جسر: خاص
مع تصاعد حملة الانتقادات الموجهة ضدها، وتواصل المظاهرات المناهضة لها في المناطق المحررة، كثفت هيئة تحرير الشام من جهودها الإعلامية الساعية للحد من آثار المأزق الذي وجدت نفسها فيه، حيث أصدرت الهيئة بيانين منفصلين اليوم الجمعة، اقرت في إحداهما بارتكاب أخطاء ووعدت بإصلاحها، بينما حذرت في الثاني من الايقاع بينها وبين الحاضنة الشعبية.
اعتراف ووعود
البيان الأول الذي أصدرته هيئة تحرير الشام صباح الجمعة، اعتبرت فيه أن الهدف الرئيسي لها كان استبدال مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية والإدارية والخدمية بمؤسسات ثورية بديلة، وأن هذا ما عملت كوادر الهيئة على تحقيقه، وأنه رغم المصاعب التي تواجهها إلا أنها نجحت في تحقيق إنجازات مهمة.
وأقر البيان بارتكاب أخطاء قال إنها من طبيعة العمل، إلا أنه جرى تضخيمها “لتحقيق مكاسب ولنوايا مختلفة”، مؤكداً “أن أبواب الهيئة مفتوحة لكل ناصح، وأنها تضمن حرية الرأي والتعبير، وأنها قد تجاوزت عن المسيئين لها”، مشيرة إلى سعيها “لتأسيس لجنة رقابية من أصحاب الحل والعقد تتمتع بصلاحيات واسعة”.
وبينما أغفل البيان التطرق إلى الفشل العسكري والهزائم التي تعرضت لها الفصائل مؤخراً وتحميل الجميع المسؤولية عنها لتحرير الشام، وهذا ما أكد عليه القيادي العسكري فيها (أبو العبد أشداء) في الفيديو الأخير الذي بثه، إلا أنها أشارت إلى سقوط ٥٠٠ مقاتل من عناصرها في معارك المئة يوم الأخيرة.
تشكيك وعدم ثقة
وقد لاقى البيان ردود فعل مختلفة، إذ وبينما رأى فيه أنصار هيئة تحرير الشام أنه يعبر عن رغبة قيادة الهيئة بالإصلاح، اعتبر الكثيرون أن هذا البيان يشبه وعود النظام بالإصلاح خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة، في الوقت الذي كان يواصل فيه أعماله التعسفية.
وأشار هؤلاء إلى إلى مواصلة هيئة تحرير الشام العمل على تكميم الأفواه واعتقال منتقديها وتعريض حياتهم للخطر، كما حصل خلال الأيام الثلاثة الماضية، عندما اعتقلت القوة الأمنية في تحرير الشام يوم الاربعاء الناشط الإعلامي أحمد رحال الذي عرف بتأييده لتحرير الشام، إلا أنه اتهم بتصوير الفيديو الذي ظهر به أبو العبد أشداء، بينما أطلق عناصرها النار على الناشط محمد جدعان يوم الخميس ما أدى لإصابته، ومع ذلك تم اختطافه، وإحالته إلى مكان مجهول.
كما أكد منتقدو الهيئة على عدم الثقة بوعودها الإصلاحية وخاصة فيما يتعلق بتأسيس لجنة رقابية، بعد تجارب سابقة مشابهة أكدت عدم جدوى مثل هذه اللجان التي لن تستطيع القيام بأي دور لا ينسجم وتوجهات قيادة تحرير الشام، التي يقول جميع من غادرها، أو عمل إلى جانبها من الشخصيات والتشكيلات، إنها خاضعة للاستبداد والتنفذ.
واستشهد أصحاب هذا الموقف مجدداً بما قاله أبو العبد أشداء في ظهوره الأخير، حين وصف مجلس الشورى والافتاء في الهيئة بعدم الاستقلالية أو الفاعلية، وكذلك الأمر بالنسبة للمجالس المحلية التي تشكلت في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة الهيئة، في الوقت الذي يعتبر فيه الكثيرون أن حكومة الانقاذ ذاتها خاضعة تماماً لإملاءات عدد محدود من قادة تحرير الشام، وفي مقدمتهم أبو محمد الجولاني وأبو ماريا القحطاني ومظهر الويس.
تحذير وسخرية
مكتب العلاقات الاعلامية في الهيئة أصدر بدوره بياناً حذر فيه مما اسماها “محاولات احداث شرخ بين المجاهدين الثوار وأهلهم”، مطالباً “بافشال حملة العدو الساعية إلى ضرب النسيج المجتمعي والتلاحم العسكري”.
وقال البيان: إنه “وبعد تحقيق الروس لتقدم عسكري جزئي على مناطق مدمرة دون ساكينها، أوقفوا المعركة العسكرية لينتقلوا إلى المعركة المجتمعية الإعلامية بغية بث روح الوهن وإضعاف المعنويات وإحداث شرخ بين المجاهدين الثوار وأهليهم، وللأسف تلاقت هذه الخطوات مع بعض المندفعين لشعارات براقة دون حقيقة، وفي واقع وزمان غير مناسبين”.
لكن الباحث والناشط في التيار الاسلامي عباس شريفة انتقد الوعود التي صدرت عن الهيئة ورأى أنها “تعيد للأذهان طريقة النظام السوري في الإصلاح من خلال: الدعوة للحوار مع الاستمرار في القمع، والوعود بإصلاحات إدارية لا تمسّ القيادة، وتمرير رواية المؤامرة الخارجية، بالإضافة لتشكيل هيئة رقابة عليا تختارها القيادة الفاسدة، مع المتاجرة بدماء الشهداء لحجب الرؤية عن فساد المفسدين وتبرير السكوت عن مظالمها بحق المدنيين”.
من جانبه القيادي السابق في حركة أحرار الشام الإسلامية (أحمد محمد مجيب) وتحت عنوان “ما أشبه اليوم بالبارحة!” سخر من وعود هيئة تحرير الشام وقال في حسابه على موقع تليغرام: التهمُ جاهزة، والسجون قائمة: توهين عزيمة الأمّة، والنيلُ من هيبة الدولة، ومحاولة قلب نظام الحكم، أو الانضمام لجماعةٍ محظورة”.