منذ أن بدأت الحرب الروسية، إلى جانب نظام الأسد في سوريا، قلنا أنّ موسكو لن تهاجم جيوب الجهاديين في إدلب، وإنما هدفها الوحيد هو كل ما يمت إلى الثورة السورية بصلة، مدنياً وعسكرياً، بصلة.
وقلنا أيضاً إنها تفضل إبقاء هؤلاء الجهاديين في جيب معزول تحت سيطرتها، على الشاكلة التي كان يعزل فيها نظام الأسد هؤلاء في سجن صيدنايا، لتساوم الغرب والشرق عليهم، كما كان يفعل نظام الأسد أيضاً.
كما أن بوتين لن يفرط بهذه الذريعة الثمينة لتدخله في سوريا، ولماذا يفعل ذلك؟ لماذا يدخل في مواجهة مفتوحة مع الحركات الجهادية في العالم ما دامت هي تتحاشاه وتركز على العالم الغربي، خصم روسيا الرئيسي.
في الواقعة التي حدثت مساء أمس في مدينة ادلب، حيث لجأ آخر الثوار السوريين وعائلاتهم، والواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، المنحدرة من تنظيم القاعدة، تم رفع صورة قاتل المدرس الفرنسي، وهو شيشاني مولود في موسكو، وهارب هو وعائلته من اضطهاد بوتين، الرسالة المضمرة التي سيوجهها بوتين لنظرائه الغربيين هي:” نحن نسيطر على هؤلاء، نحن من كان يمكن أن نخبركم أن أنزروف وعائلته جهاديين وخطريين، ونحن من يمكنهم منع الجهاديين في إدلب من الوصول إلى بلادكم أيضاً، لكن قبل ذلك يجب أن تعترفوا لنا بالسيادة في سوريا، كل سوريا، وأن نقرر فيها الحل الذي يناسبنا”.
يعتقد أرباب الحركات الاسلامية المتطرفة، بأطيافهم المختلفة، ومنهم داعش والقاعدة وحزب التحرير الاسلامي الذي رفع صورة عبدالله أنزروف في إدلب، إنهم بتبنيهم للعمليات في الغرب، التي يقوم بها غالباً شبان مسلمون محبطون، يثبتون للغرب أنّ لديهم مخالب وأنياب، وأن على الغرب أنْ ينصت لهم، وهم يعتقدون أنهم بذلك ايضاً، يتفوقون على النخب الوطنية التحديثية في العالم العربي، التي لا تملك سوى “الكلام المنمق”، والمطالبات غير المجدية، للعالم الحر بالوقوف إلى جانب قضايا شعوبهم.
لكن في الواقع إنّ هذه التنظيمات، تخدم قوى النظام العالمي المتوحشة، وأنظمة الاستبداد في مجتمعاتنا، من خلال اعطاء الانطباع عن شعوبنا، بأنها شعوب همجية متوحشة، لا إمكانية ولا أمل بإصلاحها أو دعم تطلعات القليل من أبنائها، ممن يوصفون بالتنويريين أو الحداثيين، وبأنه من الأفضل جعل تلك البلاد سجوناً لتلك الشعوب، يبقون فيها ووراء حدودها، ولا بأس في هذه الحال إنْ كان بشار الأسد “شاويش” أحد القواويش، فيما يمكن لبوتين أن يتمتع بدور مدير السجن “سجن صيدنايا الموسع”، وأنْ يستبيح ما تبقى من خيرات وآمال لتلك البلاد، نظير خدماته الجليلة.