جسر: متابعات
تداولت عشرات وسائل الإعلام، منذ يومين، تغريدة منسوبة لوزير الخارجية اللبناني الجديد تحدث فيها عن وفاة وزير خارجية النظام وليد المعلم، ولكن بعد انتشار الخبر على نحو واسع خلال دقائق، نقلت وسائل إعلام لبنانية عن الوزير نفيه لما نسب إليه.
وقام الحساب نفسه في وقت لاحق بنشر تغريدة تشير إلى أن المسؤول عنه هو صحافي إيطالي يدعى توماسو دي بينيدتي، وهو معروف بنشره لأخبار كاذبة عن الشخصيات المعروفة، وذلك بحسب موقع عكس السير.
تقول وكالة الصحافة الفرنسية (قسم التحقق من الأخبار) إنها لم تتمكن من التأكد ما إذا كان دي بينيدتي هو المسؤول عن الحساب بالفعل كما جاء في التغريدة.
الحساب تم إغلاقه/ حذفه بعد تلك التغريدة، والمفارقة أن وسائل إعلام لبنانية قالت -في معرض نفيها للخبر- إن حساب الوزير اخترق، علماً أنه ليس حسابه أساساً.
ويعرف عن الايطالي الإيطالي توماسّو دي بينيديتي نشره أخبار كاذبة ففي عام ٢٠١٨ تداولت وسائل إعلام عديدة خبر رحيل المخرج اليوناني كوستا غافراس (1933)، ليتم نفيه لاحقاً، كما أنه أطلق شائعة مثل الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشيف والكاتبة البريطانية ج. ك. رولنيغ.
ونشر موقع “العربي الجديد” مقالاً عن دي بينيديتي الذي بات شهيراً بسبب بهذا النوع من الإشاعات التي يُطلقها، حتى أن بعض المواقع أطلقت عليه تسمية “خبير في الكذب”، وهي تسمية لم تأت من فراغ، ولم تُمنح له فقط بسبب تكرّر إطلاق الإشاعات، بل لكونه صاحب قدرة على إقناع فئات واسعة بكذبة، ولعل طريقة تسريب إشاعة رحيل المخرج اليوناني تؤكّد ذلك، حيث لا يتعلّق الأمر فقط بكتابة خبر رحيل أحدهم على فيسبوك أو تويتر، بل ينبغي وضع خطّة مُحكمة.
وأنشأ دي بينيديتي صفحة فيسبوكية لوزيرة الثقافة اليونانية الجديدة ميرسيني زوربا، وكتب فيها خبر الرحيل، ثمّ نقله على صفحته على تويتر، ومنها بدأت كرة الثلج في التدحرج. يُذكر أن الصحافي الإيطالي سبق له أن استعمل الخطة نفسها في إشاعة وفاة الكاتبة السلوفينية سفيتلانا أليكسيفتش في 2017، حيث اعتمد أيضاً صفحة مزوّرة لوزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسان، وكانت هي الأخرى قد أخذت موقعها منذ فترة قصيرة.
سُئل دي بينيدتي سابقاً عن هذه “اللعبة الغريبة” التي يكرّرها، واعتبر أن ما يقوم به جزء من منطق نقدي تجاه وسائل التواصل الحديثة، حيث تثبت كل إشاعة أنه لا توجد حواجز لغربلة الصحيح من الخاطئ لدى الجمهور، ولدى الصحافيّين أيضاً.
هكذا تفتح هذه الحوادث على أكثر من سؤال، أوّلها ما أثاره دي بينيديتي عن مصداقية ما تنقله وسائل الإعلام، والتي يمكن أن تتورّط هي الأخرى في تصديق خبر ونقله لاحقاً رغم الحرص على عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء. وتفتح الحداثة أيضاً على أخلاقيات التواصل في المواقع الاجتماعية، فبغضّ النظر عن “المغالطة” التي يحتويها الخبر، فإن لهذا الأخير أكثر من ضحية، من الشخصية المعنية بخبر الوفاة، وما لهذه الإشاعات من وقع نفسيّ عليها وعلى أسرتها ومعارفها، وما يمكن أن يحدث من لبس في مثل هذه المواقف، دون أن ننسى الموقف المُحرج الذي توضع فيه الشخصيات التي جرى اختلاق هذه الأخبار على لسانها.
“لعبة” دي بينيديتي باتت متسارعة الإيقاع، يؤدّيها صحافيون كما يمكن لمراهقين عابثين أن يفعلوا ذلك، أو جهات رسمية ومخابراتية. وفي حياتنا الثقافية العربية، كم مرّة حدث نفس ما حدث لغافراس، والأمثلة قريبة للأذهان من نوال السعداوي إلى مظفّر النواب، ولا ننسى الكاتب السوري حنا مينا
سبق لدي بينيدتي الذي أمات الكثيرين، ونشر عشرات المقابلات المختلقة مع شخصيات عالمية، في صحف إيطالية، أن قال إن ما يفعله يهدف لتبيان هشاشة وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة انتحال شخص ما لشخصية من يشاء، ودعا الصحافيين للحذر والتأكد قبل النشر تجنباً للوقوع في فخ الأخبار الكاذبة.
وعن خداعه للصحف الإيطالية قال لصحيفة غارديان البريطانية: “لست مخادعاً من أجل الحصول على المال على الإطلاق، أردت رؤية مدى ضعف الإعلام في إيطاليا.. لم أحصل إلا على 20 إلى 40 يورو ثمناً لما كتبت.. وسائل الإعلام الإيطالية لا تتحقق من الأخبار، خصوصاً إن كانت مؤيدة لسياستها التحريرية”، وأضاف معلقاً على ما حدث معه خلال التعامل مع صحيفة يمينية، أنه في كثير من الأوقات اشتبه بأن المحررين يعلمون أن ما يقدمه لهم مختلق ولا صحة له، إلا أنهم كانوا يقبلون به رغم ذلك.
وفي رده على سؤال موقع تاغس شاو الألماني (القناة الألمانية الأولى) حول كيفية مكافحة الانتشار الكبير والسريع للأخبار الكاذبة، قال دي بينيدتي: “طالما بقيت وسائل التواصل الاجتماعي على وضعها الحالي، وطالما استمر كل من فيسبوك وتويتر بالسماح للجميع بالانضمام دون التأكد من هوياتهم الحقيقية، وطالما استمرت وسائل الإعلام والصحافيون بالسعي وراء أسبقية النشر، فإن الأخبار الكاذبة ستستمر بالانتشار.. يجب أن تكون هناك ضوابط لإنشاء الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وضوابط لنشر الأخبار أيضاً”.
دي بينيدتي أكد أيضاً أن المسؤولية تقع على عاتق المتلقي/ القارئ، حيث أن هناك من يصدق الأخبار الكاذبة حتى وإن كانت غير منطقية أو صادرة عن جهة غير معروفة أو موثوقة، ويساهم في تداولها (كتصديق ونشر خبر الإعلان عن وفاة البابا عبر حساب ما في تويتر، وهو الأمر الذي يفترض أن يتم الإعلان عنه من قبل الفاتيكان مثلاً).