جسر – صحافة
عبد الناصر العايد
من ثلاث وجهات نظر، عسكرية واستراتيجية وذاتية تتعلق بالرئيس فلاديمير بوتين، فإن الحرب في أوكرانيا ستشهد تصعيداً خطيراً في المرحلة المقبلة، والهدوء القلق الحالي ما هو سوى برهة تحضير لانتقام روسي مروع.
لقد كان الهدف العسكري لعملية بوتين “الخاصة” هو اسقاط كييف، وكان يظنّ أنه قادر على ذلك بالصدمة والرعب الذي يحدثه توجيه جيش جرار نحوها، تتنزه بعد ذلك الدبابات الروسية من شرق البلاد إلى غربها وتحتلها، ثم تفرض حاكماً دمية، وينتهي الأمر. استجدّ أن الشعب الاوكراني يريد أن يقاوم، وأن الناتو يدعمه بقوة، وأن زيلنسكي يريد أن يصنع مجده الخاص بتحدي زعيم القوة النووية الثانية في العالم، وأن القوات الروسية ليست بالكفاءة التي بدت عليها في سوريا.
ولأن سمعة الجيش والأسلحة الروسية رأس مال موسكو، وهي تعتمد عقيدة الحرب الهجينة استراتيجياً، أي حشد الجيش النظامي إلى جانب جيش ظل من المرتزقة، وتسخر له القوى الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والسيبرانية، فإن اعداد حملة جديدة، تؤلف بين هذه القوى بجدية أكبر، وتستعد لحرب طويلة مع الغرب على الأرض الأوكرانية، لا بد أن يستغرق بعض الوقت، يراوح فيه الجنود في المكان، أو ينسحبون إلى مناطق آمنة ريثما تُحدد الوجهة الجديدة على صندوق الرمل.
تتناقض التصورات عن انتهاء الحرب بسبب نكوص بعض القوى هنا وهناك مع الحشد المتوالي للقوات الروسيّة في بلاروسيا المجاورة، التي قد يكون جيشها ذاته جزءاً رئيساً من الحملة القادمة، ولا يعني اقتصار القتال في الدونباس أن روسيا لا تريد سواها، بل هي تشغل ما نسبته ٤٠ بالمئة من القوات الأوكرانية في تلك المنطقة لتثبتها هناك ومنع نقلها إلى محور كييف عندما يبدأ العمل مجدداً، كما لا يعني ترك الروس لجثث جنودهم وراء ظهرهم أنهم هزموا، بل إنهم لا يعتبرون تلك خسائر يعتد بها مقارنة بما هو آت… أخيراً لا تشي عمليات تجنيد ونقل المرتزقة إلى جبهات القتال بأن القتال انتهى، بل إنه على وشك أن يبدأ.
نظرياً لم يقدم حلف الناتو لأوكرانيا الكثير من العون، لكن ميدان المعركة يشهد بخلاف ذلك، فالكم الكبير من صواريخ ستينغر وجافلين وغيرها من الأسلحة المتوسطة، جعل الأرض الأوكرانية غابة من الانياب السوداء الصغيرة التي تفتك بجيش من المجندين قليلي الخبرة، وقد ساعدت المعلومات الاستخبارية الغربية الدقيقة على تحديد الاهداف والتصويب الفعال عليها، فيما عزز الموقف الغربي المعلن الزخم المعنوي للمقاتلين الاوكرانيين.
خطة اركان بوتين العسكرية الجديدة لا بد أن تراعي مكامن الضعف هذه، وتفرض نقطة قوة جديدة. وللقفز فوق الأنياب الصغيرة، لا بدّ له من حملة جوية ساحقة على الارتفاعات العالية، تدمر قبل معنويات الاوكرانيين مدنيين وعسكريين قبل أن تدمر البنية العسكرية الرئيسة للمقاومة.
سيكون على الخطة أيضاً أن تتضمن أن يتلو الحملة الجوية الشاملة، عملية انتشار بري واسعة النطاق بقوام لا يقل عن خمسمائة ألف جندي، بدل مئتي ألف جندي التي خصصت للحملة السابقة، طوفان القوّة ذاك، الذي يتقدمه مرتزقة متمرسون في حرب العصابات، وحده ما يستطيع اغراق الأنياب المختبئة في الغابات والمناطق السكنية والمزارع، ويلغي فاعليتها.
الحرب السيبرانية أيضاً سيكون لها نصيب وافر من التحضيرات القائمة، فاختراق اتصالات الجيش الروسي من قبل الناتو على الأرجح، جعله عارياً في العمق العملياتي، أي في غرف القيادة ذاتها، ما مكّن الاوكرانيين من استهداف قيادات رفيعة للغاية. والطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد أصبحت عين منظومة “الانياب” الفتاكة، ولا بد من قطع اتصالها والقدرة على توجيهها الكترونياً.
اخيراً، لا بد أن يبقى احتمال هزيمة الجيش الروسي قائماً حتى لو هاجم بالقوة الحيوية العظمى، فهو يواجه حلف الناتو ولا أقل من ذلك، وعند هذه النقطة لا بد من استخدام، أو التلويح جدياً، بسلاح ردع نووي، أو كيميائي، فيما لو وقعت اعداد كبيرة من قواته في الحصار على سبيل المثال، أو قدم الغرب عوناً حاسماً يؤدي إلى تدمير أحد جوانب تلك الخطة كمنظومات الدفاع الجوي للارتفاعات العالية، وهذه لعبة خطرة تحتاج إلى تحضير الذريعة المسبقة، والاستعداد للعواقب وحصرها، بحيث لا تستدعي رداً نووياً شاملا من الغرب.
لقد كان الهدف العسكري لعملية بوتين “الخاصة” هو اسقاط كييف، وكان يظنّ أنه قادر على ذلك بالصدمة والرعب الذي يحدثه توجيه جيش جرار نحوها، تتنزه بعد ذلك الدبابات الروسية من شرق البلاد إلى غربها وتحتلها، ثم تفرض حاكماً دمية، وينتهي الأمر. استجدّ أن الشعب الاوكراني يريد أن يقاوم، وأن الناتو يدعمه بقوة، وأن زيلنسكي يريد أن يصنع مجده الخاص بتحدي زعيم القوة النووية الثانية في العالم، وأن القوات الروسية ليست بالكفاءة التي بدت عليها في سوريا.
ولأن سمعة الجيش والأسلحة الروسية رأس مال موسكو، وهي تعتمد عقيدة الحرب الهجينة استراتيجياً، أي حشد الجيش النظامي إلى جانب جيش ظل من المرتزقة، وتسخر له القوى الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والسيبرانية، فإن اعداد حملة جديدة، تؤلف بين هذه القوى بجدية أكبر، وتستعد لحرب طويلة مع الغرب على الأرض الأوكرانية، لا بد أن يستغرق بعض الوقت، يراوح فيه الجنود في المكان، أو ينسحبون إلى مناطق آمنة ريثما تُحدد الوجهة الجديدة على صندوق الرمل.
تتناقض التصورات عن انتهاء الحرب بسبب نكوص بعض القوى هنا وهناك مع الحشد المتوالي للقوات الروسيّة في بلاروسيا المجاورة، التي قد يكون جيشها ذاته جزءاً رئيساً من الحملة القادمة، ولا يعني اقتصار القتال في الدونباس أن روسيا لا تريد سواها، بل هي تشغل ما نسبته ٤٠ بالمئة من القوات الأوكرانية في تلك المنطقة لتثبتها هناك ومنع نقلها إلى محور كييف عندما يبدأ العمل مجدداً، كما لا يعني ترك الروس لجثث جنودهم وراء ظهرهم أنهم هزموا، بل إنهم لا يعتبرون تلك خسائر يعتد بها مقارنة بما هو آت… أخيراً لا تشي عمليات تجنيد ونقل المرتزقة إلى جبهات القتال بأن القتال انتهى، بل إنه على وشك أن يبدأ.
نظرياً لم يقدم حلف الناتو لأوكرانيا الكثير من العون، لكن ميدان المعركة يشهد بخلاف ذلك، فالكم الكبير من صواريخ ستينغر وجافلين وغيرها من الأسلحة المتوسطة، جعل الأرض الأوكرانية غابة من الانياب السوداء الصغيرة التي تفتك بجيش من المجندين قليلي الخبرة، وقد ساعدت المعلومات الاستخبارية الغربية الدقيقة على تحديد الاهداف والتصويب الفعال عليها، فيما عزز الموقف الغربي المعلن الزخم المعنوي للمقاتلين الاوكرانيين.
خطة اركان بوتين العسكرية الجديدة لا بد أن تراعي مكامن الضعف هذه، وتفرض نقطة قوة جديدة. وللقفز فوق الأنياب الصغيرة، لا بدّ له من حملة جوية ساحقة على الارتفاعات العالية، تدمر قبل معنويات الاوكرانيين مدنيين وعسكريين قبل أن تدمر البنية العسكرية الرئيسة للمقاومة.
سيكون على الخطة أيضاً أن تتضمن أن يتلو الحملة الجوية الشاملة، عملية انتشار بري واسعة النطاق بقوام لا يقل عن خمسمائة ألف جندي، بدل مئتي ألف جندي التي خصصت للحملة السابقة، طوفان القوّة ذاك، الذي يتقدمه مرتزقة متمرسون في حرب العصابات، وحده ما يستطيع اغراق الأنياب المختبئة في الغابات والمناطق السكنية والمزارع، ويلغي فاعليتها.
الحرب السيبرانية أيضاً سيكون لها نصيب وافر من التحضيرات القائمة، فاختراق اتصالات الجيش الروسي من قبل الناتو على الأرجح، جعله عارياً في العمق العملياتي، أي في غرف القيادة ذاتها، ما مكّن الاوكرانيين من استهداف قيادات رفيعة للغاية. والطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد أصبحت عين منظومة “الانياب” الفتاكة، ولا بد من قطع اتصالها والقدرة على توجيهها الكترونياً.
اخيراً، لا بد أن يبقى احتمال هزيمة الجيش الروسي قائماً حتى لو هاجم بالقوة الحيوية العظمى، فهو يواجه حلف الناتو ولا أقل من ذلك، وعند هذه النقطة لا بد من استخدام، أو التلويح جدياً، بسلاح ردع نووي، أو كيميائي، فيما لو وقعت اعداد كبيرة من قواته في الحصار على سبيل المثال، أو قدم الغرب عوناً حاسماً يؤدي إلى تدمير أحد جوانب تلك الخطة كمنظومات الدفاع الجوي للارتفاعات العالية، وهذه لعبة خطرة تحتاج إلى تحضير الذريعة المسبقة، والاستعداد للعواقب وحصرها، بحيث لا تستدعي رداً نووياً شاملا من الغرب.
خارج الميدان العسكري، يشكل بوتين أيضا استراتيجية دبلوماسية واقتصادية ملائمة، تبدأ من ادعاء الضعف والانكسار، كما في ردود الكرملين على التصريحات النارية لبايدن، ولا تنتهي بمناورات لافروف لاستدراج الصين ودول أخرى إلى ميدان الصراع، أو بإيفاد وزير ثقافة ومؤرخ روسي ليقود المفاوضات العقيمة مع الاوكرانيين في أنقرة، وتخدير الطرف الآخر بإبداء المرونة وإمكانية الوصول الى حل تفاوضي.
أما على الجانب الاقتصادي فقد أصدر بوتين قراره إيقاف تصدير الغاز لأوروبا ما لم تدفع بالروبل، وهذا يعني انه سيستخدم سلاح الطاقة ما أن تبدأ حربه، ولا أحد يدري أيضاً ما يعده للحظة الحاسمة اعلامياً ودبلوماسيا واستخباراتيا، لكن يمكننا أن نقرأ في انفجارات مستودعات النفط داخل روسيا، واتهام القوات الأوكرانية، التي نفت ذلك، نوعاً من الاستراتيجية المستقبلية القائمة على ادلة يجري زرعها الآن في ميدان الصراع.
إضافة لكل تلك الأسباب، لدى بوتين، الذي يتصرف كما لو أنه الدولة الروسيّة وكما لو أنها هو، أسبابه الذاتية لرفض الهزيمة، فهذه الحرب هي ما سيحدد موقعه في التاريخ، بل وربما مصيره الشخصي، إذ سبق للشعب الروسي أن أطاح بثلاثة حكام كبار على خلفية هزيمتهم عسكرياً، وانكساره في أوكرانيا سيهزّ نفوذه في كل مكان بنى قوته في الجوار الروسي البعيد، ما دام قد خسر المواجهة على أسوار إمبراطوريته المتخيلة.
يلوح الغرب اليوم لبوتين بمخرج يحفظ ماء وجهه، ويخيره بين العبور على جسر المهانة الذهبي هذا، أو قطع”غابة الانياب السوداء”، لكن الرجل الذي عرف أنه سيد في فن المجازفة العقلانية، يبحث بدل ذلك عن الصراط الحاد بين المغامرة والواقعية، آملاً أن يجنبه المروق عليه كلا الخيارين السابقين.
يلوح الغرب اليوم لبوتين بمخرج يحفظ ماء وجهه، ويخيره بين العبور على جسر المهانة الذهبي هذا، أو قطع”غابة الانياب السوداء”، لكن الرجل الذي عرف أنه سيد في فن المجازفة العقلانية، يبحث بدل ذلك عن الصراط الحاد بين المغامرة والواقعية، آملاً أن يجنبه المروق عليه كلا الخيارين السابقين.
المصدر: موقع المدن