قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم الاثنين أنَّ النظام السوري يستخدم إصدار جوازات السَّفر كتمويل للحرب وإذلال لمعارضيه، وسجَّل التقرير الانتهاكات التي يتعرَّض لها المواطن السوري في أثناء محاولته استخراج جواز سفر، وكشفَ عن الكلفة المادية المرتفعة وغير المنطقية مقارنة بجميع بلدان العالم.
وذكر التقرير الذي جاء في 10 صفحات أنَّ النظام السوري وظَّف مختلفَ أجهزة الدولة السورية في سبيل إيقاف وقمع الحراك الشعبي الذي اندلع في آذار/ 2011، ولم يكتفي في سبيل البقاء في السلطة بجهاز الأمن والجيش بل استخدَم مؤسسات الدولة بمختلف أشكالها، ولم يستثنِ مؤسسة الهجرة والجوازات، التي تضخَّم دورها على غرار عدد كبير من المؤسسات وأصبحت تلعب دوراً أمنياً وسياسياً، وباتت ممارسات كل تلك المؤسسات تدور في فلك دوامة ابتزاز ونهب أموال المجتمع السوري بهدف إضعافه وإذلاله. وبحسب التقرير فقد استخدام النظام السوري تلك الأموال في استمرار الحرب المفتوحة ضدَّ كل من طالب بعملية انتقال سياسي حقيقي وتغيير نحو الديمقراطية.
وأشار التقرير إلى أنَّ استمرار واتساع حجم وكمِّ الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري ولَّد حاجة ماسَّة لدى المجتمع السوري للسَّفر خوفاً على حياته وأمنه؛ ما دفع الملايين من المواطنين السوريين داخل سوريا لاستصدار جوازات سفر، ومن ناحية أخرى فإنَّ المواطنين السوريين خارج الدولة بحاجة مستمرة دورية لتجديد جوازات سفرهم.
وأوضح التقرير أنَّ إصدار جواز السَّفر في سوريا مرَّ عبر مرحلتين، وقد تحكَّمت فيها المافيات واستغلها النظام السوري لزيادة موارده المالية، وذكر التقرير أنَّ المرحلة الأولى امتدت منذ بداية الحراك الشعبي حتى نيسان/ 2015 واتَّبع النظام السوري فيها سياسة مزدوجة، فقام من ناحية بفرض الحصول على ورقة موافقة من الأفرع الأمنية لكلِّ من يرغب بالحصول على جواز سفر داخل أو خارج سوريا، وحُرِمَ بالتالي جميع من لاحقته الأجهزة الأمنية إثرَ مشاركته في الحراك الشعبي، وجميع المعارضين في الخارج من الحصول على جواز سفر، إلا أنَّه من ناحية أخرى فتح لهم فرصة الحصول على جواز سفر عن طريق شبكات مافيوية مقابل مبالغ مالية طائلة قد تصل في بعض الأحيان إلى 5 آلاف دولار أمريكي.
وأضافَ التقرير أنَّ المرحلة الثانية كانت عقبَ إصدار النظام السوري المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2015 الذي سُمِحَ بموجبه بإصدار جوازات سفر لجميع السوريين داخل وخارج البلاد، ودون تمييز بين معارض للنظام أو موالٍ له، كما شملَ الذين غادروا البلاد بصورة غير شرعية، ثم طرأت عليه تعديلات فرضها المرسوم رقم 18 لعام 2017 وحدَّد الرسم القنصلي عند منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للمواطنين السوريين ومن في حكمهم الموجودين خارج الجمهورية العربية السورية بشكل فوري ومستعجل -أي في غضون ثلاثة أيام عمل- بمبلغ /800/ دولار أمريكي. ووفقاً لنظام الدور -أي في غضون 10 إلى 21 يوم عمل- بـمبلغ 300 دولار، وبحسب التقرير فإنَّ هذه الكلفة المادية المرتفعة التي فرضها النظام السوري على إصدار جواز السفر وتجديده مرتفعة جداً وهي الأعلى في العالم. ونوَّه التقرير إلى أنَّ أقصى مدة صلاحية لجواز السفر لمعارضي النظام السوري وبالتالي المطلوبين أمنياً لا تتجاوز عامَين اثنين، وأنَّ كثيراً من الدول وشركات الطيران تشترط مدة صلاحية ستة أشهر على الأقل للسماح بالسفر، أي أنَّ مدة جواز السفر عملياً هي عام ونصف، كما أن عدداً كبيراً من السوريين يُقيم في مدن أو دول ليسَ فيها قنصليات سورية؛ الأمر الذي يضطر المواطنَ إلى السفر وحجز رحلة طيران وإقامة فندقية، ويضطرُّ أيضاً للجوء إلى الحصول على الجواز المستعجل أي أنَّه يدفع 800 دولار أمريكي، إضافة إلى المصاريف الأخرى ليحصل في النهاية على جواز سفر تم تصنيفه من قبل موقع ”passport index” على أنه رابع أسوأ جواز سفر عالمياً.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد وظَّف النظام السوري العائدات المادية التي حصل عليها نتيجة طباعته جوازات سفر بمبالغ مادية طائلة في حربه ضدَّ معارضيه من الشَّعب السوري، واستمرَّ في دفع رواتب الميليشيات الموالية له، وفي شراء وصيانة الذخائر والأسلحة لقصف مناطق ومدن سوريَّة، والاستمرار في ارتكاب مزيد من جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانية، ولم يلقَ طلب النظام السوري ثمناً لجواز السفر 800 دولار أي إدانة دولية تُذكر، كما لم تُتخذ أيَّة إجراءات فعلية من قبل المجتمع الدولي تُعطي المواطن السوري بديلاً عن ابتزاز النظام السوري الفظيع أو تضغط عليه لتحصيل سعر منطقي على غرار بقية دول العالم”.
ذكر التقرير أنَّ المواطن السوري يواجه انتهاكات إضافية في أثناء معاملات استخراج جواز السَّفر، إضافة إلى الكلفة المادية المرتفعة، حيث لا تزال أجهزة الأمن تشترط حصوله على موافقة أمنية، ويخضع كل مُتقدِّم للحصول على جواز سفر إلى عملية تدقيق ومطابقة مع قوائم الملاحقين والمطلوبين وهم بشكل أساسي جميع من ساهم في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية. وإضافة إلى الموافقة الأمنية، لا بدَّ لكل شاب من الفئة العمرية (20 – 42 عاماً) وغير معفى من الخدمة الإلزامية(1)*، من الحصول على موافقة من شعبة التجنيد التابع لها، وهذا بحسب التقرير يُشكّل عائقاً أمام مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، الذين تخلَّفوا عن الالتحاق بمؤسسة الجيش إثرَ تجنيد النظام السوري الحالي هذه المؤسسة للقيام بانتهاكات تُشكِّل جرائم حرب وجرائم ضدَّ الإنسانية، وتقتل مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري.
ووفق قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان ذكرَ التقرير أنَّ النظام السوري اعتقل ما لا يقل عن 1249 شخصاً بينهم ثمانية أطفال، و138 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار/ 2011 حتى كانون الثاني 2019، ذلك أثناء وجودهم لإجراء معاملاتهم في دوائر الهجرة والجوازات في عدة محافظات سورية، منهم قرابة 703 حالات تم اعتقالها من داخل دائرة الهجرة والجوازات في مدينة دمشق وحدها. واستعرض التقرير أبرز هذه الحالات.
وأضافَ التقرير أنَّ المواطنين السوريين خارج سوريا أيضاً يعانون من أنماط عدة من الانتهاكات، حيث استغلَّ النظام السوري عدم وجود أي بديل عن جواز السفر الصَّادر عنه، وعمل على ابتزاز السوريينَ لتحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال ومن الشرعية السياسية، وتحقيق أكبر قدر ممكن من ممارسات الإذلال وانتهاك كرامة المواطنين، واستعرض التقرير نماذج على ذلك في دول عدة.
اعتبر التَّقرير أن استغلال النظام السوري حاجة المواطنين لإصدار جوازات سفر ومن ثم نهب أموالهم عبر المطالبة بأسعار مرتفعة جداً، ثم إهانة كرامتهم الإنسانية في أثناء إجراءات معاملة الحصول على جواز السفر يُعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، ولا تكاد توجد دولة في هذا العصر الحديث ترتكب هذا النَّمط من الانتهاكات الفاضحة، ولهذا تأتي الجمهورية العربية السورية بقيادة هذا النظام في مؤخرة المؤشرات العالمية في الحقوق وفي الحريات وفي الديمقراطية.
أوصى التقرير النظام السوري بالتَّوقف عن نهب أموال المواطن السوري ووضع سعر منطقي لجواز السفر لا يتجاوز 20 دولار أمريكي على غرار بقية دول العالم. وعدم استخدام مؤسسات الدولة الخدمية ومواردها في تمويل الحرب ضدَّ المجتمع السوري المطالب بالتغيير السياسي الديمقراطي.
كما أوصى المجتمع الدولي بالضَّغط على النظام السوري وحلفائه من أجل تخفيض أسعار جواز السفر السوري. واعتبرَ أنَّ أية محاولة تأهيل أو إعادة أي شكل من أشكال العلاقات السياسية أو الاقتصادية دعماً واضحاً ومباشراً لنظام ديكتاتوري قمعي يستغل أبسط حقوق مواطنيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)*المعفون من الخدمة الإلزامية بحسب القانون السوري هم: من كان وحيداً لوالديه أو لأحدهما، عجز بدني، أداء الخدمة الإلزامية في جيش دولة أخرى، دفع بدل نقدي، تجاوز الثانية والأربعين من العمر باستثناء المطلوبين للخدمة الاحتياطية، عضو مجلس الشعب طيلة مدة عضويته في المجلس، الموظَّف الموفد بقرار إيفاد، الطالب الموفد للدراسة بقرار إيفاد، الطالب الموفد للتدريب الصيفي استناداً لوثيقة إيفاده.