن بسهولة خلافاً لتفاؤله “وبناء على وقائع معروفة” تخيُّل عودته رفقة نظيره بعد 100 عام لتكرار الحديث نفسه.
لم يبخل الاثنان في ظهورهما التلفزيوني ببعض المفاجآت، فرئيس الائتلاف نفى وجود تغيير في السياسة الأمريكية بعد استلام إدارة بايدن بالقول: ما سمعناه منهم “أي الأمريكان” يختلف عما ينشر في الإعلام. وهو أشار إلى وجود تواصل مع موسكو، إنما بواسطة واشنطن! المنسق العام لهيئة التنسيق كشف عن تراجع الاتصالات بين هيئته والروس، بعدما كانت منتظمة بلقاء أسبوعي مع القائم بأعمال السفارة الروسية في دمشق، لأن السفير الجديد “المفوَّض باسم الرئيس بوتين” يبتعد عن التنسيق مع الهيئة تهرباً من جديتها في العملية السياسية.
يثني منسق الهيئة على المعارضة بالقول أنها بذلت جهوداً جبارة ولا تزال، ليرمي المسؤولية على تدخلات الخارج، ويلاقيه رئيس الائتلاف بنفي أن تكون المعارَضات مرتهنة، كل منها لجهة خارجية، بل هي ذات قرار مستقل. ورداً على أحد الأسئلة يقول المنسق: نحن قادرون على تحريك الشارع “ضد الأسد” لكنه سيُقابَل بالرصاص الحي. وكأن معارضته والأسد يتقاسمان البلد، للأولى الشارع، وللثاني المخابرات والشبيحة والجيش، بينما يأخذ الائتلاف حصته بادعاء تمثيل السوريين في الخارج وفي بعض مناطق الداخل الخارجة عن سيطرة الأسد.
بكل ثقة، ومن دون إبداء أدنى أسف على أداء المعارضة ولو لرفع العتب، يتمنى رئيس الائتلاف على السوريين أن يثقوا بمن يمثلهم. ربما ينبغي على أحد ما إخبار رئيس الائتلاف ومنسق الهيئة بأن أقصى اهتمام يناله اجتماعهما سينصب على البحث عن دلالات الاجتماع لجهة وجود توجيهات لهما، أو تشجيعهما إذا كانت الكلمة السابقة تثير الحساسية، من أجل الاجتماع والإيحاء بوحدة المعارضة. حتى توافق الدول التي تتقاسم النفوذ على المعارضة لم يعد أمنية لدى السوريين، حاله حال العديد من المطالب التي فات أوانها. هذا ليس من باب العدمية السياسية، فما يحدث أن جثة السنوات العشر الأخيرة تتعفن، أما الجديد فلم يولد بعد.