جسر: تحقيقات:
لا يكاد يمر يوم على منطقة الجزيرة السورية دون حادثة قتل أو أكثر، تستخدم فيها أسلحة متنوعة، من المسدسات، إلى البنادق والرشاشات المتوسطة، وأحيانا تستخدم القذائف الصاروخية، إضافة إلى العبوات الناسفة، التي لم تعد تستخدمها التنظيمات والفصائل المسلحة فقط، بل يتم اللجوء إليها في تصفية حسابات شخصية وقبلية أيضاً، ويشير ذلك إلى تفشي ظاهرة اقتناء السلاح وتجارته على نحو غير مسبوق، الأمر الذي يطرح تساؤلاً جدياً عن حجم هذه الظاهرة وعمقها، وعن المستفيد منها، وعمن يقف وراء تغذيتها، وهو ما سنتقصّاه في التحقيق التالي.
الأسلحة المنتشرة
قالت منظمة “Small Arms Survey” المهتمة بانتشار الأسلحة بين المدنيين في تقريرها الأخير، إن سوريا تحتل المرتبة 89 عالميا، بمعدل قدره 8.2 سلاح لكل 100 شخص، لكن هذا الرقم لا يعبر عن حقيقة الحال وفقاً لمراقبين ميدانين، وإن كان يصح في بعض المناطق السورية، إلا أنه غير صحيح إطلاقاً في منطقة شرق سوريا على وجه التحديد، حيث لا يخلو منزل من قطعة سلاح أو أكثر، ليفوق عددها عند بعض العائلات عدد أفرادها.
وبسبب الظروف الأمنية والتكتم الذي يحيط بامتلاك الأسلحة عموماً، لا نستطيع الحصول على إحصائية دقيقة، لكن ثمة مناسبات يتم فيها استعراض تلك الأسلحة أو استخدامها، مثل الأعراس والاشتباكات العشائرية، وتنتشر مقاطع فيديو لا حصر لها، صورت في مثل هذه المناسبات تؤكد أن كميات الأسلحة والذخائر كبيرة جداً، علماً إن الأسلحة الأكثر خطورة، تبقى طي السريّة العائلية، وهنا نستعرض أهم أنواع الأسلحة المتداولة، وفق أحاديث مع تجار سلاح وخبراء ووسطاء (دلالون).
المسدسات
تتنوع الأسلحة المنتشرة في أيدي الاهالي بدير الزور وتأتي في مقدمتها المسدسات نظرا لكونها خفيفة وسهلة الحمل، ومنها مسدس GLOCK بطرازاته المختلفة، ويتميز هذا النوع من المسدسات بسهولة الحمل وخفة الوزن حيث يتجاوز وزنه النصف كيلو غرام بقليل، وهو مصنوع من البلاستيك المقوى ومعدن الفونط ويمكن تزويده بجهاز تسديد ليزري، ويتراوح سعره بين 1600 و1800 دولار.
ومنها أيضا مسدس “بتو بيريتا” اﻹيطالي المخصص للجيش الاميركي، ويتسع مخزنه لـ16 طلقة، ويقدر سعره بحوالي 3000 دولار، إلا أنه غير منتشر بكثرة نظراً لارتفاع سعر وندرة وجوده في الأسواق.
إضافة إلى مسدس سميث الأمريكي وهو نوعان، الأول 9/16 خفيف الوزن، مصنوع من معدن الفونط والبلاستيك المقوى ضد الكسر، والصدأ، ويتسع مخزنه لـ15 طلقة، ويقدر سعره بحوالي 2200 دولار، والثاني، سميث العادي مصنوع من الفولاذ، ويستوعب مخزنه 9 طلقات، ويقدر سعره بحوالي 1000 دولار.
كما أن هناك مسدس والتر الألماني، ويعرف القديم منه باسم مسدس هتلر، وهو مسدس معدني ثقبل الوزن وذو سبطانة طويلة، ويقدر سعره بحوالي 500 دولار، والحديث 9/16، مصنوع من الفونط والبلاستيك ضد الكسر والصدأ، ويقدر سعره بحوالي 2000 دولار، ولا ينتشر على نطاق واسع في المنطقة، ولايقتنيه الأهالي لعدم معرفتهم بميزاته.
ويوجد أيضاً مسدس H.S الكرواتي وهو نوعان، الأول 9/16، ويستوعب مخزنه 16 طلقة، ويقدر سعره بحوالي 1800 دولار، ويستوعب مخزن النوع الثاني 9 طلقات، ويقدر سعره بحوالي 900 دولار، كما أن هناك مسدس “زيغ زاور” الألماني عيار 9/16 المصنوع من الحديد الخفيف، سهل الحمل، ويعتبر مرغوباً من قبل الأهالي، ويقدر سعره بحوالي 1500 دولار.
ويشيع استخدام طراز آخر من “بتو بيريتا” الايطالي، يقدر سعره بحوالي 1400 دولار، وهو متوفر بكثرة في المنطقة، ويستوعب مخرنه 16 طلقة، وهناك مسدس ستار 16 الإسباني وهو نوعان؛ ستار 16 المصنوع من الفونط، ومخزنه يستوعب 16 طلقة، ويقدر سعره بحوالي 1400 دولار، وستار طويل، 16 طلقة، ومصنوع من الحديد ويقدر سعره بحوالي 1200 دولار.
ويوجد أيضاً مسدس تشيكي المنشأ عيار 9/16، ويستوعب مخزنه 16 طلقة، ويقدر سعره بحوالي 1100 دولار، آما المسدس ماب الفرنسي، ويعتبر غير مرغوب لثقل وزنه، ويقدر سعره بحوالي 800 دولار.
أما المسدسات المصنوعة في بلجيكا (البراوننغ البلجيكي)، فيتوفر منها ثمانية أنواع، وتعتبر من أكثر الأنواع انتشاراً، ومبيعاً، إذ أنها مرغوبة، لسهولة حملها واستعمالها وفكها وتركيبها، ووزنها الخفيف، ويستوعب مخزن كل مسدس منها 14 طلقة، وتتراوح أسعارها بين 1000 إلى 2000 دولار، إضافة إلى براوننغ الأرجنتيني المنشأ المعروف بتسمية 9/14، بالمميزات نفسها.
وهناك مسدس توكاريف والذي يعرف باسم (شميزر)، روسي المنشأ (يشاع خطأ أنه ألماني)، كما يعرف باسم (العشرة ونص) نسبة إلى طول طلقته، وهو ثلاثة أنواع: صيني يمتاز بخفه وزنه، ويقدر سعره بحوالي 600 دولار، وبولوني يعرف محلياً بـ”التاج”، حيث يوجد على ظهر السبطانة، ختم على شكل تاج يرمز للدولة المصنعة “بولونيا”، ويقدر سعره بحوالي 500 دولار، والثالث هو الروسي الصنع، وهو نوعان سن خشن وسن ناعم، ويقدر سعره بحوالي 400 دولار.
وتنتشر مسدسات 8.5 ملم، وهي ثلاثة أنواع؛ أولها روسي الصنع، مخزنه يستوعب 7 طلقات خفيف الوزن، وذو حجم صغير. ثانيها، ألماني الصنع ذو حجم صغير لونه أسود كامل مع القبضات المسدسية. وثالثها، مسدس صيني الصنع يتميز بخفة وزنه، ويقدر سعر كافة الأنواع بـ400 دولار.
إضافة إلى المسدسات من عيار 7 ملم، ويستوعب مخزن كل منها 7 طلقات، وهي عدة أنواع؛ أولاً بتو بيريتا 7 ملم، ويعتبر من أفضل المسدسات الصغيرة، ويتميز بصغر حجمه، وهو ذو فوهة بارزة، ويركب عليه كاتم للصوت، ويبلغ سعره حوالي 500 دولار، ثانياً لاما الإسباني، وهو مسدس صغير الحجم، مرغوب من قبل الأهالي، لسهولة حمله، ورخص ثمنه، ويقدر سعره بحوالي 400 دولار، ثالثها تشيكي المنشأ، حجمه صغير، وسعره ٢٥٠ دولار.
البنادق
من الأسلحة واسعة الانتشار في شرق سوريا البندقية الشهيرة كلاشنكوف أو ما يطلق عليها اسم (البارودة)، وهي عدة أنواع، أولها روسية المنشأ، وهي نوعان: أخمص خشبي، وتنتشر في اﻷسواق بعدة أشكال أهمها: كونيك سعرها 500 دولار، عشراوية سعرها 450 دولار، صاروخ سعرها 400 دولار، نجمة سوخوي سعرها 400 دولار، و جميعها تسميات محلية تعتمد علامة مميزة تظهر على هذه البنادق، وجميعها تسميات محلية تعتمد علامة مميزة تظهر على هذه البنادق.
أما بنادق كلاشنكوف روسية المنشأ ذات اﻷخمص القابل للطي فأشهرها: كونيك سعرها 800 دولار، أطلس سعرها 700 دولار، كلاشنكوف 11 سعرها 850 دولار، وتعتبر هذه البنادق متوفرة في كل المنازل تقريباً، و يقتنيها جميع الأهالي.
إضافة إلى ألمانية المنشأ وتنقسم إلى نوعين أيضا بحسب اﻷخمص؛ الخشبي يقدر سعرها بـ 300 دولار، والطي سعرها 400 دولار، أما صينية المنشأ، فهي نوعان، أخمص خشبي سعرها 200 دولار، وأخمص قابل للطي سعرها 300 دولار.
إضافة إلى كلاشنكوف RPK، وهي نوعان: النجمة ذات السبطانة الطويلة، وسعرها 150 دولار، وأخرى بولونية المنشأ، وسعرها 100 دولار.
وهناك البنادق أمريكية التصميم، وأسعارها مرتفع مقارنة بغيرها، وأشهرها M4 أمريكية المنشأ، وهي قصيرة تذخر بطلقات من عيار 5،5، وزنها خفيف، وذات إصابة دقيقة، ويوجد معها منظار ليزري، ويقدر سعرها بحوالي 4000 دولار، كما يوجد بنادق M16 أمريكية المنشأ، طويلة، خفيفة الوزن، ويوجد معها منظار، وتذخر أيضا بطلقات 5،5، وسعرها 1600 دولار، أما الثانية M16، كولومبيا المنشأ، والمعروفة بالتسمية المحلية “أم العلمين”، حيث تحمل إشارة علمين، فتشبه بمواصفاتها M16 الأمريكية، ويقدر سعرها بـ 1400دولار، إضافة إلى M16 تركية المنشأ، وتذخر بالذخيرة نفسها، وتعتبر أقل جودة من الأمريكية، وسعرها 800 دولار.
وهناك بنادق روسية المنشأ، وتمتاز بصغر حجمها وخفة وزنها، وجودتها العالية ولها عدة أنواع، أشهرها المعروفة بـ(اللادنية)، نسبة إلى زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، حيث ظهرت في أكثر من تسجيل مصور له، ويستوعب مخزنها 30 طلقة روسية.
ومنها أيضا AK-103، ولها نوعان: اﻷولى قصيرة الفوهة، دقيقة التصويب، وتحتوي على خافي لهب، هدفها بعيد المدى، ولها ذخيرة خاصة تسمى محليا بـ “طلق اكاي”، وتعرف الثانية بتسمية صاروخ، وتتميز بجودتها العالية، وتحمل قاذفة قنابل أمامية، فضلاً عن سهولة تذخيرها، ويقدر سعرها بـ1500 دولار.
الرشاشات المتوسطة
ويتصدر المشهد نوع ثالث من الأسلحة، ويعتبر أيضاً متداولاً بين الأهالي، وهي الرشاشات المعروفة محليا بتسمية “بي كي سي”، نسبة للرشاش المتوسط الروسي الشهير PKS ومنها الروسي والصيني والهنغاري.
فيما يتعلق بالرشاشات الروسية، فهي أنواع:
رشاش (العشراوي)، ويعتبر من افضل أنواع الدارجة وأحداثها، خفيف الوزن، سهل الاستعمال، يحتوي على علبة تتسع لـ250 طلقة، ويقدر سعره حالياً بـ2200 دولار.
رشاش صاروخ، وهو طراز قديم، سهل الاستعمال، خفيف الوزن، ذو سبطانة عادية، يقدر سعره بـ1800 دولار.
رشاش تبوك، روسي الصنع، غير مرغوب لثقل وزنه، وعدم توفر قطع تبديل له، فضلاً عن حجمه الكبير، ويبلغ سعره ألف دولار.
أما الصيني، فيعتبر من الرشاشات المميزة، وهو حديث الصنع، خفيف الوزن، سهل الاستعمال، قليل الانتشار، سعره 2200 دولار.
مضادات الطيران
وعلى نطاق أضيق مما سبق، تنتشر أنواع أثقل من السلاح، ولا يقتنيها سوى أصحاب الأموال لحماية ممتلكاتهم، وهي المعروفة محليا بالمضادات، والمقصود مضادات الطيران، والتي تستخدم حاليا للرمي الأفقي، وتعتبر من الأسلحة القوية جداً بسبب غزارة الرمي وقوة المقذوف وبعد المدى، وقدرتها على اختراق الدروع، والشائع منها:
– دوشكا 12.7 روسي المنشأ، ويعتبر من أفضل المضادات المتوفرة في المنطقة، لسهولة استخدامه وخفة وزنه، ويستطيع بعض المتمرسين حمله بشكل يدوي، وتحمله سيارات “البيك اب” على قاعدة مخصصة له، ويقدر سعره بحوالي 2500 دولار .
– دوشكا 12.7 صيني المنشأ، ويعتبر من أفضل المضادات، ويعرف محليا بتسمية “مجلس عسكري”، حيث استخدم أول اﻷمر من قبل “المجلس العسكري لديرالزور” التابع لـ”الجيش السوري الحر”، قبل أن ينتشر في السوق بعد استيلاء أشخاص أو فصائل عليه، ويقتنيه الأهالي وتجار النفط وأصحاب الأموال، ويعتبر خفيف الوزن، وسهل الاستعمال ومرغوب بين الأهالي.
– كي بي في 14.5 روسي المنشأ، ويستخدم بشكل كبير في المنطقة، ويعتبر من المضادات المتوفرة في السوق، لرخص ثمنه، وتوفر قطع التبديل له، ويتم تركيب هذا المضاد على سيارة “بيك آب” على قاعدة خاصة، ويقدر سعره بحوالي 2500 دولار.
القواذف
ومن الأسلحة المنتشرة أيضاً في المنطقة، لسهولة استخدامها، القواذف الصاروخية، وهي نوعان: قاذف RPG روسي المنشأ المحمول على الكتف، ويستخدم لتفجير المدرعات، ويرافقه منظار، ويقدر سعره بـ300 دولار، وقاذف الناصر العراقي، وهو قاذف عراقي الصنع، ثقيل الوزن، كثير الأعطال، يعمل على مبدأ القاذف الروسي، ولكنه أقل جودة منه، ويقدر سعره بحوالي 150 دولار.
الصواريخ المحمولة على الكتف
وينتشر في ديرالزور، الصواريخ المحمولة على الكتف وهي مستخدمة بكثرة، وأبرزها صاروخ “لاو” اﻷمريكي ذاتي اﻹطلاق، وهو متوفر في المنطقة، وسعره حوالي 300 دولار ويستخدم لمرة واحدة.
الذخائر، القنابل والعبوات الناسفة
أما فيما يخص أسعار الذخائر فهي: طلقة الكلاشنكوف ٢٥٠ ليرة، طلقة بي كي سي ١٥٠ ليرة، طلقة 5،5 بسعر 160 ليرة سورية، طلقة أي كي 180 ليرة، طلقة المضاد 12،7 بسعر 300 ليرة، طلقة 14،5 بسعر 250 ليرة، طلقة مسدس 9 ملم 600 ليرة، طلقة مسدس 10،5 بسعر 1200 ليرة، طلقة مسدس 8،5 بسعر 800 ليرة، طلقة مسدس 7 ملم بسعر 1000 ليرة.
وبالنسبة للقنابل، يوجد قنبلة هجومية روسية سعرها 15 دوﻻر، وقنبلة دفاعية روسية سعرها 12 دوﻻر، وقنبلة أمريكية سعرها 18 دوﻻر.
ويتوفر في المنطقة ايضاً متفجرات متنوعة، مثل السيفور C4، والمستخدم في صناعة العبوات مع شريط المتفجر والصاعق، بمبلغ 150 دولار، وسعر عبوة “تي إن تي” المعجون البني مع الصاعق والشريط 125 دولار، أما كيس السماد الكيمياوي نوع 33 آزوتي، الذي تستخلص منه بعض أنواع من المتفجرات فسعره 25 دوﻻر، أما شريط الكوارتز (صاعق) والمعد للتفجير، والذي يبلغ طوله حوالي 250 مترا في علبة مختومة، فسعره 500 دولار.
من أين جاءت تلك الأسلحة؟
نظراً للقبضة الأمنية التي بسطها النظام على مدار أربعين عاماً، لم تكن الأسلحة متوفرة بشكل كبير بين الأهالي، وكان تداولها ممنوعاً دون ترخيص، والذي كان محصوراً ببعض أنواع المسدسات وأسلحة الصيد.
مع بداية الحراك المسلح بدأت الأسلحة بالتدفق عبر الحدود، خاصة من العراق وتركيا، وباستخدامها تمكن الثوار من انتزاع كميات إضافية من مواقع قوات النظام التي سيطروا عليها، وبقيت تلك الكميات في حالة تصاعد، سواء عبر المجالس العسكرية التي كانت تستجر كميات كبيرة ونوعية من تركيا، أو عبر الحدود العراقية التي انسحبت منها قوات النظام، ليصبح العبور منها أكثر سهولة.
في مرحلة لاحقة، وعندما بدأ النظام باﻻنحلال في أطراف سوريا، بين السنوات ٢٠١٣ و٢٠١٦، أصبح ضباطه وشبيحته مصدرا رئيسياً للسلاح بسطوهم على مخصصات الجيش التي يتصرفون بها كما يحلو لهم، خاصة في المفارز والوحدات التي تقع على خطوط الاشتباك، كما ظهرت مجموعات من التجار من حران العواميد وبير القصب، يتاجرون بأسلحة نوعية مثل صواريخ الكورنيت وصواريخ الكونكورس والمضادات بكافة أنواعها، ناهيك عن الأسلحة الخفيفة، ونشط سكان البادية شرق دمشق وحمص والسويداء في عمليات شراء ونقل الأسلحة إلى المنطقة الشرقية من سوريا، التي كان تجار النفط ومستثمري الآبار يدفعون مبالغ طائلة لشرائها، وبعد سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، استمر في عمليات الشراء وبكميات أكبر، للنهوض بأعباء حروبه متعددة الجبهات.
أسواق للأسلحة في دير الزور
ومع تقدم الثوار في إدلب وريف حلب، وفتح الطريق باتجاه دير الزور والرقة والحسكة، أصبح السلاح يباع في الاسواق المحلية كأي سلعة أخرى، وافتتحت عدة أسواق في دير الزور لبيع السلاح، منها سوق المصرية في البوكمال، وسوق العشارة بمدينة العشارة، وسوق الدبابات وسوق الماكف في الميادين، وسوق الرغيب في الحوايج.
السلاح متوفر بكثرة.. لكن السوق خفية
حالياً لا يوجد سوق معلن لبيع السلاح، أما الأسلحة المتوفرة لدى السكان فهي الخفيفة والمتوسطة، ولا يخلو أي منزل بسيط، من ثلاثة أو أربعة قطع من الأسلحة المختلفة؛ ولكن بالتواصل مع التجار، يتبين أن كل تاجر يملك مئات القطع المتنوعة من الأسلحة، مع ذخائرها، وقطع تبديلها.
وإن أراد أحد العاملين في قطاع يعتبر مستهدفاً من قبل تنظيم داعش كالصرافة مثلا، فإنه يشتري السلاح لحماية عائلته، وأمواله، وروى أحد الصرافين لـ “جسر” تجربته في شراء السلاح، فقال إن صديقه توسط لدى تاجر أسلحة، من أجل تنسيق لقاء مباشر، وشراء عدد من قطع السلاح، وعندما تم اللقاء يقول المصدر “اصطحبني التاجر إلى غرفة خاصة، معدة لعرض الاسلحة، واطلعت على الأسلحة المتوفرة، مع ذخائرها، وتعرفت على ميزاتها، وأسعارها، فاشتريت ثلاثة قطع متنوعة، وهي رشاش بي كي سي روسي المنشأ بسعر 2200 دولار مع علبة و500 طلقة، وبارودة كلاشنكوف روسية المنشأ بأخمص قابل للطي بسعر 800 دولار، مع عدد من المخازن والطلقات، ومسدس ستار إسباني المنشأ مع عدد من المخازن وذخيرة بقيمة 900 دولار، ومنحت الوسيط (الدلال) مبلغ 100 دولار”.
من أين يأتي السلاح اليوم؟
وفقاً لتجار سلاح ووسطاء التقتهم “جسر”، فإن مصادر الحصول على السلاح اليوم محصورة بالداخل السوري، بعد منع ادخاله من تركيا، وضبط الحدود من العراق، أما أهم مصادره فهي مخزونات الحرب التي تم الإستيلاء عليها، سواء من طرف ميلشيات النظام أو قوات سوريا الديمقراطية-قسد.
يقول ح.م وهو تاجر أسلحة من منطقة الشعيطات، إن عدداً من أبناء عمومته من المقاتلين استولوا على كميات كبيرة من الاسلحة الفردية إبان معارك طرد داعش من المنطقة، مما وجدوه في ساحات القتال، وقد اشترى منهم كميات لا بأس بها يقوم اليوم بإعادة بيعها في عموم أرياف ديرالزور، وقد أشار في معرض حديثه إلى الطابع العشائري لمنطقة شرق سوريا، والمعروف عن عائلاتها اقتناء قطعة سلاح لكل ذكر فيها تقريبا، لكن تنظيم داعش جردهم كلياً من تلك الاسلحة إبان سيطرته على المنطقة، وهم الآن “يعيدون تسليح أنفسهم” بالتدريج، خاصة مع حالة الفلتان الأمني الشاملة، ووجود كم كبير من الثارات والحساسيات التي تراكمت على خلفية سنوات الصراع، إضافة إلى توفر تلك الأسلحة بكميات كبيرة وبأسعار معقولة نوعاً ما.
أما أ.ص فهو مجرد سمسار، يقصده من يرغب بشراء قطعة سلاح من عشيرته “ليستشيره” في الامر، ويحدد له الصنف والمبلغ الذي يستطيع دفعه، فيقوم محدثنا بالتواصل مع عدد من تجار الأسلحة الذين يعرفهم، لتحديد أفضل الخيارات، ثم يعقد الصفقة، التي يحصل بنهايتها على عمولة من التاجر، تتفاوت بين خمسين ومئة دولار على قطعة، ويعتبر السمسار (الدلال) كفيلا بين الطرفين لضمان عدم وشاية أحدهما بالآخر.
يقول أ.ص إنه في صيف 2019، ربح مبلغاً كبيراً، عندما جاءه أحد تجار السلاح ليبلغه بأن أحد أقاربه (أقارب الدلال)، وهو قائد حاجز في قسد، استولى على مستودع سلاح عائد لتنظيم داعش المهزوم في بلدة الشعفة، بعد أن أكتشفه أحد اﻷهالي العائدين إلى منازلهم وأبلغ عنه، وطلب التاجر من الدلال أن يتوسط لدى قائد الحاجز لشراء كافة قطع السلاح التي بحوزته.
يقول محدثنا إن قريبه كان قد انتقى 12 قطعة سلاح غالية الثمن جداً، واستحوذ عليها، وسلم قوات سوريا الديمقراطية القطع المتبقية، وبعضها لحقه الصدأ والتآكل بسبب وجودها في القبو الرطب، وكان مستعجلاً للتخلص منها، وأن التاجر منحه 200 دولار عمولة على القطع المتوسطة، و150 دولار على القطع الخفيفة.
واعتبر غالبية من تحدثت إليهم “جسر” أن عناصر قسد بالاجمال هم المصدر الأول للسلاح اليوم، وأنهم يأتون به مما استولوا عليه في المعارك مع تنظيم داعش، أو من المستودعات التي يتم اكتشافها بشكل دائم، لكن يتم التعمية عليها بحجة السرية الأمنية، ومن ثم يتم بيعها وتداولها، وفي بعض الأحيان يقوم قادة صغار وعناصر ببيع أسلحة تقع تحت أيديهم، دون أن يشعر أحد بذلك نتيجة عدم وجود عمليات ضبط أو رقابة صارمة من القيادة.
أما المصدر الثاني فهو ضباط وعناصر وشبيحة يتبعون لنظام الأسد، وهؤلاء أيضاً وقعت تحت أيديهم كميات كبيرة من مستودعات قسد الهائلة، ويتاجرون بها بطريقة مشابهة لطرق تجارة عناصر قسد. كما أنهم يبيعون كميات من الاسلحة التي تم تسليمها لهم بذريعة خسارتها في المواجهات، خاصة فيما يخص الذخائر، التي لا رقابة عليها بالمطلق تقريباً.
ثمة أيضا مصدرين آخرين للسلاح هم المقاتلون السابقون، بمن فيهم مقاتلو داعش، الذين انسحبوا من التنظيم أو دخلوا في مصالحات مع قسد أو نظام الأسد، ولديهم اطلاع ووصول إلى أماكن تخزين أسلحة تنظيمهم السابق، ويقومون ببيعها بالتقسيط، والأمر عينه ينطبق على مقاتلين في الجيش الحر، وعلى سبيل المثال تم حل ما يعرف بقوات النخبة، التابعة لتيار الغد سابقاً، في الخريف الماضي، بعد ان تبين أن معظم عناصرها قد باعوا أسلحتهم في المنطقة لتجار السلاح.
لمصلحة من؟
يؤكد عدد من مصادرنا المطلعة على تجارة السلاح في شرق سوريا، إن معظم سلطات الأمر الواقع هناك تسهل وتشجع هذه التجارة بطريقة أو بأخرى لأنها تحقق لها منافع سياسية، ناهيك عن المنافع المادية التي يتم جبايتها من المجتمعات المحلية بوصفها سوق استهلاك.
وأهم تلك الأطراف هي قوات سوريا الديمقراطية التي تتذرع بفوضى السلاح وانتشاره لإبقاء قبضتها الأمنية على مجتمعات الجزيرة المناوئة لها؛ بحجة أن هذا السلاح هو أداة “داعشية” تقنع المجتمع الدولي بضرورة استمرار دعم تلك القوات ومنحها الشرعية.
أما قوات نظام الأسد ومن خلفها ايران وروسيا، فإنها تضخ كميات من السلاح في منطقة شرق الفرات، لتسهيل عمليات زعزعة الاستقرار، في محاولة لإرغام القوات الامريكية على مغادرة المنطقة والاستيلاء عليها، وفي هذا السياق أيضاً تسعى إلى تشكيل ما يدعى “بالمقاومة الإسلامية” في مناطق سيطرة قوات التحالف، وهذه تحتاج إلى توافر الاسلحة وانتشارها في المنطقة، من أجل تسليح خلاياها وعملائها فيها.
أخيراً يعد تنظيم داعش أحد ابرز المستفيدين، إذا يسهل توفر وانتشار وحمل السلاح، ما تبقى من خلاياه النائمة، لتنفيذ مهماتها الأمنية كالاغتيالات وزرع العبوات وغير ذلك، ناهيك عن إمكانية جمع تلك الأسلحة من الأهالي في حال سيطرته على منطقة ما، وإنشاء ترسانة عسكرية خاصة به على حسابهم، كما فعل عند ظهوره أول مرة سنة ٢٠١٤.
هل من حل في الوضع الراهن؟
إن وضع حد لظاهرة حمل السلاح والاتجار به خارج القانون مسألة سهلة جداً، لكن بشرط توفر السلطة النزيهة والمركزية، والتي توفر حدا أدنى من الأمان والعدل للمواطنين، وفي هذا المجال يجدر التنويه بتجربة التنظيم في منع وجود السلاح بأيدي “العامة”، رغم أن أهدافه كانت مختلفة، وكيفية توصله إلى إنهاء الظاهرة خلال أشهر قليلة، وهو ما ساهم في الحد من الجريمة والعنف المجتمعي بشكل ملحوظ جداً، حتى أن سكان شرق سوريا ينوهون بذلك كسمة إيجابية وحيدة لفترة تسلط التنظيم على المنطقة.
لكن ذلك الأسلوب لم يكن حلاً جذرياً، بدلالة عودة الظاهرة، وحالة العنف المجتمعي، بصورة أشد بعد زوال قبضة التنظيم الحديدية، ويقتضي التأسيس لحالة سلم أهلي، تنتفي فيه الحاجة إلى السلاح، وإلى تغيرات شاملة في بنية السلطة في المنطقة مدار البحث، وفي عموم سوريا، وهو باختصار حصول السكان على كافة حقوقهم القانونية السياسية والاقتصادية ومن ثم بناء دولة القانون والعدل، التي تحتكر العنف، وتضمن حصول كل ذي حق على حقه، بالطرق السلمية والقضائية، كما يحدث في كافة دول العالم الحديثة.