جسر: تقارير:
في تقرير من دمشق، قالت صحيفة “الشرق اﻷوسط” إن المتجول في أحياء العاصمة هذه الأيام، يلحظ أن الأسواق والأماكن العامة تزدحم بالنساء، لدرجة بات البعض يطلق عليها “مدينة النساء” بسبب طغيان الطابع الأنثوي على الذكوري، وأشارت إلى وصف آخرين مدينة طرطوس على الساحل السوري بـ”مدينة الأرامل”، بسبب مقتل عدد كبير من رجالها في صفوف قوات النظام.
وأوردت الصحيفة حالة “سوسن”، وقالت إن السيدة البالغة من العمر نحو 25 عاما، لا تنقصها الحنكة في التعامل مع الزبائن، من خلال إظهارها الابتسامات أثناء تلبيتها طلباتهم، وينقل التقرير عن لسانها أنها لم تكن “مخيرة في مسألة الالتحاق بسوق العمل وإنما مجبرة” من أجل إعالة طفليها، بعد أن أفقدتها الحرب منذ عامها الثاني زوجها الذي كان المعيل الوحيد للعائلة.
ولا تجد سوسن التي تعمل لمدة ثماني ساعات في اليوم، حرجا من العمل في المحل رغم أن معظم العاملين فيه هم من الرجال، وتقول للصحيفة: “الحياة صعبة للغاية، وازدادت صعوبتها مؤخرا، ويجب أن أعمل لأعيش أنا وأطفالي، فلا يوجد من يطرق بابنا ويعطينا ليرة أو رغيف خبز”.
وبعد أن توضح السيدة أن أحوالها تهون عن أحوال بعض الأسر النازحة التي فقدت معيلها، وتضطر لدفع مبالغ مرتفعة جدا إيجارات للمنازل، تقول: “الحمد لله، الحال مستورة، فأنا لم أنزح من بيتي، وأتقاضى 60 ألف ليرة في الشهر (أقل من 60 دوﻻر)، وصاحب المحل رجل طيب إكرامياته للعمال لا تنقطع، كما أحصل على إعانات من الجمعيات الخيرية”.
وقالت الصحيفة أن ما وصفتها بـ”الحرب” التي تشهدها سوريا وستدخل عامها العاشر منتصف آذار/مارس المقبل، إضافة إلى عمليات الخطف والاعتقال، تسببت بموت أعداد كبيرة من الرجال وفي فقدان أعداد كبيرة من العائلات في مناطق سيطرة النظام للمعيل زوجا وولدا.
وأشارت الصحيفة تأكيدات منظمات حقوقية ومراكز دراسات أن حصيلة ضحايا الحرب تقدر بـأكثر من نصف مليون قتيل، 350 ألف حالة منها تم توثيقها، يضاف إليهم نحو مليون شخص أصيبوا بإعاقات مباشرة، ونحو 200 ألف معتقل، ونقلت عن “مركز دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد) الموالي للنظام، أن نسبة الذكور من وفيات الحرب السورية بلغت نحو 82 في المائة.
وذهبت الصحيفة، أن هذه الحال دفعت بكثير من النساء إلى ممارسة مهن وأعمال كانت حكرا على الرجال، والقيام بدور الأب المعيل والأم في آن واحد، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في سوريا قبل الحرب؛ حيث بات من المألوف مشاهدة فتيات يعملن في محال بيع الألبسة الجاهزة الرجالية والنسائية والسوبرماركت والحلويات والبوظة، وحتى بائعات بساطات في أسواق الخضراوات، وعاملات نظافة في الطرقات، وسائقات لسيارات أجرة، وفي محال تصليح السيارات.
وأعتبرت الصحيفة مشاهدة فتيات لا يتجاوز عمر الواحدة منهن الثامنة عشرة، يعملن نادلات في المقاهي، التي انتشرت خلال الحرب بشكل لافت في العاصمة دمشق؛ من مؤشرات ارتفاع نسبة عمالة النساء والفتيات في مناطق سيطرة النظام، وحالة الفقر المدقع التي تعاني منها غالبية العائلات.
حالة أخرى توردها الصحيفة هي أم يوسف؛ أم لطفل وثلاث فتيات، منذ اختفاء زوجها في السنة الأولى للحرب تعمل في غسل السيارات أمام الأبنية في الأحياء الراقية وسط العاصمة، مقابل مبالغ مالية مقبولة تتقاضاها من أصحابها، تعيش منها مع أفراد عائلتها، وتنقل عنها الصحيفة قولها: “الأولاد كانوا صغارا، ولم يكن أمامي خيار سوى العمل، وإلا كنا سنشرد ونجوع”. وتوضح أنها مع مرور الوقت وهي تقوم بهذا العمل؛ “أصبح كثير من أصحاب السيارات في تلك الأحياء زبائن لي، ويتصلون بي مسبقا لتنظيف سياراتهم في اليوم التالي”.
ومع تفاقم صعوبة الحياة المعيشية للغالبية العظمى من الأسر، بسبب الغلاء الفاحش وتردي المداخيل الشهرية، تشير أم يوسف إلى أنها تبحث لفتياتها عن عمل من أجل مساعدتها في مواجهة مصاعب الحياة، وتقول: “العمل لا يعيب الفتاة ما دامت محافظة، وتحدثتُ مع كثير من الزبائن لإيجاد عمل للبنات، ووعدوني خيرا، ولكن حتى الآن لم أحصل على نتيجة”، وتلفت إلى أنها “سأقوم بتشغيلهن بأي عمل بعد عودتهن من المدرسة؛ لأن مصاريف الحياة كبيرة، ولم أعد أقدر على تأمينها وحدي”.
ونوهت الصحيفة أن الأرقام الرسمية كانت تشير إلى أن عمالة النساء في سوريا لا تشكل أكثر من 16 في المائة من قوة العمل السورية، وأن نسبة البطالة وصلت بين الإناث إلى نحو 11.1 في المائة عام 1994، وارتفعت إلى الضعف تقريبا بين عامي 2004 و2009. أما لدى الذكور، فقد كانت النسبة 6.3 في المائة، وارتفعت إلى نحو 10.5 في المائة خلال الفترة نفسها؛ لكن الأرقام خلال السنوات الخمس الماضية فإنها ترجح تغيرا كبيرا لمصلحة النساء، بعدما أصبحت قطاعات كثيرة تطلب عاملات لسد الثغرات جراء ندرة العاملين من الرجال والشباب.
ومع تكتم المصادر الرسمية في البلاد على النسبة الحالية لعمالة النساء، للتغطية على الأعداد الكبيرة لضحايا الحرب، نقلت تقارير عن خبير اقتصادي من دمشق، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن نسبة طغيان الطابع الأنثوي على الذكوري في الأسواق والأماكن العامة تصل إلى 80 في المائة، بحسب الصحيفة.
وكنتيجة طبيعية، ساهمت عمالة النساء في رفع نسبة الأنشطة التي تقوم بها المرأة السورية مقارنة بالرجل، بما يقارب 40 في المائة كحد وسطي، وفق ما يقول الخبير الاقتصادي. ويشير إلى أن هذه النسبة ارتفعت إلى 90 في المائة نهاية عام 2015 وبداية عام 2016، نتيجة لظروف فرضتها الحرب على الرجال.
وأشارت الصحيفة إلى أرقام الأمم المتحدة التي تتحدث عن هجرة نحو 6 ملايين سوري إلى دول الجوار ودول غربية منذ بداية الحرب، بينما تشير تقارير إلى أن أغلبية هؤلاء من الرجال والشباب الذين هربوا، خوفا من الالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية في صفوف قوات النظام.
وتشير دراسة إلى أن 2.7 مليون شخص فقدوا وظائفهم في القطاعين العام والخاص، ما أدى إلى فقدان الدخل لأكثر من 13 مليون شخص من المعالين بحكم التدمير الذي طال مواقع العمل، الأمر الذي قد يوقع الأسرة في شباك الاستغلال والفقر، ما زاد من الضغوط على المرأة في سوريا، التي وجدت نفسها مسؤولة وتواجه مختلف ضغوطات الحياة، بحسب الصحيفة.
وبعد أن كان سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي يساوي ما بين 45 – 50 ليرة في سنوات ما قبل 2011، شهد تدهورا تدريجيا خلال السنوات التسع الماضية، ليصل حاليا إلى نحو 1050.
وذكرت الصحيفة، أن التدهور في سعر صرف الليرة على مدار سنوات الحرب كان في كل مرة يترافق مع موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الأساسية، لتزداد الأسعار أكثر من 22 ضعفا، أي بنسبة بلغت 2400 في المائة، في ظل مراوحة في المكان لمتوسط رواتب وأجور العاملين في القطاع العام، بين 20 ألف ليرة (نحو 20 دولارا) و40 ألف ليرة (نحو 40 دولارا) شهريا، وفي القطاع الخاص بين 100 ألف ليرة (نحو 100 دولار) و150 ألف ليرة (نحو 130 دولارا) شهريا، في حين يحتاج الفرد إلى أكثر من 100 ألف ليرة للعيش بالحد الأدنى، بينما تؤكد دراسات وتقارير أن أكثر من 93 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.