عاد مدير دار النهضة للعلوم الشرعية “الكلتاوية” الشيخ محمود ناصر الحوت، إلى حلب، الإثنين، وتداول أنصاره صوراً له في مقر الدار في حي باب الحديد برفقة مشايخ ومدرسين. وقالوا إن الشيخ قد وصل حلب قادماً من مصر، التي أقام فيها لسنوات، في حين قال أنصار المعارضة إن الشيخ “صالح” النظام ليسمح له بالعودة.
المدرسة الكلتاوية
يدير الشيخ الحوت دار النهضة للعلوم الشرعية بحلب منذ العام 1983، وهي مستقلة لا تتبع لوزارات التربية والأوقاف، وقد أسسها الشيخ محمد النبهان، في العام 1964. وكانت الدار تخرج بشكل سنوي عشرات الأئمة وخطباء المساجد، وتعتمد على الهبات المالية والدعم الذي يقدمه التجار والصناعيون. وعلى الرغم من وجود مدارس شرعية تابعة للنظام في حلب وريفها، إلا أن المشايخ الخريجين من دار النهضة كان لهم الحظ الوافر في تولي مهام الخطابة والإمامة في مساجد حلب وريفها وبشكل أقل في ادلب. خريجو المدارس الشرعية الأخرى كانوا يفضلون إكمال دراساتهم في كلية الشريعة والتحول إلى قطاع التعليم بدل الخطابة.
الشيخ الحوت والثورة
لمع اسم الشيخ الحوت في حلب خلال العقود الثلاثة التي سبقت الثورة السورية، واعتبر أحد أهم علمائها، ويتمتع بقوة التأثير والخطابة. وكان أهالي حلب يحتشدون بالآلاف في جامع دار النهضة لحضور خطبته الجمعة. وكان له مريدون ومحبون بالآلاف، وحظى باحترام المشايخ الخريجين من دار النهضة الذين لم يعصوا أمراً له، بما يشبه نظام البيعة الإسلامية. وكان الشيخ الحوت مقرباً من أثرياء المدينة الأمر الذي سهل استمرار الدعم المقدم للدار ومواصلة عمليات التوسعة التي حدثت في عهده.
عوّلت المعارضة كثيراً على اصطفاف الشيخ الحوت مع الثورة في بداياتها الأولى، وافترضت أن بإمكانه ترجيح كفتها أمام الموالاة، إذ أن موقفه كان سيضمن انضمام طيف واسع من الحلبيين للثورة. الشيخ الحوت خذل الثورة، وظهر ذلك أكثر من مرة في خطبه التي ألقاها في جامع الدار في حي باب الحديد، في الوقت الذي كانت فيه مدن الريف الحلبي وبعض أحياء المدينة تشهد مظاهرات مناهضة للنظام. إذ حرّم الشيخ الخروج على الحاكم، ولو كان كافراً، منعاً لسفك الدماء، مستشهداً بأحاديث نبوية وآيات قرآنية. وقال إن جور السلطان 50 سنة أفضل من جور الهرج شهراً واحداً. واتهم الحوت المتظاهرين بأنهم لا يعرفون الصلاة والعبادات.
وفي جلسة خاصة مع خريجي ومشايخ دار النهضة، قال الشيخ الحوت، إنه اجتمع ببشار الأسد، ودعاه إلى أن “يغطي زوجته ويمنع الدعارة ويوقف القتل، ويجد حلاً للأزمة ومطالب المتظاهرين”، وبذلك “أسقط الواجب الشرعي عن كل المشايخ من أتباع الدار”، وحذرهم من الانجرار خلف الإعلام والشيخ عدنان العرعور وميشيل كيلو، ودعاهم لأن “يلتزموا بيوتهم ويمسكوا عليهم ألسنتهم”، وذلك أفضل من أن تدمر دار النهضة ويسحب مشايخها إلى فروع الأمن. ودعا الحوت طلاب الدراسات العليا في جامعة الأزهر، وهم من أتباع دار النهضة لعدم المشاركة في مظاهرات مصر، ولا الادلاء بأي تصريح أو اتخاذ موقف منها.
خرج الشيخ الحوت من حلب في العام 2012 قبل دخول المعارضة المسلحة إلى المدينة، واستقر في دمياط بمصر طيلة السنوات الماضية.
مشايخ الحوت
أثرت بشكل فعلي دعوات الشيخ الحوت لأتباعه بعدم جواز الخروج على الحاكم، وظهر ذلك في مستوى انخراطهم مع المعارضة والنظام، إذ انقسموا جغرافياً إلى قسمين في ظل الثورة. الأغلبية بقيت في مناطق سيطرة النظام بحلب، متابعة أعمالها وشاغلة مناصبها في الخطابة والإمامة. واعتقل النظام وقتل عدداً من مشايخها ممن لم يلتزموا غالباً بتعليمات الشيخ الحوت. القسم الثاني في مناطق المعارضة، شارك فيها بعض مشايخ الدار في القتال إلى جانب فصائل المعارضة المسلحة، وبعضهم اتخذ موقفاً مناصراً للثورة، ولجأ آخرون إلى تركيا، لكنهم ما زالوا يحتفظون بالولاء القديم لدار النهضة ومديرها الشيخ الحوت، ويدافعون عنه، وتجمعهم قنوات اتصال مشتركة.
يقول أنصار الشيخ الحوت في مناطق المعارضة، إن الشيخ لم يعلن صراحة وقوفه إلى جانب النظام، ودعا للحوار بين الطرفين في إحدى خطبه بداية العام 2012، ودعا للإصلاح السياسي والدستوري. وعندما ضغط عليه النظام لكي يتخذ موقفاً أكثر جدية إلى جانبه فضّل اللجوء إلى مصر وعدم البقاء في حلب والاشتراك في الجريمة.
لكن المعارضة ما تزال تحتفظ بموقفها للشيخ الحوت، وتتهمه بتثبيط عزيمة الحلبيين، وتحمله مسؤولية عدم انخراطهم في الثورة بالشكل المعول عليه، ومولاة غالبيتهم في ما بعد للنظام بسبب فتاوى الشيخ الحوت التي حرمت الخروج على الحاكم.
وساطة إيرانية
جرت عمليات ترميم لدار النهضة وضريح مؤسسها الشيخ النبهان، في العام 2017 بعد خروج المعارضة من أحياء حلب الشرقية بأشهر قليلة. وفي العام 2018 افتتحت أبوابها من جديد لطلبة العلم الشرعي، وتلقت دعماً جديداً من أثرياء حلب، وبقي أن يعود مديرها الشيخ الحوت، اللاجئ في مصر.
زار الشيخ الحوت، في شباط/فبراير 2019 العراق، وخص بالزيارة المجمع الأعلى للتصوف في العراق، والتقى مشايخ وصوفيين عراقيين. وتقول مصادر معارضة لـ”المدن”، إن الشيخ الحوت التقى في العراق بمسؤولين إيرانيين، بوساطة مجمع الصوفية المقرب من الحكومة العراقية، وذلك من أجل التوسط لدى النظام وتسهيل عودة الشيخ إلى حلب واعطائه ضمانات سلامة.
وظهر الشيخ الحوت في زيارته إلى العراق في مساجد الفلوجة ومدن عراقية أخرى يلقي الخطب والدروس الدينية. وفي فيديو تداوله أنصار الصوفية في العراق، دعا الشيخ الحوت إلى حب آل البيت والدفاع عنهم.
وساطة الأثرياء وأحمد حسون
ترجح بعض المصادر المعارضة أن لأثرياء حلب دوراً بعودة الشيخ الحوت، ومن مصلحة النظام عودة الرموز الدينية المؤثرة في هذا الوقت، وتلبية لمطالب أثرياء حلب من التجار والصناعيين، ما يمكن اعتبارها خدمة مقابل مجموعة خدمات قدمها هؤلاء للنظام في السنوات الماضية.
ويقول مصدر لـ”المدن”، إن مفتي النظام الشيخ أحمد حسون، هو من توسط للشيخ الحوت عند النظام، إذ تربط الشيخين قرابة مصاهرة، وسبق للشيخ حسون أن توسط لأحد شيوخ آل الحوت في العام 2018 وضمن له العودة إلى حلب وعمله بعدما كان من أنصار المعارضة.المصدر: صحيفة المدن ٤ حزيران/ يونيو ٢٠١٩