جسر: متابعات
هناك عادة قديمة عند الشعب السوري، أن مقياس الغلاء والرخص لديهم، ليس مرتبطاً بسعر الذهب أو الدولار، وإنما بسعر اللحمة.. فالمعيار عندهم هو، كم كيلو لحمة يشتري راتب الموظف في الشهر، أو كم فروجة..؟
فمثلاً، في العام 1980، كان سعر كيلو اللحمة بحدود 20 ليرة سورية، في وقت كان فيه سعر غرام الذهب بحدود 24 ليرة. ثم بدأت تصعد أسعار اللحمة، إلى أن وصل سعر الكيلو في العام 1983 إلى نحو 40 ليرة على ما أذكر، بينما غرام الذهب في تلك الفترة، كان يراوح حول 70 ليرة.
هذه الأحداث، وعيت عليها في سن الطفولة، ولازلت أتذكر حتى اليوم ردود أفعال الناس على ارتفاع سعر اللحمة، الذي كان أضعاف ردود أفعالهم على ارتفاع سعر غرام الذهب.. وهذا يعني بأن الشعب السوري، هو شعب محب للحياة وكريم، ولا يعنيه اكتناز الأموال والثروات.
بعد العام 1984، بدأت أسعار اللحمة ترتفع أكثر فأكثر إلى أن وصلت في العام 1986، إلى نحو 100 ليرة، وكان حدثاً كبيراً في سوريا، وبدأت أسمع الناس تقول إن راتب الموظف بالكاد يشتري 10 كيلو لحمة..؟، بينما سعر الذهب في تلك الفترة حلق إلى مستويات قياسية، ولم يعد ممكناً مقارنته بسعر اللحمة، من حيث الفارق البسيط بينهما.
ومما أتذكره جيداً في تلك الفترة، أن أخي اتصل بنا من حلب ليخبرنا أن كيلو اللحمة فيها بـ 70 ليرة، طالباً منا الهجرة إلى هناك، حيث كنا نقيم في درعا.
يعتقد الكثير من أبناء الشعب السوري، أنه إذا كان سعر كيلو اللحمة رخيصاً، فإن ذلك سوف يؤدي إلى رخص باقي السلع الغذائية بشكل طبيعي..
فإذا ما بالغ بائع بسعر البندورة والخيار والبطاطا، كان يرد عليه الزبون بالقول: “شو صايرة لحمة..؟!”.
بعد العام 1990، بدأت أسعار اللحمة ترتفع أكثر فأكثر، حيث وصلت إلى 200 ليرة، ثم العام 1995 إلى أكثر من 350 ليرة، وفي دمشق إلى أكثر من 400 ليرة، إلى أن وصلت في العام 2000 إلى 600 ليرة.. بينما دخل الموظف كان بحدود 4000 ليرة.. أي أن الراتب كان يشتري نحو 7 كيلو لحمة..
في هذه الأيام لم يتغير شيء، بل ظل سعر كيلو اللحمة هو المعيار والمقياس للغلاء والرخص، إذ أن المواقع الإعلامية، تتداول أخبار أسعار اللحوم، بنفس الروح التي يتم فيها تداول أسعار الذهب والدولار..
واليوم هناك خبر يقول بأن سعر كيلو اللحمة بات بأكثر من 8 آلاف ليرة سورية، بعد أن كان منتصف العام الماضي بنصف هذا السعر.. ليكون بذلك مؤشرا على مدى تعاسة الوضع المعاشي في سوريا.
من التعليقات التي أعجبتني على هذا الخبر، قول أحدهم: صحيح أن الهبرة بـ 8 آلاف ليرة، لكن المهم أن “اللحمة الوطنية” أصبحت بـ “بلاش”.
المصدر: موقع اقتصاد