جسر – متابعات
تحدث موقع “ستراتفور – The Stratfor” الأميركي عن صراع يبرز داخل نظام الأسد في سوريا، مع اقتراب الحرب من نهايتها، بين تياري الإصلاحيين والمتشددين، مشيراً أن الصراع يلقي بظله على خيارات موسكو والعلاقة مع إيران والقوى الداخلية والخارجية الأخرى.
ويقول المحلل بالموقع ريان بول إن الإصلاحيين داخل النظام يرغبون في إعادة الانخراط مع العالم مقابل رغبة المتشددين في استمرار السيطرة الصارمة على اقتصاد البلاد ونظامها السياسي.
وأضاف أن روسيا -الحليف العسكري الحاسم لدمشق، التي أدى تدخلها إلى تحويل اتجاه الحرب في البلاد- ستُجبَر على لعب دور الوسيط بين الطرفين (الإصلاحيين والمتشددين) لإنهاء دورات العنف التي لا نهاية لها في سوريا من دون تعريض وضعها للخطر.
الفقاعات الأولى
ويوضح بول أنه مع انتهاء حالة الطوارئ العسكرية للحرب في سوريا عادت قضايا الطعام إلى صدارة السياسات الجامدة في البلاد، ومع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة ظهرت احتجاجات حتى في معاقل الحكومة مثل دمشق، إذ نزل السوريون إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم من نقص الوقود من بين مظالم أخرى، وعلى هذه الخلفية ظهرت الفقاعات الأولى لمرحلة جديدة محتملة من الاضطرابات.
وقال إنه حتى العلويين -الداعمين الرئيسيين لحكومة الأسد- أصبحوا أكثر جرأة في شكواهم من السياسات الاقتصادية، وبدؤوا الضغط على دمشق لإيجاد طرق لاستعادة العلاقات التجارية مع العالم الخارجي، وكذلك المقربون أصبحوا ضحايا سياسات الحكومة.
وبحسب ما أورد الكاتب في التقرير الذي نقلته “الجزيرة”،فإن إعادة الاتصال بالعالم الخارجي ستعني تقديم تنازلات للمعارضة، ومن المحتمل أن تأخذ شكل صفقة تقوم إما بإضفاء الفدرالية على سوريا، أو إضعاف سلطات الرئاسة، أو بكل منهما، وهو أمر يكرهه المتشددون في النظام، وهناك القليل من المؤشرات على أن الدائرة الداخلية مستعدة للتنازل الآن، خاصة بعد تحقيق نصر عسكري إستراتيجي في درعا.
روسيا وإيران
ومع ذلك، يقول بول إن المتشددين ليس لديهم احتكار كامل لما يحدث في سوريا، ولدى الشريكان الأمنيان الرئيسيان للنظام (روسيا وإيران) رأي أيضا، لا سيما وسط تضاؤل جيش النظام على مدار العقد الماضي من الحرب وهجرة السكان.
وأرسلت روسيا بالفعل إشارات إلى أنها تفضل نهجا أقل خطورة من الحرب الأهلية، مع الحفاظ على الانفراج مع الولايات المتحدة، مع وقف اتفاقيات خفض التصعيد مع كل من المعارضة المسلحة وتركيا.
الضغط الروسي
وفي الوقت الذي تقوّض فيه العزلة الاقتصادية لسوريا مشاعر بعض الموالين، وتهدد باستئناف الاضطرابات المدنية؛ تريد موسكو أيضا من الأسد دعم الإصلاحيين داخل الحكومة، والضغط من أجل المصالحة مع بعض جماعات المعارضة على الأقل، كما تريد في النهاية أن يبتعد النظام عن إستراتيجية الأرض المحروقة خوفا من “تطهير” المزيد من السوريين ودفع البلاد بعيدا عن إعادة الإعمار.
ومع انتهاء الحرب الأهلية -حسب المقال- قد تضطر روسيا إلى تحمل مخاطر أكبر في متابعة إستراتيجيتها، التي تستهدف الحفاظ على قاعدتها البحرية في طرطوس وإعادة بناء المصداقية كقوة عظمى في المنطقة، وهي أهداف اعتمدت على بقاء حكومة الأسد في السلطة.
وإذا قررت روسيا دعم الأسد حتى مع انهيار الاقتصاد السوري أكثر فمن المرجح أن تلعب موسكو دورا أعمق في تهدئة التوترات بين المتشددين والإصلاحيين. ففي درعا، يبدو أن روسيا نجحت في تجنب هجوم عسكري مكلف من خلال التوسط بين المعارضين والنظام، وهو الدور الذي لعبته موسكو أيضا في إدلب وشرق دمشق وأماكن أخرى في البلاد.
من التدخل إلى الاحتلال الجزئي
والآن، يمكن لروسيا أن تواجه احتمال الاضطرار إلى الموازنة بين الطبقات المتوسطة والفقراء والتجار في دمشق والعلويين في اللاذقية ضد الدائرة الداخلية المتشددة؛ فقد تنفجر هذه التوترات في بعض الأحيان وتتحول إلى أعمال عنف، ورغم أن تكرار الانتفاضات الجماهيرية عام 2011 أمر غير مرجح، فإن مثل هذه الاضطرابات قد تجبر الجيش الروسي على القيام بدور صانع السلام وتحويل تدخله إلى احتلال في أجزاء من البلاد.
من ناحية أخرى -يقول الكاتب- إذا استخدمت روسيا نفوذها في محاولة لدفع المتشددين نحو الإصلاح، فإنها تخاطر بعزل أعضاء الدائرة المقربة من الأسد الذين يلعبون دورا رئيسيا في الحفاظ على موقف موسكو في سوريا.
ويوضح أن هذه الدائرة المتشددة تعتمد على الدعم الإيراني لكثير من أمنها، مع العلم أن طهران تدعم حربا شاملة لفرض سيطرة كاملة على سوريا، ونتيجة لذلك قد تشجع على مقاومة طلبات الإصلاح الروسية.
ويختم بول تحليله بأن الموالين للنظام المستبعدين قد يجبرون موسكو أيضا على الاختيار بين إنهاء تدخلها في سوريا مع المخاطرة بترك الميدان لإيران والمتشددين السوريين، أو ربما إحياء تكتيكات موسكو في حقبة الحرب الباردة لمحاولة اختيار قادة الدول الحليفة لها.