جسر: ترجمة:
بدأ صبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينفد إزاء حليفه، بشار الأسد، الذي لم يبد امتنانه لبقاءه في السلطة، بفضل تدخل روسيا في الحرب الأهلية الوحشية في سوريا، بالشكل الذي أرداه بوتين.
ويعاني بوتين في بلاده، من صدمتي انهيار أسعار النفط وتفشي وباء كورونا المستجد، وهو حريص على حرصه على إنهاء مغامرته العسكرية في سوريا بإعلان النصر، إلا أنه يصر على أن يظهر الأسد المزيد من المرونة في المحادثات مع المعارضة السورية من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لصراع استمر عقداً من الزمن، وذلك وفقاً، لأربعة مصادر مطلعة على مداولات الكرملين في هذا الشأن.
وأثار رفض الأسد التنازل عن أي من صلاحياته، مقابل الحصول على مزيد من الاعتراف الدولي، وربما مليارات من الدولارات في شكل مساعدات لإعادة الإعمار، موجات غضب عامة نادرة ضده، هذا الشهر، من قبل صحف روسية ذات صلة ببوتين.
وقال ألكسندر شوميلين، الدبلوماسي الروسي السابق، الذي يدير “مركز أوروبا والشرق الأوسط” الممول من موسكو إنه “على الكرملين التخلص من الصداع السوري”، مضيفاً “المشكلة في الأسد وحاشيته”.
إن غضب بوتين وعناد الأسد، يسلطان الضوء على معضلة روسيا، لأن كلا الجانبين يعلمان أنه لا يوجد بديل “للرئيس السوري” من أجل التوصل إلى اتفاق، وفي حين استخدم بوتين تدخله الناجح في سوريا عام 2015 لاستعادة النفوذ الذي حققته بلاده إبان الحقبة السوفيتية كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الأسد لجأ إلى المناورة بين موسكو وداعمه العسكري الرئيسي الآخر، وهي إيران، ليحافظ على سلطته.
كما استفاد الأسد من القوة العسكرية والدبلوماسية لروسيا أمام جهود تركيا لتوسيع وجودها في المناطق المتبقية التي يسيطر عليها “المتمردون” شمال سوريا، في الوقت الذي سعى فيه إلى استعادة السيطرة على كامل البلاد، بدعم من بوتين.
ونفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن يكون بوتين غير راض عن الأسد بسبب رفض الأخير التسوية مع المعارضة السورية، عبر التفاوض، من أجل الوصول إلى تسوية سياسة.
وضغطت روسيا، خلف الكواليس، لعدة سنوات، على الأسد، من أجل الحصول على بعض التنازلات السياسية الرمزية، على الأقل، لكسب تأييد الأمم المتحدة لإعادة انتخابه المتوقعة في عام 2021، ولكنها لم تفلح.
ونشرت أحدى الوسائل الإعلامية المرتبطة بـ “يفيجيني بريجورين”، رجل الاعمال الروسي المقرب من بوتين، والمعروف باسم “طباخ بوتين”، مقالا على الإنترنت هاجم فيه الأسد ووصفه بالفاسد.
كما أشار المقال إلى استطلاع، كشف أن الأسد حصل على تأييد بنسبة لا تزيد على 32 في المئة، بينما أدرج عددًا من البدائل المحتملة له من داخل النظام السوري ومن المعارضة.
إلا أن ذلك المقال سرعان ما اختفى، بعد أن نشر على موقع وكالة الأنباء الاتحادية. وبعد أيام، نشر مجلس الشؤون الدولية الروسية، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية أسسه الكرملين، تعليقا ينتقد الحكومة في دمشق، معتبراً إياها أنها تحتاج إلى “نهج بعيد النظر ومرن” من أجل إنهاء الصراع.
وقال الكسندر اكسينيونوك، وهو دبلوماسي روسي سابق، في مقابلة هاتفية “إذا رفض الأسد قبول دستور جديد، فإن النظام السوري سيعرض نفسه لخطر كبير”.
إشارة قوية
وقال شخص مقرب من الكرملين إن “المنشورين يرسلان بإشارة قوية للقيادة السورية”، وقال مصدر آخر مقرب من الزعيم الروسي إن بوتين ينظر إلى الأسد على أنه خيّب آماله، واستخدم وسائل الإعلام الخاصة ببريجوزين لتوصيل رسالته. وبين المصدر، وهو مسؤول حكومي، أن بوتين لا يمكنه لتخلي عن الرئيس السوري، لأنه لا يوجد حليف آخر مناسب في سوريا.
ولم يصدر رد فعل رسمي من دمشق، كما أن الصحف السورية، التي تسيطر الدولة عليها، لم تتطرق إلى الانتقادات الروسية، ولم يرد سفير سوريا لدى موسكو، رياض حداد، على طلب أرسل له عبر البريد الالكتروني للتعليق.
وقال اكسينيونوك، إن المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة، في جنيف بشأن إعادة صياغة الدستور السوري وإدخال بعض المنافسة السياسية، بدأت أخيراً في أواخر العام الماضي، وسرعان ما وصلت إلى طريق مسدود عندما قام الجانب الحكومي بتخريب المفاوضات عمداً.
وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مجلس الأمن في 20 من كانون أول/ ديسمبر الماضي، إن الجولة الثانية من المفاوضات فشلت لأن معارضي الأسد كانوا يرغبون في البدء في مناقشة المسائل الدستورية، وهو ما رفضه مسؤولو الحكومة السورية.
وقال دبلوماسي متابع للشأن السوري إن “تحذيرات موسكو تعكس الإحباط داخل مجتمع الأعمال في روسيا، من الفشل في دخول الاقتصاد السوري”.
وأضاف أن “روسيا تدرك أيضا مدى صعوبة الوضع في البلاد، مع فشل الأسد في توفير السلع الأساسية بسبب تفشي الفيروس التاجي كورونا، بالإضافة إلى مشكلة الشبكات الفاسدة التي تخاطر بنوع ما من التمرد في مناطق معينة مستقبلاً”.
الأسد العنيد
وقال جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، ومقرها بروكسل “كان الأسد دومًا عنيدًا في مواجهة الضغط الروسي، لأنه يعرف أن سوريا أكبر من أن تفشل بالنسبة لروسيا”.
وأضاف إنه “على ما يبدو أنه حملة إعلامية روسية غير مسبوقة بموافقة الحكومة ضد الأسد” قد يعكس الإحباط في موسكو في الوقت الذي تكون فيه سوريا أقل أهمية.
وبحسب ايرينا زفيياجيلسكايا، الخبيرة في سؤون الشرق الأوسط في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية الذي تديره روسيا، فإن موسكو، التي تمتلك منشأة بحرية وقاعدة جوية في سوريا، والتي أرسلت شرطة عسكرية لتسيير دوريات في المناطق التي كان يسيطر عليها المتمردون من قبل، لديها بعض النفوذ، ولكنها ستخاطر بالكثير إذا حاولت الإطاحة بالأسد”.
لقراءة الخبر في المصدر الأصلي اضغط هنا