جويس كرم
ثلاثة أسابيع على حربه في أوكرانيا وجيشه لم يسيطر بعد على مدينة محورية واحدة، فيما اقتصاد روسيا يتهالك وحتى حليفتها الأقوى، أي الصين، تراجعت عن بيعها قطعا للطائرات.
بوتين وصل إلى الحكم في التسعينات بعد أن سوق نفسه بطلا استخباراتيا وشخصية مثقفة تلعب الموسيقى وتتحدث بهدوء، وأعطى روسيا أملا بعد بوريس يلتسين الذي كان يخرج ثملا إلى العلن، بأن المستقبل أفضل.
ولأعوام نجح بوتين في تحقيق بعض الرخاء الاقتصادي لروسيا وجذب شركات عالمية وسلع معروفة، وفتح أعين الروس على العالم بعد عقود من انغلاق وسوداوية الحكم الشيوعي.
الرخاء الاقتصادي والانفتاح الدولي لم يكن كافيا لبوتين الذي يحلم باستعادة “روسيا الأم” ودفعته القومية العمياء التي دفعت صدام حسن إلى الكويت في 1990، وحافظ الأسد إلى لبنان في السبعينات، لترجمة حلم “الشعب الواحد في بلدين”، والتي قالها الأسد عن اللبنانيين وكررها بوتين عن أوكرانيا.
حرب أوكرانيا وفي ثلاثة أسابيع همشت جزءا كبيرا مما حققه بوتين في 22 عاما. فلا المعسكر الميداني يروق لروسيا وهي خسرت، بحسب شبكة “سي.بي.أس”، بين خمسة وستة آلاف جندي في أوكرانيا، ولا المقاومة الاقتصادية التي وعد بها بوتين قادرة عليها موسكو اليوم. فحتى بعد إعلان أميركا أنها ستقاطع النفط الروسي، لم يتأثر سعر الخام في السوق، وحتى حين أعلن بوتين إيقاف تصدير المعادن، لم تتحرك الأسهم.
الروبل الروسي في انهيار غير مسبوق، الشركات العالمية تهجر روسيا وحتى رمز الصناعة الروسية أي شركة “لادا” للسيارات جمدت أعمالها هذا الأسبوع. في مجلس الأمن، هو مرمي بين أحضان بشار الأسد وكيم جونغ أون. الصين تبحث عن مخرج للعقوبات، وحتى فنزويلا تفاوض الأميركيين حول النفط وامتنعت عن تأييد روسيا.
الأصعب من ذلك هو أن ما من مخرج يليق ببوتين اليوم. فهو غير قادر على احتلال كييف سريعا وغير قادر على الخروج منها. السلاح يصل أوكرانيا أسرع مما يصل الغذاء والطعام الجيش الروسي ومرتزقته من الشيشان إلى دمشق.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، غير قادر حتى على الإقرار بأن روسيا تشن حربا في أوكرانيا. ربما الدبابات والضربات الجوية هي جزء من الفرصة السنوية السياحية للجيش الروسي؟ على الأقل يعترف لافروف بوجود رئيس لأوكرانيا اسمه فلودومير زيلينسكي، وبعد تجاهله في الأشهر الأخيرة يبدو بوتين أكثر استعدادا للاجتماع به.
بوتين لن يقر بالخطأ ولن يتراجع بهذه السهولة حتى لو كلفت الحرب عشرات الآلاف من المقاتلين الروس، لأنه كما صدام وحافظ الأسد يتحرك في سياق أيديولوجية قومية فقدت الصلة مع الواقع. هذا لا يعني أنه غير قادر على احتلال أوكرانيا وإخضاع كييف، لا بل قد يتمكن من ذلك، إنما لن يتمكن من كسر عزلته.
بوتين أراد بدخول أوكرانيا استرجاع ماضي الاتحاد السوفياتي وهو نجح في ذلك بإعادة روسيا إلى عزلة اقتصادية وسياسية، وكسر هيبة ثاني أقوى جيش في العالم. مصير أوكرانيا وسواء احتلها الروس أو حررها زيلينسكي لن يكسر عزلة الكرملين، ولن يعيد لبوتين صورة الزعامة المهيبة التي تتحطم في شوارع خاركيف وأروقة مجلس الأمن والأسواق المالية.