جسر: متابعات:
مع كل ما يعانيه لبنان من وضع اقتصادي سيئ وانهيار في الوضع المالي وسعر صرف الليرة مقابل الدولار، كيف لا يزال البعض يصر على أن حزب الله ليس متورطا بالفساد، بل ويعولون عليه في كشف الفاسدين ومحاربتهم.
* لا قيامة للبنان ولا خلاص من أزماته طالما أن حزباً مسلحاً فاسداً مرتبطاً بدولة خارجية ويعمل لمصلحتها حصراً، خارج دائرة المحاسبة والعقاب.
منذ بداية انتفاضة «17 تشرين» في لبنان، علت أصوات كثيرة تُطالب بمحاربة الفساد وكشف المفسدين واستعادة الأموال المنهوبة، ولكن اللافت أن الكثير من هذه الأصوات، حيدت حزب الله عن ملفات الفساد، واعتبرت أن جميع الأحزاب متورطة بالفساد باستثناء حزب الله، لا بل ذهبت أبعد من ذلك، عندما طالبت أن يكون الحزب شريكاً أساسياً ورأس الحربة بمكافحة الفساد.
بعضهم رأى أن الإشكالية أو الخلاف مع الحزب محصور بموضوع السلاح وارتباطه بسياسة إيران في المنطقة، وبأن الحزب غير متورط بأي فساد داخل الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
ولكن الحقيقة التي يرفض البعض أن يعترف بها وإن كان يعرفها هي أن حزب الله ليس مشاركاً بالفساد فحسب، بل إن فساده يكلف خزينة الدولة مليارات الدولارات سنويا، فلنستعرض بعضاً من ملفات الفساد المتورط بها، أو المسؤول الوحيد عنها.
ملف المعابر غير الشرعية: اعترف أمين عام حزب الله حسن نصر الله مؤخراً بسيطرة حزبه على المعابر غير الشرعية، عندما قال في خطابه رداً على موضوع تهريب العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري: أصدقاء أميركا الذين سكتوا عن المعبر غير الشرعي الذي تم تهريب الفاخوري عبره (نقله بمروحية عسكرية أميركية من السفارة إلى قبرص بدل مطار بيروت) لا يجوز لهم بعد الآن لا كبيرهم ولا صغيرهم أن يتحدث عن المعابر غير الشرعية».
هذه المعابر تعد من أبرز عوامل الهدر والفساد في لبنان، وتقدر خسائر خزينة الدولة من الرسوم الجمركية نتيجة التهريب عبر المعابر غير الشرعية بنحو 600 مليون دولار. وتذكر مصادر عدة أن عدد المعابر غير الشرعية على الحدود بين لبنان وسوريا تتجاوز العشرات، بل إن وزير المالية السابق المحسوب على حركة أمل (حلفاء حزب الله) ذكر في إحدى جلسات مجلس الوزراء أن عدد هذه المعابر «أكثر من 136 معبراً غير شرعي»، وبالواقع فإن معظم هذه المعابر تقع تحت سلطة وسيطرة حزب الله، وهي ليست حكراً فقط على تهريب السلاح ومقاتلي الحزب من وإلى سوريا، بل أيضا لتهريب البضائع من سوريا إلى لبنان، فيتم إدخال البضائع عن طريق تجار محسوبين على حزب الله إلى الأسواق اللبنانية من دون دفع أي رسوم جمركية للدولة اللبنانية. يقوم الحزب بالطلب من هؤلاء التجار بالاستيراد عن طريق مرفأ طرطوس في سوريا، وبذلك يستفيد النظام السوري من الرسوم الجمركية لهذه البضائع مقابل تسهيلات عدة، ليتم إدخالها لاحقا إلى لبنان عن طريق المعابر غير الشرعية، وبذلك تُحرم خزينة الدولة من الرسوم الجمركية للبضائع المستوردة.
هذا إضافة إلى إدخال البضائع السورية إلى الأسواق اللبنانية، وإغراق السوق اللبنانية بالمنتجات الزراعية السورية والتسبب في خسائر كبيرة للمزارعين اللبنانيين.
وتستخدم هذه المعابر أيضا في تهريب المخدرات، والتي ذكرنا في مقال سابق أنها من أهم وسائل تمويل حزب الله لأنشطته، كذلك تستخدم بإدخال السلاح الإيراني إلى لبنان عن طريق سوريا، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة غارات إسرائيلية كثيرة استهدفت شحنات كانت تنقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان.
إضافة إلى ملف المعابر غير الشرعية، هناك أيضا ملف التهرب الجمركي الذي يتم عبر مرفأ بيروت، ومطار رفيق الحريري الدولي، والأمر ليس خافياً على أحد أن هذين المرفقين الأساسيين هم تحت سيطرة حزب الله، كما يتم استخدامهما لنقل الأسلحة من إيران وتهريب المخدرات، كذلك يتم استخدامهما لإدخال الكثير من البضائع لتجار محسوبين على الحزب، دون أن تمر هذه البضائع على اللجان المعنية لفحص جودتها ومدى مطابقتها للمواصفات، ولا على الجمارك لدفع الضرائب للدولة اللبنانية. وللتذكير، عندما اتخذت حكومة فؤاد السنيورة عام 2008 قراراً بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير ومصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة لحزب الله، كيف رد الحزب باجتياح بيروت عسكرياً.
ومن ملفات الفساد المتورط فيها حزب الله هو ملف الأدوية الفاسدة، فقبل أعوام قليلة كشفت وزارة الصحة ولجنة الصحة في مجلس النواب اللبناني عن عملية تزوير لأكثر من 150 صنف دواء، وكشفت السلطات حينها أن الأدوية غير الصالحة للاستخدام المستوردة من جنوب شرقي آسيا أدخلت إلى لبنان عبر تزوير توقيع وزير الصحة، ووزعت على المستوصفات والمستشفيات. وكان أبرز المتورطين في هذه القضية هو عبد اللطيف فنيش شقيـق ممثـل حزب الله في الحكومة اللبنانية آنذاك الوزير محمد فنيش.
وما أعاد هذه الفضيحة إلى الأذهان مجدداً، هو ما تسرب مؤخرا عبر بعض وسائل الإعلام من أن إصرار وزير الصحة الحالي حسن حمد على رفضه اعتماد الـ«rapid test» للكشف عن المصابين بفيروس كورونا وإصراره على الـ«PCR»، هو توارد المعلومات التي تشير إلى أنّ شقيق الوزير السابق محمد فنيش، عبد اللطيف، هو نفسه المسؤول عن الأدوية الفاسدة قبل سنوات، هو من يتولى صفقة استيراد فحوص الـ«PCR» إلى لبنان.
والى جانب الأدوية الفاسدة، هناك ملف تصنيع الكبتاغون، ففي عام 2012 ضبطت الجمارك اللبنانية مادة لتصنيع حبوب الكبتاغون آتيةً من الصين، لتظهر التحقيقات لاحقا أن المسؤولين عن تصنيع حبوب الكبتاغون هما شقيقا نائب حزب الله، حسين الموسوي هاشم، وجهاد الموسوي، حيث كانا يديران معامل تصنيع حبوب الكبتاغون في الضاحية الجنوبية بلبنان، ليتم توريدها لاحقا لأسواق العراق والسعودية وأفريقيا أوروبا وأميركا اللاتينية. بينما كان شقيقه الآخر متورطا مع أشخاص آخرين في عصابة لسرقة السيارات وتزوير أوراقها ومن ثم بيعها بطريقة شرعية.
وأخيرا وليس آخرا، يعد ملف إدخال حزب الله الأموال وإخراجها من لبنان من خارج أطر المصارف والمؤسسات الشرعية من أبرز ملفات الفساد والتي لا تتسبب فقط في خسائر كبيرة للدولة اللبنانية، بل أيضا وبسبب محاولات الحزب التحايل على القوانين هربا من العقوبات تكاد تودي بالقطاع المصرفي اللبناني، وهذا ملف يحتاج إلى بحث آخر.
والآن ومع كل ما يعانيه لبنان من وضع اقتصادي سيئ وانهيار في الوضع المالي وسعر صرف الليرة مقابل الدولار، كيف لا يزال البعض يصر على أن حزب الله ليس متورطا بالفساد، بل ويعولون عليه في كشف الفاسدين ومحاربتهم. لا قيامة للبنان ولا خلاص من أزماته طالما أن حزبا مسلحاً فاسداً مرتبطاً بدولة خارجية ويعمل لمصلحتها حصراً، خارج دائرة المحاسبة والعقاب.
المصدر: موقع المجلة/ ٢٠ نيسان/ ٢٠٢٠