جسر: متابعات:
يشبّه مقال في صحيفة “ليبراسيون” Liberation الفرنسية قانون “قيصر” الأميركي بحبل يلتف حول عنق الاقتصاد السوري، الذي يعاني أصلاً من مشكلات جمّة، ويوضح أنه “ليس الكارثة الوحيدة التي يجب أن يواجهها نظام بشار الأسد، الذي لم يكد يتذوق انتصاره العسكري والسياسي حتى تراكمت عليه المصائب”.
المقال الذي جاء بعنوان “الرئيس السوري بشار الأسد في وضع يائس بعد 20 سنة في السلطة”، نشر في 8 يونيو (حزيران) الحالي يقول في مقدمته، “بين العقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية والخلافات داخل الحاشية التي تحكم البلاد، ووسط انتقادات موسكو وطهران والتظاهرات الشعبية، يراكم النظام السوري المصائب”.
ويقول كاتبا المقال، “إنه في هذا الأسبوع الذي يصادف الذكرى السنوية الـ20 لوصول بشار إلى رئاسة الجمهورية خلفاً لوالده حافظ الأسد، فإنه لا يجد سجلاً يستطيع الاحتفال به، حيث يواجه بعد تسع سنوات من الحرب المدمرة على بلاده تمزقاً غير مسبوق داخل أسرته التي حكمت سوريا منذ عام 1970”.
وكان رئيس النظام، قد كشف الاثنين 15 يونيو (حزيران)، عن “بعض الأخطاء التي ارتكبها حزب البعث الحاكم خلال مسيرته، ما تسبب في تراجع دوره في بعض المراحل”.
وأوضح في كلمة مكتوبة لأعضاء الحزب قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 19 يوليو (تموز) المقبل، أن أخطاء البعث تسببت في تغييب الكوادر ذات الكفاءة، قائلاً، “مسيرة الحزب لم تخل من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الأحزاب والتي أدت إلى تراجع دوره في بعض المراحل”.
السويداء استثنائية
وتصف مجلة “بوليتيكو” Politico الأميركية في عددها الصادر في 11 يونيو الحالي، وفي مقال بعنوان، “هل الأسد على وشك السقوط؟”، تظاهرات السويداء بـ “البارزة”، ولكن على الرغم من ذلك فإن الاحتجاجات التي تتكشف هناك هي فقط دلالة لأزمة أكبر بكثير تضرب في قلب نظام الأسد واحتمالات بقائه. وكان قرار الأسد بإقالة رئيس وزرائه عماد خميس يوم الخميس 11 يونيو، مؤشراً واضحاً على أن الانهيار الاقتصادي والمعارضة الصريحة الجديدة تشكل تحدياً حقيقياً لشرعيته.
وبالنسبة لتقرير “بوليتيكو”، أنه وحتى وقت قريب بقي الدروز، وهم طائفة من الأقليات، خارج نطاق النزاع السوري المرير ولمدة تسع سنوات، لكن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في البلاد أجبرتهم على النزول إلى الشارع. وخاطب المتظاهرون الأسد مباشرة، وهتفوا “اللعنة على أرواحكم، نحن قادمون من أجلكم”، كما وأعربوا عن تضامنهم مع مجموعات المعارضة في إدلب، البالغ عددها ثلاثة ملايين، والتي تعتبر آخر معاقل التمرد المسلح ضد الأسد.
الانهيار الاقتصادي
ويدخل قانون حماية المدنيين “قيصر” حيّز التنفيذ هذا الأسبوع، وتزداد معه مؤشرات الانهيار الاقتصادي والمالي في الداخل السوري. “اندبندنت عربية” توجهت ببعض الأسئلة لموالين ومعارضين للنظام السوري، للإطلاع على تأثير القانون في لعبة السلطة الداخلية للنظام، وكيف تتحضر سوريا لمواجهة تداعياته، ومن يستطيع أن يساند البلاد في هذا الوقت؟ وهل من الممكن أن ينتج من الضغط الدولي، تنازلات أو “تغيير سلوك” من قبل النظام، وما هي مقوّمات صمود دمشق، إذا ما بقي هناك من مقومات أصلاً، بعد عشر سنوات تقريباً على بدء الحرب؟
يتحفظ شادي أحمد المحلل الاقتصادي، على مصطلحات السؤال الأول، ويقول، “إنهم لا يستخدمون كلمة (نظام) في سوريا للدلالة على القيادة السياسية للبلد، والسلطة الداخلية لا تنطلق من مبدأ (اللعبة)، لأن هذه اللعبة الديمقراطية أو لعبة السلطات الداخلية قد تكون موجودة في بلدان أخرى، لكن في سوريا نستعمل تعبير (مسار)”. ويرى أن “قانون قيصر” جاء على معطيات غير مثبتة وغير مؤكدة، ذلك أن “الصور الفوتوغرافية التي اعتمد عليها وقيل إنها من المعتقلات السورية، اعتبرها الكثير من الخبراء محرفة، أي أن بعضها غير موجود على الإطلاق، أو مشغول عليها بطريق الفوتوشوب”. ويعتبر “أنه من الواضح أن هذا القانون يستهدف الدولة والحكومة السوريتين لا سيما من الناحية الاقتصادية، وهذ القانون الذي حمل اسم حماية المدنيين في سوريا، لا يهدف إلى حماية المدنيين، لأنه كان هناك تصريح واضح لجيمس جيفري من يسمى المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، والذي جاء بعرض للعاصمة دمشق، ويقول العرض “إذا ما تخلت سوريا عن العلاقة مع إيران وحزب الله، فهذا يعني أنهم جاهزون لرفع هذه العقوبات وإلى دعم الليرة والاقتصاد السوريين”، وبرأي أحمد ” الأمر ليس مرتبطاً بحماية المدنيين بل بالشروط السياسية التي تتعلق بالتحالف مع إيران والمقاومة في لبنان، بالتالي فإن تأثير “قانون قيصر” قد أكد للعديد من أفراد الشعب السوري حقيقة القراءة السياسية، التي قدمتها القيادة السورية، والتي قالت إننا في سوريا نتعرض إلى استهداف ومؤامرة من قبل الولايات المتحدة، وإذا لم يكن هناك سوريون مقتنعون بهذا الكلام، اقتنعوا الآن، وكأن واشنطن تقدم خدمة للسلطة السورية”.
تحضيرات “سرية وعلنية”
وعن تحضيرات الدولة السورية لمواجهة التداعيات، يقول “إن هناك تحضيرات ذات أبعاد سرية وعلنية. بالنسبة للتحضيرات المعلنة، التوجه إلى مزيد من إعادة دورة الإنتاج في سوريا على الصعيد الزراعي والصناعي، وتحويل منطقة الغاب (سهل خصب يقع في محافظة حماة في المنطقة الوسطى من سوريا) إلى خزان ومعمل غذائي، كون هذه المنطقة تمتد على مساحة كبيرة بطول 80 كلم وعرض 15 كلم، أي ثلث أو نصف مساحة هولندا، قد تكون البديل الاحتياطي أو الاستراتيجي. أيضاً دعم منطقة الشيخ نجار الصناعية في حلب والمعامل التي تعرضت للتخريب، ويعتبرها خطة طموحة قد تؤتى نتائجها قريباً”.
وعمن يستطيع دعم سوريا في هذه الظروف، يقول، “جميع الأصدقاء قادرون على ذلك، ومن يظن أن الاستهداف وفق “قانون قيصر” يستهدف الموردين، فإن أكثر الدول المؤثرة بالتعامل الاقتصادي مع سوريا هي بالأصل معرضة للعقوبات، بالأمس وجدنا أن إيران قد أرسلت خمس ناقلات نفط إلى فنزويلا، من دون أن تتمكن أميركا من عمل أي شيء، وهذا يعني أننا نستطيع أن نستمر بعلاقتنا الاقتصاية مع إيران وروسيا، لا سيما أن الشركات الروسية بدأت بتنفيذ المشاريع التي جرى التعاقد عليها، إضافة إلى أن الحرب الاقتصادية الكبيرة بين الصين الولايات المتحدة، انعكست على الصالح السوري”.
تقديم تنازلات؟
وعن التنازلات التي من الممكن أن يقدمها النظام تحت تأثير الضغط الدولي، يتحفظ الأحمد أيضاً على مصطلح “الضغط الدولي”، ويقول إن هذا سوف يزيد من إصرار السلطة السورية على التمسك بمواقفها، ربما كان التفاوض والحوار سيؤديان إلى تفاهمات، أما الضغط فلن يؤدي إلى نتيجة، باعتبار أن سوريا لم تقدم تنازلات عندما لم تكن تسيطر إلا على 19 في المئة من الأراضي السورية بعد عقوبات عام 2012.
وعن مقومات الصمود يقول، “لا يزال بعضها قائماً بجدارة، مثل الإنتاج الزراعي، صحيح أن وضع الليرة السورية يتعرض لضغوطات داخلية كثيرة، نتيجة المضاربات ونظام سلطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سرق بحسب التوصيف القانوني العديد من الليرات السورية، وجمعها في مستودعات في مدينة غازي عينتاب ومدينة كيليكس، ولدى قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، بتوجيه أميركي يقوم أيضاً بالتأثير في سعر صرف الليرة السورية”. ويقول إن الانتاج الصناعي بحاجة إلى فترة قليلة من الزمن من أجل أن نستطيع تلبية حاجاتنا، فقد استعدنا إنتاج أكثر من 70 في المئة من حاجتنا من الأدوية. ويؤكد أنه لا يجب أن تكون هناك فجوات بين الوضع الاقتصادي والوضع المعيشي، خصوصاً أن هذه الفجوات موجودة، والوضع المعيشي للمواطن السوري ليس بالجيد، ولكن أيضاً من كان يستهدف سوريا كان يأمل بأن يكون الوضع أسوأ بكثير مما هو عليه الآن.
النظام يجلب العقوبات على نفسه
في المقابل، يرى أيمن عبد النور رئيس منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أن “القانون يهدف أولاً إلى حماية المدنيين السوريين، وإقناع النظام أن لا حل إلا الحل السياسي، لا العسكري. بالتالي فإن النظام هو من يجلب العقوبات على نفسه، كونه يرفض تنفيذ شروط “قانون قيصر” ويرفض قرار مجلس الأمن الدولي 2254″. ويشرح أن “العقوبات ستفرض على مناطق النظام والأفراد المتعاونين والذين يخدمون آلته العسكرية من مختلف الجنسيات. من جهة أخرى، سوف يتأثر الكثير من رجال الأعمال العاملين مع النظام، والذي يوجد الكثير منهم حالياً على قائمة العقوبات، كما ستُضاف مجموعة أخرى سواء كانوا من السوريين أو من العرب أو أجانب وربما من جنسيات إيرانية أو روسية، لا يوجد فارق بين الجنسيات وبين المتعامل أو من يقوم بتبييض الأموال أو توريد المواد أو تقديم الخدمات إلى النظام خلافاً لـ”قانون قيصر”، حيث أنه ستتم ملاحقته ووضعه على قائمة العقوبات مهما كانت جنسيته. سيشكل هذا عامل ضغط كبيراً، وستصبح هناك صعوبة في تأمين المواد إلى مناطق النظام، وانخفاض في قيمة الليرة السورية وغلاء في أسعار المواد الاستهلاكية، وقد يؤدي هذا إلى انفكاك وهروب بعض رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، بالتالي تصبح هناك شقوق وشروخ، خصوصاً المجموعة المرتبطة برامي مخلوف، والتي بدأت تعيد الكثير من حساباتها، من ناحية تغيير اصطفافها وانسحابها مما كانت تقوم به لصالح النظام”.
فك الارتباط
وعما إذا كان من الممكن أن يقدم النظام على فك ارتباطه بإيران، يقول عبد النور، “هناك إجماع دولي أميركي – روسي – تركي – وأوروبي على أن طهران يجب أن تغادر المنطقة، ويأتي السماح للطائرات الإسرائيلية بضرب المواقع الإيرانية الموجودة في سوريا في هذا السياق. وقد يؤدي الانسحاب مع ميليشياتها الطائفية إلى إضعاف كبير لدور حزب الله في لبنان، وسيتم تشديد العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادي عليها، وإنهاء دورها في مناطق الإقليم سواء في العراق أو اليمن، وأن تعود إلى حدودها وتأخذ دورها كدولة طبيعية وليس كدولة متمددة تعمل على تصدير مشروعها، وتركب موجة تحرير القدس، هذه الشعارات التي لا تمارس منها أي شيء وتصرف مئات المليارات خارجياً، بينما شعبها منهار اقتصادياً، وعملتها منهارة والفقر يزداد انتشاراً في إيران، كل ذلك أدى إلى اضطرابات، حتى في الداخل، وهي مرشحة إلى أن تحدث فيها ثورات خلال فترة قريبة”.
في 11 يونيو الحالي، وفي مقال بعنوان، “هل الأسد على وشك السقوط؟”، تظاهرات السويداء بـ “البارزة”، ولكن على الرغم من ذلك فإن الاحتجاجات التي تتكشف هناك هي فقط دلالة لأزمة أكبر بكثير تضرب في قلب نظام الأسد واحتمالات بقائه. وكان قرار الأسد بإقالة رئيس وزرائه عماد خميس يوم الخميس 11 يونيو، مؤشراً واضحاً على أن الانهيار الاقتصادي والمعارضة الصريحة الجديدة تشكل تحدياً حقيقياً لشرعيته.
وبالنسبة لتقرير “بوليتيكو”، أنه وحتى وقت قريب بقي الدروز، وهم طائفة من الأقليات، خارج نطاق النزاع السوري المرير ولمدة تسع سنوات، لكن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في البلاد أجبرتهم على النزول إلى الشارع. وخاطب المتظاهرون الأسد مباشرة، وهتفوا “اللعنة على أرواحكم، نحن قادمون من أجلكم”، كما وأعربوا عن تضامنهم مع مجموعات المعارضة في إدلب، البالغ عددها ثلاثة ملايين، والتي تعتبر آخر معاقل التمرد المسلح ضد الأسد.
المصدر: اندبندنت عربية