درعا/ خاص جسر
عندما تجتمع ظروف الحرب والنزوح والفقر والجهل تولد “مريم”، كانت حينها في الثالثة عشر من العمر، تلهو بين قريناتها بجدائلها البنية الطويلة، وبشرتها السمراء، وعينيها البنتين اللامعتين، اللتين تشعان ذكاء وهي في صفها تتعلم كأي طفلة تحصل على حقوقها، في بلدة بريف درعا لملمت مريم مع أسرتها الحقائب على عجل، قاصدين مخيماً في الأردن فالوضع لم يعد آمناً.
تركت مريم صديقاتها ومدرستها وذكرياتها لتبدأ رحلتها في مخيم اللاجئين تقول” بعد عام من العيش في المخيم قرر والدي تزويجي، ليخفف من أعباء أسرتي، اختاروا لي شاباً عشرينياً لم نكن نعرف عنه شيئاً، إلا أنه من بلدتنا، فرحة أهله كانت عارمة، لم أعرف حينها لماذا فرحوا كل هذا الفرح”.
تتابع “والدي كان سعيداً نظراً لكونه اتخذ قراراً سديداً، أما أمي فلم تلحظ حزني، فقد كانت فخورة أن ابنتها حصلت على عريس في ظل تناقص عدد الشبان الذين يرغبون بالزواج”.
لم تجد مريماً وصفاً للشهرين الذين قضتهما في منزل زوجها إلا “الحلم المرعب”، فتقول “كان يضربني بشكل يوم ويتلذذ بتعذيبي، بمختلف الطرق وبأدوات متعددة، لم أجرؤ على اخبار أهلي، اكتفيت بالاستفسار من والدته التي اخبرتني بأنه يعاني من مرض نفسي، وخافوا أن يخبروا اهلي خوفاً من رفض عرض الزواج”.
استطاعت مريم التحمل لمدة شهرين، إلا أن جاءها زوجها ذات ليلة حاملاً سكيناً بنية قتلها، وبصراخها جاء الناس وأنقذوها من بين يديه، بصحبة والدها الذي بدا مهزوماً لخياره الخائب، وجعلها تحصل على الطلاق في الليلة ذاتها. لم يمض وقت طويل على الطلاق، لتعود عائلة مريم إلى بلدتها في ريف درعا، بحثت عن صديقاتها فوجدتهن على مقاعد الدراسة في الصف الثامن، وحديث البلدة طلاق مريم.
“عروس المخيم” لم تجد ما تشغل به نفسها إلا أختها الجديدة، فقد وضعت والدتها طلفة فبدأت بتربيتها، وتفرغت لتعلم شؤون الطبخ والتنظيف.
لم تكتف مريم بذلك، فعملت في تنظيف بيوت سكان البلدة، واتخذت من التبصير مهنة لها، فتبصر لكل ربة منزل تقوم بتنظيفه.
مريم طلبت للزواج مجدداً، يا لفرحة والدها! فقد تقدم لخطبتها رجل في السابعة والأربعين من العمر، متزوج منذ سنوات، ولكنه لم يحظ بأطفال، فوجد في تلك العروس ضالته فهي صغيرة ومناسبة لغرضه.
لم يشعر بالخجل هذا العريس عندما تقدم لخطبتها، فتقول مريم”كان متأكدا من الموافقة كيف لا، فقد لمح في عيون اهلي نظرات السعادة والامتنان، فقد انقذهم من ورطتهم ومسح عنهم عار طلاق ابنتهم”.
مضى على طلاق مريم أربع سنوات وهي الآن في السابعة عشر من العمر، تحضر “جهازها” لتنتقل إلى منزل العريس الذي لا يزال يحلم بقبيلة من الذكور، كما تقول.