جسر: صحافة:
عاد ملف العشائر العربية إلى واجهة الصراع في عدة مناطق في شمال وشرق سوريا، وخصوصا محافظتي الحسكة ودير الزور. وبرزت مؤشرات في الأسبوعين الفائتين، تشير إلى رغبة روسية في الاستثمار في ملف العشائر لأول مرة منذ تدخلها إلى جانب النظام نهاية أيلول/سبتمبر 2015.
وبدأ ضباط مركز المصالحة في حميميم سلسلة تحركات تركزت في منطقة القامشلي، وتهدف إلى الاستفادة من التوتر الحاصل بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والنظام السوري في مدينة القامشلي، وتحشيد العشائر العربية في جنوب القامشلي من أجل انضمامها إلى ميليشيا تزعم إنشائها. وكذلك، حرضت القوات الروسية أهالي القرى من أجل التظاهر والوقوف بوجه الدوريات الأمريكية.
واجتمعت القوات الروسية في لقاء موسع مع زعماء عشائر حرب وطي والبو سبعة والبو عاصي والراشد والغنامة، جرى في مضافة قبيلة طي في جرمز باستضافة الشيخ محمد العبد الرزاق الطائي زعيم قبيلة طي، ومشايخ القبائل الأخرى وبعض الوجهاء. وزار الوفد مضافة قبيلة حرب في قربة دبانة جنوب القامشلي، واستقبله الشيخ محمود منصور العاكوب وأخوه عدنان. ويذكر أن الشيخ العاكوب كان ضمن وفد العشائر السورية في الزيارة إلى طهران التي رتب لها قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، قبل مقتله مطلع العام بنحو أسبوع.
وأعرب العسكريون الروس عن نيتهم تأسيس “جيش العشائر” يتع بشكل مباشر للقوات الروسية وغرفة العمليات الحربية في حميميم. وأعربوا عن عزمهم بتأسيس معسكر جديد في منطقة تل عودة شمال طرق M4 وفي التفاصيل، أشاروا إلى أن روسيا تتعهد بتسوية أوضاع المتخلفين والمطلوبين للخدمة الإلزامية في جيش النظام، في حال التحاقهم، بجيش العشائر. وتتكفل القوات الروسية في سوريا بتجهيز الجيش بعتاد روسي كامل ونوعي. وحدد الوفد مهمة الجيش بحماية المنشآت النفطية في المستقبل القريب.
ويعتبر المشروع الروسي بمثابة تركة الجنرال قاسم سليماني الذي كان يسعى إلى بناء حشد عشائري سني في منطقة القامشلي بهدف الضغط العسكري على القواعد الأمريكية القريبة والمنتشرة في محيط القامشلي وشرقها، والتي تسيطر على منابع النفط السورية كافة.
وتشجع القوات الروسية أبناء قرى منطقة جنوب القامشلي على اعتراض الدوريات الأمريكية بشكل سلمي ورشقها بالحجارة وعدم السماح لها بعبور قراهم وإتمام خط سيرها، وهو الأمر الذي بات يتكرر في قرى تل حميس في ريف القامشلي الجنوبي، وتقوم القوات الروسية بتوزيع المساعدات الإنسانية مكافئة أهالي القرى بهدف تشجيعها على الاستمرار بمنع حركة القوات الأمريكية.
وعلمت “القدس العربي” من مصادر محلية في القامشلي أن القوات الروسية اجتمعت بعدد من قادة وحدات الحماية الكردية وأخبرتهم رغبتها افتتاح مركز مصالحة في القامشلي بهدف تخفيف حدة الاحتكاك الحاصل بين قسد وقوات النظام، ومنع حوادث الصدام التي تكررت في الأسابيع الأخيرة. وأكد المصدر موافقة بولات جان القيادي البارز في الوحدات الكردية مبدئيا على إنشاء فرع يتبع مركز المصالحة في حميميم. في المقابل نفى مصدر في مجلس سوريا الديمقراطي صحة تلك الأنباء ووصفها بشائعات تهدف إلى “إثارة البلبلة يعتقد أصحابها أنهم يشقون صف قسد”.
وتزامنت الأنباء مع حديث صحافي مشترك لبولات جان ومظلوم عبدي لصحيفة “ريفو بالاس” أشار فيه جان إلى أن روسيا “يمكنها بالتأكيد أن تلعب دوراً أكثر أهمية من الولايات المتحدة في إيجاد حل دائم”. واصفا السكان في الشرق الأوسط بأنهم لا يثقون بأمريكا.
وفي سياق متصل، لم تقتصر المساعي الروسية على المنطقة الشرقية، بل وصلت إلى مدينة حلب، حيث اجتمع وفد عسكري روسي بوجهاء من عشيرتي العساسنة وبري، الذين يقطنون الأحياء الشرقية بهدف تشكيل “جيش العشائر” في مدينة حلب من أبناء العشيرتين واستثناء قبيلة البكارة التابعة لإيران والتي ينضوي أبناؤها جميعا في ميليشيا الباقر. وفي حال تشكيل الميليشيا العشائرية فإن السيطرة الروسية ستتوسع في داخل مدينة حلب على حساب التواجد الإيراني الذي يفضل بسط نفوذه في منطقة ريف حلب الغربي والشمالي، خصوصا وان لواء “القدس الفلسطيني” انتقل ولاؤه من إيران إلى روسيا عام 2018.
ويشير تقاطع المعلومات بين القامشلي وحلب، إلى أن الجيش العشائري سيكون تحت قيادة روسية مباشرة ومن المستبعد وضع واجهة عسكرية عشائرية على رأسه.
إن نقص الخبرة لدى الروس في التعاطي مع البيئة الاجتماعية العشائرية سيصعب عليهم ضبط الميليشيا المحدثة، خصوصا وأن أبناء القبائل يفضلون الانضواء ضمن أجسام عسكرية تحت الزعامة التقليدية على غرار ميليشيا الدفاع الوطني في محافظة الحسكة والتي يقودها الشيخ محمد الفارس أو قوات الصناديد التي يقودها زعيم قبيلة شمر الشيخ حميدي دهام الجربا، الرئيس المشترك لما يعرف باسم مقاطعة الجزيرة بالإدارة الذاتية الكردية.
لكن ما يعزز فرص الروس هو انكفاء الدور الإيراني في الحسكة لصالح تعزيزه في غرب نهر الفرات وتحديدا في المناطق الأقرب إلى مدينة دير الزور وشرقها، والاهتمام في مناطق ريف حلب الغربي والشمالي المسيطر عليها مؤخرا من قبل تحالف النظام.
على صعيد آخر، قالت صفحات مقربة من قوات سوريا الديمقراطية على وسائط التواصل الاجتماعي، إن القوات الأمريكية بدأت بالتعاقد مع عناصر محلية من عشيرة الجبور في منطقة الشدادي جنوب الحسكة للعمل مع القوات الأمريكية بشكل مباشر من دون الاعتماد على قسد ومجلس دير الزور العسكري. وأشارت إلى أن القوات الأمريكية ستخضع المنتسبين إلى دورة لمدة 70 يوما، في قاعدة حقل الجبسة النفطي ومن ثم نشرهم مواجه الميليشيات الإيرانية على الضفة الأخرى من نهر الفرات.
وفي حال صح المشروع الأمريكي بتدريب مقاتلين من أبناء العشائر العربية بشكل مباشر والاعتماد عليهم كطرف مستقل عن قوات سوريا الديمقراطية، فإنه يكون تحولا واضحا في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في شرق الفرات. حيث حصرت القوات الأمريكية شراكتها مع الوحدات الكردية في محاربة “داعش” وفضلت التعامل مع الطرف المنضبط على التعامل مع مشاريع مختلفة. ولكنه يخفف الاحتقان الحاصل لدى أبناء العشائر العربية تجاه السياسة الأمريكية.
من الواضح أن روسيا تسعى جادة إلى الحضور المباشر على الأرض في منطقة القامشلي والحسكة من دون الاعتماد على وكلاء محليين أو قوات النظام أو الميليشيات الإيرانية، وتحاول تأمين العمق الجنوبي لمطار القامشلي الذي تمركزت فيه وأصبح تحت قيادتها بشكل كامل. وتسعى إلى بناء جدار بين مناطق الانتشار الأمريكية الحالي وباقي مناطق السيطرة الكردية، وعرقلة الدوريات الأمريكية من خلال اعتراضها بالاحتجاج المدني المتكرر. وبالتأكيد فان أهمية منطقة جنوب القامشلي تأتي من كونها تتربع على عقدة تقاطع طريق الحسكة-القامشلي مع طريق M4 الواصل إلى العراق شرقا. وبالطبع فإن تعزيز الثقل العسكري الروسي عبر تأسيس ميليشيا محلية والضغط على الوحدات الكردية من أجل تقديمها تنازلات جديدة، سيخفف من الدور الأمريكي المباشر في محيط القامشلي وجنوبها، خصوصا مع تزايد التهديدات على نمط ما يحصل في العراق، وسيرغمها على أن تقلص نفوذها في منطقة غربي محور القامشلي-الحسكة.