خسر الثلاثيني السوري أحمد الحمصي مدخراته المقدرة بـ 26 ألف دولار، بعدما أودعها في 7 يوليو/تموز 2017 لدى مالك شركة للمقاولات والديكور كانت تعمل في مصر حيث يعيش لاجئا، إذ وعده رجل الأعمال بتشغيل المبلغ ومنحه أرباحا تصل إلى 25%، كثيرا ما حلم بما سيفعله بها، قبل أن يستفيق على كابوس هروب الرجل من مصر إلى محافظة أربيل شمالي العراق، ومنها إلى تركيا في 2 يونيو/حزيران الماضي، كما يقول الحمصي الذي باع منزله ومحله التجاري في مدينة تلبيسة شمال محافظة حمص.
ولا تقتصر المصيبة على ما فقده الحمصي، إذ سبق وأن دعا رفاقه من اللاجئين لوضع مالهم لدى الشخص ذاته، مشيرا إلى أن 40 منهم، فقدوا أموالهم ما دعاهم إلى مقاضاة رجل الأعمال الهارب واتهامه بالنصب عليهم، “لكن القضاء المصري المختص لم يفصل في الدعوى بعد”، كما يوضح المحامي المصري عصام حامد الموكل عن بعض المودعين، قائلا في إفادته لـ “العربي الجديد”: “العدالة ستأخذ مجراها وجهات التحقيق يمكنها المطالبة عبر الإنتربول بتسليم المتهم”.
ضحايا من شرائح متنوعة
حصلت معدة التحقيق عبر الضحايا على 12 تسجيلا لرسائل صوتية أرسلها مالك شركة للتشطبيات والديكور الذي تتحفظ الجريدة على اسمه، موجهة إلى بعض المودعين الذين خلفهم وراءه، وتحمل التسجيلات تبريرات لاختفائه ووعودا للبعض وتهديدات لآخرين بسبب نشرهم لمعلومات حول القضية.
ويتضح من التسجيلات وإفادات خاصة أن الأرباح الموعودة تتراوح بين 25% وتصل حتى 50%، كما تضم شريحة من تعرضوا لنهب مدخراتهم عبر وعود الربح الهائل، أصحاب محال تجارية صغيرة وتجارا وصرافين ولاجئين ونازحين ومتضررين من الحرب وأرامل ونساء معيلات وكبار سن، ومن بينهم الستيني أبو أحمد، الذي أودع منتصف العام الماضي مبلغ 2500 دولار، هي كل ما يملكه لدى مشغل أموال آخر من مدينة حلفايا شمالي حماة يعمل في تجارة المواد الغذائية بالجملة، في محاولة للحصول على ريع ثابت لإعالة أسرته المكونة من 7 أشخاص، لكنها ضاعت كلها كما يقول بأسى، وهو ما تكرر مع نعمان العلي في منطقة سلقين بمحافظة إدلب، والذي خسر 100 ألف دولار كان قد أودعها نهاية عام 2017 لدى ذات الرجل الذي استطاع من خلال الاحتكاك بالناس ونشر وعود مغرية أن يجمع قرابة المليون دولار، وخاصة من أصحاب رؤوس الأموال والعاملين في الصرافة والذهب، ومن اغتنوا بفعل تجارة الحرب حسب تأكيد قريب نعمان وابن المنطقة الصحافي محمد العلي، والذي قال لـ”العربي الجديد” إن “المتهم اختفى دون أثر عقب هروبه باتجاه مناطق النظام”.
ملايين الدولارات والجنيهات
رصدت معدة التحقيق خمس قضايا توظيف أموال لمشغلين سوريين، ثلاث منها في محافظة إدلب، واثنتان في مصر، خلال الفترة الممتدة من عام 2015 حتى يونيو/حزيران من عام 2019، وبلغ حجم الأموال التي أودعها 162 ضحية لدى خمسة من مشغلي الأموال، 7 ملايين و100 ألف دولار، منها 80 مليون جنيه مصري أي ما يعادل (4 ملايين و800 ألف دولار وفق سعر الصرف وقتها) جمعها مالك شركة المقاولات والديكور من ضحاياه بحسب تقدير محامي الضحايا حامد.
ومن بين تلك المبالغ مليون دولار جمعها مشغل أموال سوري من اللاذقية كان مقيما في مدينة الإسكندرية المصرية، في حادثة تابع تفاصيلها مسؤول حقوق الإنسان باللجنة القانونية في الائتلاف السوري بالقاهرة، المحامي فراس الحاج يحيى كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا أن المشغل غرر بالمودعين، قبل أن يسرق أموالهم ويغادر نحو سورية، مخلفا زوجته وابنتيه في مواجهة ضحاياه.
وجمع ثلاثة مشغلين 2.2 مليون دولار من مودعين في إدلب بحسب مدير المكتب القانوني في رابطة المحامين السوريين الأحرار، المحامي حسن مصطفى المصطفى والذي يتابع 5 قضايا توظيف الأموال في محاكم إدلب كما قال لـ”العربي الجديد”، مشيرا إلى أن إحدى القضايا يبلغ إجمالي الأموال المنهوبة المطالب بها نحو مليون دولار، وفي قضية أخرى 200 ألف دولار جمعها مشغل أموال في كفر سجنة كان يدعي العمل بتجارة السيارات، ومليون دولار جمعها مشغل أموال يعمل في تجارة الأدوات الكهربائية في بلدات كفر تخاريم وسلقين وأرمناز بمحافظة إدلب خلال عام 2015، وهو ما يؤكده العشريني وسام الوليد، جار أحد المتورطين والذي يعيش في سلقين كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا أن المتهم جمع أموالا من 100 مودع من البلدات الثلاث، بمبالغ أقلها ألف دولار وأكثرها 150 ألف دولار. ويتوقع المصطفى أن مجموع المبالغ المنهوبة في قضيتي توظيف أموال جديدتين ما زال يترافع فيهما في محكمة كفر نبل ومحكمة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ، يصل إلى 900 ألف دولار.
شركات ناشطة تعمل في مصر
تنشط بعض شركات توظيف الأموال داخل تجمعات السوريين في المدن المصرية بحسب المحامي يحيى، والذي رصد خمس شركات سورية تعمل في هذا المجال، مشيرا إلى وجود شركات ومشاريع توظيف أموال مرخصة باسم مالكها فقط وليس باعتبارها شركات مساهمة، وتابع مستدركا “ليس بالضرورة أن تصل تلك الشركات لذات النهاية كما في الحالات السابقة، ولكن يبقى هامش المخاطرة فيها كبيرا كونها تعمل بأموال مودعين لا يحصلون عادة على أية ضمانات باستثناء الضمان الشفهي”، وهو ما حدث مع الحمصي الذي لم يطالب رجل الأعمال الذي منحه ماله، بسند استلام، نتيجة لثقته به، كونه صديقه وجاره كما يقول.
ويستهدف العاملون في تشغيل الأموال في دول اللجوء البسطاء والأكثر جهلا بالقوانين والأكثر عوزا، ويستجيب هؤلاء لإغراءات الكسب السهل الذي يعرضه مشغلو الأموال المتمتعون بكاريزما تقوم على ادعاء التدين والثراء والزهد في ما في يد الآخرين، ووعود بالأرباح العالية التي حصدها بعض مودعيهم في الفترة الأولى فيما يضطر البعض الآخر إلى اللجوء لهذه الطريقة بسبب عدم إمكانية استثمار مبالغهم البسيطة، فضلا عن المعيقات الكبيرة والكثيرة التي تضعها البنوك أمامهم، بحسب المحامي يحيى.
المصر-العربي الجديد