قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 347 حالة اعتقال تعسفي تم توثيقها في شباط، بينها 156 حالة اختفاء قسري.
شكَّل الاعتقال التعسفي ومن ثم الاختفاء القسري انتهاكاً واسعاً منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي نحو الديمقراطية في آذار/ 2011، وبحسب التقرير فقد طالت هذه الانتهاكات مئات آلاف السوريين، ومارستها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، والميليشيات التابعة له على نحو مدروس ومخطط، وأحياناً بشكل عشوائي واسع بهدف إثارة الإرهاب والرعب لدى أكبر قطاع ممكن من الشَّعب السوري وبعد قرابة ثمانية أشهر من الحراك الشعبي بدأت تظهر أطراف أخرى على الساحة السورية وتقوم بعمليات خطف واعتقال.
أشار التقرير إلى أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان قامت منذ عام 2011 ببناء برامج إلكترونية معقدة من أجل أرشفة وتصنيف بيانات المعتقلين ليصبح بالإمكان توزيع حالات الاعتقال بحسب جنس المعتقل، والمكان الذي اعتقل فيه، والمحافظة التي ينتمي إليها، والجهة التي قامت بعملية الاعتقال، وعقد مقارنات بين هذه الجهات، والتَّعرف على المحافظات التي اعتقل واختفى النسبة الأعظم من أبنائها.
وأوضحَ التَّقرير أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتمُّ من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه. كما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وذكر التقرير المعايير الدقيقة التي التزم بها لتحديد حادثة الاعتقال التَّعسفي، وتجنُّب تسجيل الحوادث المختلفة للحجز والحبس والحرمان من الحرية مُستنداً بذلك إلى أحكام القوانين الدوليَّة ومجموعة المبادئ المتعلقة بالاعتقال التعسُّفي واعتمد التقرير على مقاطعة المعلومات من مصادر مُتعددة مثل: ذوي الضحايا وأعضاء الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المحافظات السورية، ونشطاء محليين متعاونين، ومعتقلين سابقين، إضافة إلى اعتماده على التَّواصل مع عائلات المعتقلين والمختفين، والمقرَّبين منهم، والنَّاجين من الاعتقال؛ بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والمعطيات، في ظلِّ عمل ضمن تحديات فوق اعتيادية وغاية في التَّعقيد.
يعرضُ التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التَّعسفي التي وثَّقها في شباط 2019 على يد أطراف النِّزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا، كما يرصد أبرز نقاطَ المداهمة والتَّفتيش، التي نتجَ عنها حجز للحرية، ويستعرض أبرز الحالات الفردية وحوادث الاعتقال التَّعسفي التي تم توثيقها في الشهر المنصرم، وتوزُّع حالات وحوادث الاعتقال تبعاً لمكان وقوع الحادثة.
كما سجَّل التقرير عمليات الاعتقال التعسفي التي تحولت إلى اختفاء قسري، واعتمد في منهجية التوثيق على مرور 20 يوم على حادثة اعتقال الفرد وعدم تمكن عائلته من الحصول على معلومات من السلطات الرسمية حول اعتقاله أو تحديد مكانه، ورفض السلطات التي اعتقلته الاعتراف باحتجازه.
سجَّل التقرير في شباط ما لا يقل عن 347 حالة اعتقال تعسفي، كان النظام السوري مسؤولاً عن اعتقال 251 منها بينهم 11 طفلاً و19 سيدة، وقد تحوَّلت 107 حالات إلى مختفين قسرياً. فيما اعتقل تنظيم داعش خمسة أشخاص أفرَج عن ثلاثة منهم، وتحوَّل اثنان إلى مختفين قسرياً. واعتقلت هيئة تحرير الشام 31 شخصاً بينهم طفل واحد، ثم أفرجت عن 19 منهم وتحوَّل 12 إلى مختفين قسرياً.
وبحسب التقرير فقد اعتقلت فصائل في المعارضة المسلحة 22 شخصاً بينهم طفلان اثنان وسيدة واحدة، وتحوَّل 14 منهم إلى مختفين قسرياً. فيما اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية 38 بينهم 4 أطفال وسيدة واحدة، وتحوَّل 21 منهم إلى مختفين قسرياً.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي حسب المحافظات، حيث كان أكثرها في محافظة حلب.
وأوضحَ أنَّ ما لا يقل عن 144 نقطة تفتيش ومداهمة نتج عنها حالات حجز للحرية تم توثيقها في شباط المنصرم في مختلف المحافظات السورية، وكان أكثرها في محافظة الرقة، بينما تصدَّرت قوات النظام السوري الجهات المسؤولة عن المداهمات تليها قوات سوريا الديمقراطية.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفي بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل 85 % من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً ولم يتم إبلاغ عائلاتهم بأماكن وجودهم، وفي حال سؤال العائلة تُنكر الأفرع الأمنية والسلطات وجود أبنائها، وربما يتعرَّض من يقوم بالسؤال لخطر الاعتقال.
وذكر التقرير أنَّ تنظيم داعش مارس انتهاكات التعذيب والإخفاء القسري على نحو واسع وممنهج في المناطق التي كانت تخضع لسيطرته؛ ما يُشكل خرقاً للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ويُعتبر جرائم حرب. ونوَّه إلى أنَّ هيئة تحرير الشام تُسيطر على مساحات واسعة، وتفرض سلطتها عليها، وعلى السكان المقيمين فيها، كما أنَّ لها كياناً سياسياً، وهيكلية هرمية إلى حدٍ بعيد؛ فهي ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
كما ذكر التقرير أنَّ قوات سوريا الديمقراطية انتهكت العديد من الحقوق الأساسية ومارست العديد من الانتهاكات كالتَّعذيب، والإخفاء القسري، ولها أيضاً كيان سياسي، وهيكلية هرمية إلى حدٍ بعيد؛ فهي ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأشار إلى أنَّ فصائل في المعارضة المسلحة نفَّذت عمليات اعتقال وتعذيب بحق بعض السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم 2042 الصادر بتاريخ 14/ نيسان/ 2012، و2043 الصادر بتاريخ 21/ نيسان/ 2012، و2139 الصادر بتاريخ 22/ شباط/ 2014، والقاضي بوضع حدٍّ للاختفاء القسري.
كما أوصى التقرير مجلس حقوق الإنسان بمتابعة قضية المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا وتسليط الضوء عليها في الاجتماعات السنوية الدورية كافة والتعاون والتَّنسيق مع منظمات حقوق الإنسان المحلية الفاعلة في سوريا.
وحثَّ التقرير كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI) والآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM) على فتح تحقيقات في الحالات الواردة فيه وما سبقه من تقارير وأكَّد على استعداد الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتَّعاون والتزويد بمزيد من الأدلة والتَّفاصيل.
وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير 95 ألف مختفٍ في سوريا، 87 % منهم لدى النظام السوري والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني وفي تلك الأثناء لا بُدَّ منَ التَّصريح عن أماكن احتجازهم والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة.
وشدَّد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب وطالب مسؤول ملف المعتقلين في مكتب المبعوث الأممي أن يُدرج قضية المعتقلين في اجتماعات جنيف المقبلة، فهي تهمُّ السوريين أكثر من قضايا بعيدة يمكن التَّباحث فيها لاحقاً بشكل تشاركي بين الأطراف بعد التوافق السياسي، كالدستور.