عقيل حسين: بينما يجاهد كل حلفاء المعارضة من مختلف الأطياف للخروج من سوريا، يبدو حلفاء النظام، ليسوا متشبثين وحسب بالبقاء فيها، بل وفي وضع مريح جداً.
فعلى عكس القراءات التي وجدت في قرار أنقرة إطلاق عمليتها العسكرية الثالثة في سوريا “نبع السلام” انخراطاً تركياً أكبر وأقوى في سوريا، فإن القراءة التي رأت في هذه العملية إعلاناً عن انسحاب الجارة الشمالية، تبدو هي القراءة الأكثر صواباً.
فعندما يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “أن لا مشكلة بالنسبة له في دخول قوات النظام إلى منبج وعين العرب”، ثم عندما يؤكد على ذلك بعد يومين أيضاً، بتصريح آخر يقول فيه “إن على النظام أن يقوم بواجبه في مكافحة التنظيمات الإرهابية شرق الفرات، وأن أنقرة لا يمكن أن تنشغل إلى ما لا نهاية في مكافحة الإرهاب” فهذا مؤشر كبير على عزم تركيا التخفف من عبأ الملف السوري، والاكتفاء منه بتأمين حدودها الجنوبية والتخلص من تهديد حزب العمال الكردستاني فقط.
من ناحيته يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترمب أكثر حماساً واندفاعاً للانسحاب من سوريا، التي يتعامل مع المسألة فيها، كعادته في جميع القضايا، بعقلية التاجر، والعامل الحاسم بالنسبة له في النهاية هو العامل الاقتصادي، إذ لا يجد ترمب أن عائداً مغرياً يتوفر له في سوريا من أجل استمرار قواته هناك.
طبعاً هذا يتناقض مع السياسة الأميركية المعتادة، التي تحكمها دائماً استراتيجيات بعيدة المدى، تهدف إلى الحفاظ على قوة أميركا وسيادتها للعالم، وعدم السماح بتقويض تفردها بقيادته، ما يتطلب باستمرار وجودها في أي مكان يمكن أن توجد فيه.
بل وحتى على الصعيد الاقتصادي، فإن حسابات السياسة الأميركية تبنى على عقلية الاستثمار طويل الأمد، وليس الربح السريع فحسب، ومن هنا كان آخر المعترضين على قرار ترمب صديقه المقرب (ميتش ماكونيل) زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، الذي وصف خطوة ترمب بالكابوس الاستراتيجي!
إلا أنه ومع ذلك، يبدو أن (التاجر ترمب) يستطيع فرض إرادته على مؤسسات الإدارة الأميركية، ولولا المعارضة القوية جداً التي يتلقاها من هذه المؤسسات، وكذلك شركاء التحالف الدولي، وبخاصة الأوربيون منهم، الضعفاء على كل حال، لكان الجيش الأميركي على الأغلب قد أخلى آخر قواعده في سوريا دون أي انتظار.
بالمقابل، تبدو روسيا في غاية الامتنان لكل ما سبق، فالجميع يرمي إليها يوماً بعد يوم بالخيوط التي كان يملكها من هذه اللعبة، وهي لا تكتفي بذلك، بل تعمل على تعزيز سيطرتها الحالية والمقبلة، باستجلاب مزيد من الأطراف المتحالفة أو المتصارعة إلى صفها، وبهذا السياق يمكن قراءة زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى السعودية الأسبوع الماضي.
أما إيران، حليف النظام الآخر، والتي لا تقل سعادة بالتأكيد حيال ما يحدث من تطورات، فإنها وإن التزمت الصمت مؤقتاً وتركت لحليفها الروسي مهمة إدارة الملف، فإنها بلا شك تنتظر جلاء غبار المعمعة للبدء بالتمدد أكثر، أو على الأقل، لتثبيت أقدامها في الجغرافية التي استقرت بها حتى الآن.
بالنسبة لطهران فلديها بعض القلق من مستقبل العلاقة مع موسكو على الأرض السورية بلا شك، لكنه قلق لا يرتقي إلى مستوى الأزمة، ليس فقط لأن روسيا شريك استراتيجي لإيران، بل وكذلك لأن الطرفين يدركان أن كلاً منهما لم يأت إلى سوريا لكي يخرج منها بسهولة، وهما لا يفكران بأي حال حتى مجرد التفكير بالصراع.
يتمسك كثيرون بنظرية (الوحل السوري) الذي تريد أميركا من روسيا وإيران أن تغرقا فيه أكثر، والواقع أن كلاً من طهران وموسكو سعيدتان جداً بأن يفكر خصومهما على هذا النحو، خاصة أنهما تعتقدان أن هذا الوحل بدأ يجف، وأنهما تنتصران، ولذا فإن على قوى الثورة والمعارضة أن تستثمر السيطرة الإضافية التي تحققت للجيش الوطني من جراء عملية نبع السلام، والعمل سريعاً من أجل ضم منطقة إدلب إلى سيطرة الجيش الوطني والحكومة المؤقتة قبل أن يتقدم إليها النظام وحلفاؤه، فهذا فقط ما يمكن أن يعزز موقف المعارضة في أي مفاوضات قادمة.
المصدر-تلفزيون سوريا