جسر: تقارير:
يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي يقوده صالح مسلم، ويُعد امتدادا لفكر حزب العمال الكردستاني PKK الذي يقوده عبد الله أوجلان، على الحياة السياسية في مناطق سيطرته شرق الفرات، عبر قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تشكل وحدات حماية الشعب YPG نواتها الصلبة. واتسمت هذه الأخيرة بمرونة جعلتها قادرة على التواصل مع كافة الأطراف الفاعلة من جهة، وضمان استمراريتها بما يتناسب مع الظروف والتقلبات المحيطة.
وأمام التطورات التي تشهدها منطقة شرق الفرات والجهود الدبلوماسية الدولية المكثفة لرأب الصدع بين الأحزاب الكردية، وفي ظل الاستياء الأمريكي من تصرفات “قسد”، والذي بدا واضحا في الاجتماع الذي عُقد بين الجانبين في 6 نيسان/أبريل الماضي وفق مصادر محلية، تحاول قوات سورية الديمقراطية اليوم العمل على تحسين صورتها. ولاستمرار تصدرها المشهد العام في المنطقة؛ لجأت “قسد” مؤخرا إلى إلزام أعضاء المجالس المحلية بالانتساب لحزب “سوريا المستقبل” في مدينة دير الزور، ليكون هذا الحزب الواجهة السياسية لها بديلا عن حزب الاتحاد الديمقراطي.
وعينت “قسد” عبيد المهباش من أبناء مدينة ديرالزور مسؤولا للحزب في المدينة، فيما يقود الكوادر الحزبية الرئيسية في المنطقة محمد الشحاذة ولولوة العبد الله مسؤولة القيادات النسوية، إضافة إلى عدد من القياديين في المدينة منهم؛ سامر العبدالله، ليلى حسن، عيسى مدوح، جانكين، نيفين علي، ابراهيم محيي الدين، سلمان العطا الله، أما الرئيس العام للحزب فهو المهندس إبراهيم القفطان من منبج الذي زار مناطق ريف ديرالزور في ذكرى مجزرة الشعيطات التي وقعت على يد تنظيم داعش في العام 2014، والتقى باﻷهالي هناك.
ويعد انتشار الحزب ضعيفا في الأوساط الشعبية، وينتسب إليه معلمون تابعون للمجالس التربوية، وقيادات المجالس المدنية و”كومينات” القرى1، وترتفع أعداد المنتسبين له في الخط الغربي لديرالزور، وبشكل أعلى من مناطق شرق ديرالزور، كما أنه موجود في أغلب مناطق سيطرة “قسد” في الرقة ومنبج والحسكة والقامشلي”. وتخصص له ميزانية مالية تقدر بحوالي 25 مليون دولار شهريا تؤمن من إنتاج النفط في ديرالزور، وتُصرف على قيادات “قسد” وقياداته.
ويعود سبب تنشيطه في هذه الفترة بحسب مصادرنا إلى عدم اﻷهالي لحزب الاتحاد الديمقراطي؛ باعتباره حزب قومي كوردي ينادي بأهداف بعيدة عن الواقع السوري، ويمثل الوجه السوري لحزب حزب العمال الكردستاني الذي يرفضه غالبية أهل المنطقة من عرب وكرد وسريان وآشوريين. بالإضافة إلى أن الحزب و أعضاءه حاولوا بطلب أمريكي جمع مكونات شمال شرق سوريا تحت حزب واحد لمرحلة آتية تكون مقدمة لنهاية الصراع على الأرض السورية، كون غالبية الهيئات والأحزاب المعارضة ترفض وجود PKK الذي يمثله حزب الاتحاد الديمقراطي.
تسود المراقبة والتشديد الأمني كافة مناطق سيطرة قسد، ولذلك يغيب الحراك المدني بكافة صوره عن المنطقة، ويجب أن يخضع كل حراك مدني؛ كالحوارات والمؤتمرات والندوات، لرؤية “قسد” أو ما يسمى “Team dev” الذي يضم “PKK, PYD,YPG” ويروجون من خلاله لجمهورية سوريا الاتحادية وفق نظام فدرالي لامركزي.
حقيقة الحزب وماهيته
في تصريح خاص لصحيفة جسر، أوضح السيد عبد العزيز التمو رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، أن قسد قامت في 27 آذار/مارس 2018 بتأسيس حزب “سوريا المستقبل” كواجهة سياسية لها في محاولة للتهرب من تصنيفها منظمة إرهابية، خاصة أن قيادتها هي من كوادر حزب العمال الكردستاني ويتبعون لقيادته في جبل قنديل، وقامت بتعيين إبراهيم القفطان وهفرين خلف، التي قتلت أثناء عملية نبع السلام، رئيسين مشتركين للحزب استنادا إلى قرار حزب العمال الكردستاني بالمساواة بين الرجل والمرأة، وفي المؤتمر التأسيسي تم تعيين 81 شخصا لقيادة هذا الحزب موزعين في الرقة والحسكة وديرالزور وريف حلب وريف إدلب.
وأضاف السيد التمو بأن غالبية أعضاء هذا الحزب عند التأسيس كانوا من المنتسبين إلى حزب PYD، ومن المنتسبين إلى قوات “الأسايش” و”قسد” من العشائر العربية؛ إلا أن هذا الحزب لم يُكتب له النجاح رغم الإمكانيات المادية والإعلامية والدعم المعنوي الذي قُدم له من قبل التحالف الدولي.
واعتبر التمو أن أمريكا هي التي فرضت على حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته تأسيس هذا الحزب، أو تغيير اسم PYD، على غرار ما فعلته مع وحدات حماية الشعب YPG بتحويل اسمها إلى قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن الحزب بقي تابعا لحزب الاتحاد الديمقراطي وكوادر قنديل. وقبل الإعلان الأمريكي عن سحب القوات من سوريا، زار الوزير السعودي ثامر السبهان شرق الفرات، والتقي مع ابراهيم القفطان رئيس الحزب، وقدم له الدعم المالي الكبير، 25 مليون دولار، من أجل النهوض بالحزب وتفعيل دوره في مواجهة تركيا، ورغم ذلك فشل الحزب في كسب وتأييد حتى الموالين له، ولا أدل على ذلك من الاستقالات التي عصفت بالحزب في شهر آذار/مارس الماضي في منبج والطبقة بعد تعيين قياديين في الحزب مباشرة من قبل قيادة قوات سوريا الديمقراطية.
الحزب أداة أمريكا لخدمة مشروعها في المنطقة
ويرى محدثنا السيد عبد العزيز التمو، أن أمريكا تقوم حاليا عن طريق مبعوثها في التحالف وليم روباك بمناورات سياسية في المنطقة، فهي من جهة ترعى حوارات بين المجلس الوطني الكردي وبين قوات سوريا الديمقراطية من أجل إنشاء إدارة مشتركة بينهما، ومن جهة أخرى تفرض بشكل إجباري على أبناء العشائر العربية الانتساب إلى حزب سوريا المستقبل وخاصة في ديرالزور.
وأوضح التمو أن مثل هذه التحركات تضعنا أمام السؤال التالي: ما هدف ذلك؟ وما الذي تريد أمريكا تحقيقه؟
وجواباً على السؤالين، ومن خلال مجريات الأحداث الحالية على الساحة السورية، يرى أن هناك تطورات قادمة في شرق الفرات، في ديرالزور وريف الحسكة الجنوبي على وجه التحديد، ولذلك تريد كل من أمريكا والسعودية تمرير دخول حزب الاتحاد الديمقراطي إلى مؤسسات المعارضة السورية عن طريق هيئة المفاوضات السورية من جهة اتفاق المجلس الوطني الكردي مع PYD، وهذا يعني عدم اعتراض المجلس على دخول PYD إلى هيئة المفاوضات، فيما تدعم السعودية دخول حزب “سوريا المستقبل” إلى هيئة المفاوضات، وهذا يعني تمثيلا إضافيا لـPYD.
ومن جهة أخرى تعمل أمريكا على إنشاء بديل لقوات سوريا الديمقراطية، وخاصة في ديرالزور، لأن المنطقة مقبلة على فتح جبهات ضد المليشيات الإيرانية، وباعتبار أن أمريكا وصلت إلى قناعة تامة بأن حزب العمال الكردستاني وميليشياته مرتبطين بإيران؛ أي أنهم لن يواجهوا مليشياتها في ديرالزور، تستمر قيادة قوات التحالف بعقد الآمال على النهوض بحزب “سوريا المستقبل” ليكون واجهة سياسية لأي ميليشيات أو فصائل جديدة تقوم بإنشائها، أو بدأت بإنشائها في منطقة الشدادي جنوب الحسكة.
اقرأ أيضا: قوات عربية شرق سوريا: مساع أمريكية لطمأنة الجانب التركي وتحجيم “قسد”