جسر: اقتصاد:
محمد خليل المدرس رائد الصناعة الوطنية ومؤسس “الشركة السورية للغزل والنسيج” في حلب، درس في المدرسة الألمانية فتأثر بالنهضة الصناعية الألمانية وأحب محاكاتها في سورية، لذا أسس أول شركة مساهمة في تاريخ سوريا، ويعتبر أول من أدخل زراعة القطن الأمريكي لونستار في سوريا.
وكان “خليل” يشارك العمال في الأرباح، الذين يتمتعون بنوع من الضمان الاجتماعي، اختير وزيراً للمالية فتبرع براتبه للخزينة، وعين واليا على حلب عام 1939، ليغدو لاحقاً، مع شركته والمواطنين أصحاب الأسهم من ضحايا التأميم!.
في عام 1932 دعا مع أخيه أحمد مجموعة من التجار الحلبيين المعروفين حينها لتأسيس شركة مساهمة، وهم : علي خضير الذي كان يعمل مع أخيه توفيق خضير في مجال تصنيع الأنسجة الحريرية على الأنوال اليدوية ويصدروها لليمن، ونوري الحكيم الذي كان يعمل بتجارة الأقمشة والمواد الغذائية، ونديم وفائي الذي كان يعمل في تجارة المواد الغذائية ( تصدير السمن العربي خارج البلاد )، وتوفيق ميسر من تجار المواد الغذائية (تصدير زيت الزيتون و استيراد الرز و السكر و غيرها من الأصناف غذائية)، ومصطفى شبارق الذي كان يعمل في مجال تجارة الحبوب وصناعة المطاحن، والدكتور عبد الرحمن كيالي باعتباره زعيماً وطنياً في الكتلة الوطنية، ومن أصحاب الأراضي الزراعية، وألبير حمصي صاحب بنك حمصي بحلب.
بلغ رأسمال الشركة مئة ألف ليرة ذهب عثماني، مقسمة إلى خمسين ألف سهم، طُرح السهم الواحد للاكتتاب العام بليرتين ذهب عثماني.
بادر المؤسسون إلى شراء 20000 سهم فوراً، ومن فرط ثقة الناس بسمعة المؤسسين تم شراء 17500 سهم من قبل المواطنين، وبذلك تمت تغطية ثلاثة أرباع رأس المال بقيمة 75000 ليرة ذهبية، وبدأ العمل بثلاثة أرباع الرأسمال 1933.
اشترى مجلس الإدارة أرضاً لبناء المعمل في منطقة عين التل على طريق المسلمية في ريف حلب، وبدأ بتأسيس وبناء المعمل وتجهيزه بشكل متكامل، بدءاً من المحلجة إلى المغازل إلى الأنوال الميكانيكية التي تعمل على الكهرباء وصولاً إلى المصابغ التي تصبغ النسيج القطني، وبلغ عدد المغازل في الشركة في بداياتها 7500 مغزل.
افتتحت الشركة منفذين لبيع لمنتجاتها بالمفرق في خان الحرير والجديدة، ومنفذاً للبيع بالجملة في خان الجمرك، وفي عام 1938 ازداد رأسمال الشركة إلى 100 ألف عثمانية ذهباً.
ملكت الشركة في مطلع الخمسينيات 20000 مغزل و 462 نول، ولدى الشركة قسم نسيج وقسم صباغ واشترت أراضي في الرقة لزراعة القطن، وأراضي في مصر-كفر الدوار لتزويدها بالقطن ذو التيلة الطويلة.
عندما نشبت الحرب العالمية الثانية في عام 1939، انقطعت الطرق البرية و البحرية، ولم يعد استيراد الغزل والنسيج القطني ممكناً، فصار إنتاج الشركة مطلوباً بشدة فحققت أرباحاً كبيرة .
في عام 1942 وزعت الشركة أرباحاً للسهم الواحد 100 ليرة سورية إضافة لخمس ليرات ذهب انكليزية، أما في بقية السنين، فكانت الأرباح تصل لحوالي 100 ليرة سورية للسهم، وبما أن الليرة الذهبية كانت حينها تعادل حوالي خمس ليرات ونصف الليرة السورية، أي أن أرباح السهم المُشترى بليرتين ذهبيتين كانت تصل سنوياً إلى حوالي عشرين ليرة ذهبية.
عندما صدر قانون التجارة السوري عام 1949، فرض القانون أن يكون رأسمال الشركة بالليرات السورية بدلاً من الليرات الذهبية العثمانية، فتحدد رأس المال بعشرة ملايين ليرة سورية.
وكان قد توفر للشركة احتياطي أرباح جعلها توزع للمساهمين عن كل ثلاثة أسهم يملكونها سهماً مجانياً، وبذلك اكتمل رأسمالها المحدد، بعدما انطلقت بثلاثة أرباع رأس المال عند تأسيسها.
ونجحت الشركة بتصنيع أقمشة وطنية رخيصة بجودة عالية، أما وزارة المالية فكانت تحصل على ضرائبها بصورة فعلية وحقيقية تبعا لأرباح الشركة دون أي تهرب ضريبي.
وفي عام 1954 قرر مجلس الإدارة توزيع سهم مجاني واحد لكل سهم، فازداد رأس مال الشركة إلى عشرين مليون ليرة سورية و حقق حملة الأسهم أرباحاً مضاعفة .
و في عام 1950أسس خليل المدرس شركة “مدرس ورينهارد” لحفر الآبار الارتوازية وأدخل المكننة الزراعية على أعلى مستوى، وكان مكتبه في شارع بارون. بحلب.
أما في عام 1958، فقد تزامنت أعمال توسعة المعمل باستيراد وتركيب المجموعة الرابعة من المغازل مع إعلان الوحدة مع مصر، ليتم تأميم أملاك الشركة، فقضي على مدخرات الآلاف من المواطنين السوريين، أغنياء و فقراء، نساء عجائز وأرامل، أطفال أيتام وشباب صاعد، والذين وضعوا جميعا كافة مدخراتهم فيها، وانتهت شركة الغزل والنسيج، وتحولت إلى قطاع عام، ودفنت تجربة نهوض صناعي مبكرة.
والجدير بالذكر، أن مبنى قصر الضيافة في حلب، ومنطقة “ايكاردا” في حلب، التي اصبحت مقراً للبحوث الزراعية الدولية في المناطق الجافة، كانتا ملكاً له.