مصطفى فحص
دخلت الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها الثاني، والواقع الميداني يُظهر أن القوات الغازية قد وقعت في كمين استراتيجي، نتيجة خطأ فادح في الحسابات العسكرية والأمنية، وعلى الأغلب أن هناك سوء تقدير أمني لقدرات الجيش الأوكراني من جهة.
ومن جهة أخرى يبدو أن الجيش الروسي لم يكن مؤهلا عسكريا لخوض هذه المعركة، والواضح من هذه المعادلة أنه داخل أروقة صناعة القرار الروسي هناك من قام بتزويد القيادة السياسية بمعلومات غير دقيقة عن وضع الطرفين.
من الممكن القول إن هناك فشلا أمنيا روسيا واضحا في أوكرانيا، حيث لم تنجح الوحدات الخاصة الروسية العسكرية والأمنية في تحقيق أي اختراق منذ بداية الحرب، إذ كان من المتوقع أن تنجح فرق العمليات الخاصة من القيام بمهمات أمنية.
ولكن حتى الآن، نجحت الأجهزة الأمنية الأوكرانية في حماية قيادتها السياسية والعسكرية، كما أن القوات الخاصة الروسية خيبت التوقعات بأنها قادرة على السيطرة على مبان حكومية في العاصمة، كييف، من أجل تحقيق ضربة معنوية ضد الأوكرانيين، لكن كل هذه التوقعات التي أوحى بها الكرملين في الساعات الأولى للغزو لم يتحقق منها شيء.
المفاجأة أن الجيش الروسي قد انتقل من مرحلة الهجوم إلى الدفاع خصوصا في محيط العاصمة، وفي المقاييس العسكرية يعتبر ذلك فشلا ذريعا، حيث استطاع الأوكرانيون الانتقال إلى الهجوم ولو بشكل محدود، ومنع جحافل الجيش الروسي المتفوقة بشكل كبير من التقدم، وعلى الأرجح فإن هذا يعود إلى أن الأوكرانيين قد استعدوا جيدا لهذه المعركة، كما أن الدعم التقني الغربي ساعدهم سريعا على عرقلة التقدم الروسي وإجباره على التراجع في كثير من الجبهات.
بعيدا عن سير الأعمال العسكرية وحجم التقدم الروسي وقوة الصمود الأوكراني، إلا أن الأهم في هذه الحرب أن موسكو لم تعد قادرة على إنكار الوقائع وقد تضطر قريبا إلى الاعتراف بحجم الخسائر التي تكبدتها ولو جزئيا، لكن الأهم كيف ستتعامل القيادة السياسية مع هذه الوقائع.
إذا، القيادة الروسية تتحمل المسؤولية خصوصا الرئيس، فلادمير بوتين، الذي وثق بتقارير تقدمها له أجهزته الأمنية والعسكرية، وبات من المحتمل أن هذه الأجهزة قد حجبت معلومات عنه، فهي على الأرجح لم تُطلعه على حالة الجيش الروسي، ومن الممكن أنها لم تقدم تقديرا واقعيا عن قوة الجيش الأوكراني، كما أن هناك معضلة استخباراتية أخرى بأنه حتى الأجهزة الأمنية الروسية لم تستطع أن تخترق الجانب الأوكراني وفشلت في الحصول على معلومات دقيقة عن القوات المسلحة الأوكرانية.
هذا التقدير يمكن أن يحمّل الأجهزة الأمنية الروسية مسؤولية الإخفاق العسكري، لكن المسؤولية تقع أيضا على عاتق الرئيس الروسي، الذي أحاط نفسه بمستشارين ومساعدين يطلعونه على ما يرضيه فقط، وحجبوا عنه المعلومات التي تشكف حالة الترهل التي تصيب قواته المسلحة، وعدم جاهزيته لخوض معركة خاطفة، وغير جاهزة لمعركة طويلة الأمد، هذا المأزق سببه طبيعة أنظمة حكم الشخص الواحد الذي يحيط نفسه بالأشخاص الأكثر ولاء ويمارسون تضليلا معلوماتيا للحفاظ على مكاسبهم ومواقعهم.
فاجعة بوتين في أوكرانيا ليست فقط بسبب تضليله عسكريا، بل تم خداعه سياسيا، فكل الرهانات على انقلاب عسكري أوكراني على السلطة السياسية انتهت في اليوم الثالث للغزو، كما أن القيادة الروسية صدمت بالالتفاف الشعبي حول القيادة الأوكرانية حتى في المناطق الناطقة بالروسية، حيث يواجه بوتين وحدة وطنية أوكرانية وقرارا جماعيا بالمواجهة حتى النهاية.
فعليا هناك من خدع بوتين لكن الحقيقة هو من خدع نفسه، ولا يمكن لحركة الاعتقالات والإقالات في المواقع العسكرية والأمنية التي يجريها حاليا أن تساعده على انتشال قواته من وحول أوكرانيا.
المصدر: الحرّة