جسر – خاص
كشفت مصادر خاصة لصحيفة “جسر” عن هوية العالم الكيميائي السوري الذي نشرت عنه صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً، لخّص أكثر من 14 عاماً قضاها هذا العالم “الموهوب” في العمل كجاسوس لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
التقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية في 19 شباط/ فبراير الجاري، كتبه الكاتب المعروف والمختص بالشؤون الأمنية والشرق الأوسط “جوبي وارك”، والمقال جزء من كتابه الذي سينشر قريباً، ويحمل عنوان “الخط الأحمر: تفكك سوريا وسباق أميركا لتدمير أخطر ترسانة في العالم”.
وأسهب الكاتب في حديثه عن العالم الكيميائي السوري، الذي تجسس في سوريا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، مقابل مبالغ مالية مجزية، قبل أن يُكتشف أمره بطريقة غريبة، على يد “آصف شوكت” نائب وزير الدفاع السوري الأسبق، وصهر عائلة “الأسد”، حيث استدعى “شوكت” العالم الكيميائي للتحقيق معه بشأن رشاوى كان يطلبها من الشركات التي تزود مركز البحوث الكيميائية الذي كان يعمل به بالإمدادات، ليقر “الكيميائي” بأنه “جاسوس” للمخابرات الأمريكية.
من يكون “الكيمائي”؟
عقب نشر صحيفة “واشنطن بوست” تقريرها الذي يتمحور حول “الكيميائي الموهوب”، تواصلت صحيفة “جسر” مع مصادر خاصة، كانت قد أدلت في وقت سابق بمعلومات مهمة حول نشاطات النظام السوري الكيميائية خلال العقود الماضية، والتي نشرتها “جسر” في تقريرين منفصلين عام 2019. بإمكانك الاطلاع على التقارير هنا وهنا.
من بين المصادر التي تواصلت معها “جسر” أشخاص عملوا لسنوات طويلة، في مركز الدراسات والبحوث العلمية في سوريا، قبل انطلاق الثورة السورية.
وأكدت مصادر “جسر” أن الكيميائي أو الجاسوس “أيمن” الذي عمل طيلة سنوات طويلة كجاسوس لوكالة الاستخبارات الأمريكية، تتطابق التفاصيل المذكورة عنه في تقرير “واشنطن بوست” بشكل كامل، مع شخصية العالم الكيمائي الدكتور “أيمن الهبل”.
وأضافت المصادر أن “أيمن الهبل” عالم مرموق وكان يدير المعهد “3000” للبحوث الكيميائية، كما كان مدعوماً بقوة من قِبل “حافظ الأسد” شخصياً، الذي أعطاه امتيازات واسعة جداً.
وأضافت المصادر أنه سنة 2001 اختفى “الهبل” في ظروف غامضة، وسرعان ما تسربت شائعات -بشكل مقصود أو غير مقصود- أن “الهبل” ذهب إلى “ما وراء الشمس”، في إشارة إلى أن النظام اعتقله أو قتله بتهمة “الخيانة”.
وأكدت المصادر أن طريقة اكتشاف أمر الكيميائي الجاسوس (الهبل) مرتبطة بانتشار وثائق عقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في الولابات المتحدة، حول اشخاص يشتبه بانشطتهم المالية، الأمر الذي قاد آصف شوكت للتحقيق في الأمر، والوصول إلى ما لم يكن يتخيله وهو تعامل الدكتور أيمن الهبل مع الاستخبارات الاميركية.
ورجحت المصادر أن الدكتور “زهير فضلون”، الذي تولّى رئاسة معهد الكيمياء بعد الهبل، له علاقة باعتقال الهبل على يد آصف شوكت، بالنظر إلى أن الإشراف الأمني على مركز الدراسات العلمية كان للمخابرات الجوية.
وتبدو هذه الرواية مقنعة إذا وضعنا في عين الاعتبار علاقة الصداقة المتينة بين بشرى الأسد، زوجة آصف شوكت، وكل من زهير فضلون وزوجته، حيث عملت بشرى إلى جانبهما في المركز في وقت سابق في قسم الكيمياء الحيوية.
وأكدت المصادر أن الدكتور “فضلون” شارك من وراء الكواليس في عمليات التحقيق مع الهبل، على اعتبار أنه خبير في شؤون المركز المعقدة التي لا يعرف العسكريون عنها أي شيء.
مصدرنا صحح أيضاً بعض المعلومات التي أوردتها صحيفة “واشنطن بوست”، حول تسلسل عملية إنتاج الاسلحة الكيمياوية، وقال إنها بدأت بالسارين ثم غاز الأعصاب XV ثم الخردل في النهاية، وأن كل هذه المواد أنتجت تحت إشراف الهبل، بما فيها عملية التخزين، والتي ابتكر الهبل من أجلها خطة فصل السارين إلى مكونيين مستقرين كيميائياً، يتم مزجهما عند الاستخدام. وقد انتقلت مسؤولية التخزين من أيمن الهبل مدير المعهد 3000، إلى الوحدة المستقلة 450، التي كانت تستلم الإنتاج وتخزنه بشكل مستقل.
كما أشار مصدرنا إلى أن الهبل وفريقه العلمي حل مشكلة جوهرية تتعلق بالتذخير بهذه الأسلحة الكيمياوية.
ليس فقط عيّنة “السارين النقي”
أحد مصادرنا وهو من الخبراء البارزين المنشقين عن المعهد 3000، الذي كان يرأسه الهبل، قال إن أخطر ما قدمه الهبل للمخابرات الأمريكية ليس فقط عينة السارين، بل مقطع فيديو يصوّر جميع منشآت المعهد وآلياته ومخابره، بالتفصيل الدقيق.
وأقدم الهبل على تصوير الفيديو بنفسه وبشكل علني، حيث تذرع حينها بأن المركز قد يتعرض لأي طارئ يحتم نقله وتركيبه في مكان آخر، ويجب أن يكون لديهم صورة واضحة عن موضع كل شيء، وأكد المصدر أن نسخة من هذا الفيديو أُرسلت إلى الاستخبارات الأمريكية.
وأضاف المصدر الذي عمل لسنوات في المعهد 3000، أن أيمن الهبل هو مؤسس المعهد، وهو أيضاً مؤسس ومدير ما يعرف بـ”مشروع أيوب”، الذي تم تجريب السارين خلاله على السجناء السياسيين، وراح ضحية هذه التجارب عدد غير معروف من المعتقلين.
وأجمعت مصادر “جسر” على أن الهبل تم استقدامه من الولايات المتحدة حيث كان يدرس، بعد تزكية من مؤسس ومدير مركز البحوث العلمية الدكتور “واثق شهيد”، وأن الهبل مطلع على كل تفاصيل وبنية مركز الدراسات العلمية، منذ انطلاقه إلى لحظة اكتشاف أمره.
ونوّهت المصادر أن “أيمن الهبل” ليس نفسه الضابط السوري ومسؤول الملف النووي السوري المتعامل مع المخابرات الإسرائيلية “صالح النجم”، الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، والتي قالت بعضها إن “صالح النجم” هو الاسم المستعار لـ”أيمن الهبل”، إلا أن هذا الادعاء غير صحيح، و”الهبل” و”النجم” ليسا الشخص ذاته.