فريق تحقيقات جسر:
سرّب موقع إخباري أوكراني تسجيلات مصورة لمن قال إنهم مرتزقة روس ينتمون لمجموعة فاغنر، وما إن نشر الموقع المقاطع حتى انتشرت على موقع التواصل اﻻجتماعي الروسي VK، حيث تم تداولها على نطاق واسع.
وتظهر التسجيلات اﻷربعة التي نشرها موقع myrotvorets اﻷوكراني، والمؤرخة في العام 2017، مجموعة من المسلحين يتحدثون الروسية، ويقومون بحسب الموقع بتعذيب عدد من السوريين، فيما يُسمع بوضوح صوت موسيقى ﻷغنية روسية استطاع فريق جسر بالتعاون مع متحدثين بالروسية التعرّف إليها.
صوت الموسيقى في التسجيل هو ﻹحدى أغاني القوات الخاصة الروسية بعنوان “Я российский спецназ” وتعني بالعربية “أنا قوات خاصة روسية”، مأخوذة عن إحدى اﻷغاني النازية التي كان المقاتلون اﻷلمان ينشدونها إبان الحرب العالمية الثانية والنسخة اﻷلمانية بعنوان “Sieben Tage lang” وترجمتها بالعربية “سبعة أيام طويلة”.
تقول كلمات النسخة الروسية المسموعة في التسجيلات المسربة:
تحترق قرية وتركض امرأة شيشانية
لا تقبل أن تعطيني الطفل
لكنني آخذ الطفل وأقتل اﻷم
أنا قوات خاصة روسية
أحمل السلاح ﻷقتل
تعذيب حتى الموت
يظهر التسجيل اﻷول مجموعة من المسلحين يتحدثون الروسية ويحيطون برجل يرتدي ملابس مدنية تماما، يقومون بركله وتصويره، بينما ينطق هو الشهادتين ظنا منه أنهم سيقومون بقتله، قبل أن يهوي أحدهم بمطرقة بناء ضخمة، تستخدم في أعمال الهدم، على قدمه اليسرى، ويتأهب ليكرر الضربة، لكنه يعدل عن ذلك حين يحرك الضحية قدمه فتغدو بعيدة عن مهوى المطرقة. وﻷنه تحرك على مايبدو، ينهال عليه زملاء حامل المطرقة بالركل على وجهه ورأسه، وكل ما وصلت إليه أقدامهم من جسده، قبل أن يحاولوا تثبيته بالدوس على رأسه وأطرافه، ثم يقوم أحدهم بالدوس على زند الضحية اﻷيسر لتثبيته، ثم على ساعده مجبراً إياه على فرد كفه؛ ليهوي صاحب المطرقة عليه دون أن يصيبه عدة مرات، اﻷمر الذي يبدو أنه أثار سخرية زملائه الذين يقهقهون محيطين بالضحية. ويبدو أن سخرية الباقين أثارت غضب حامل المطرقة، ما دفعه لتوجيه ضربة جديدة إلى اﻷطراف السفلية للضحية، الذي حرك قدميه فتفادى الضربة مثيراً غضب الضارب مرة أخرى، الذي مشى عدة خطوات ليدوس على رأس الضحية وعنقه، قبل أن يرتد بسرعة لموقعه، ويوجه ضربة أصابت الكف هذه المرة، ويبدو أنها سحقته، بناء على صرخات اﻷلم الهستيرية التي أطلقها “حمادي” متلوياً، فيما تستمر الموسيقى الصادحة منذ بداية التسجيل، ويطلق أحدهم عبارة بالروسية “игиловец хуй”، والتي تعني “داعشي عر٭“، بحسب متحدثين بالروسية استشارتهم “جسر”.
تمثيل بالجثة
التسجيل الثاني يظهر الرجال المسلحين محيطين بجثة مدني، فيما يقوم أحدهم باحتزاز رأسه باستخدام سكين ثم فأس، وفصله تماما عن جسده تحت أنظار زملائه وتماشيا مع نصائحهم وتشجيعهم له، وحين تنتقل الكاميرا إلى وجوههم المغطاة تراهم يشيرون بأصابعهم راسمين إشارات مختلفة، كإشارة النصر أو التأكيد أو إشارة السكين المعروفة.
في التسجيل الثالث تظهر جثة المدني مقطوعة الرأس فيما يحاول أحد المسلحين قطع يده بمجرفة للحفر، وحين يكسر العظم يتطوع آخر لاستكمال قطعها بالسكين، وكل ذلك يجري بينما يدوس أحدهم على الكف لتثبيت الذراع، وحين ينتهون من الذراع اﻷيسر، ينحني آخر على الذراع اﻷيمن للجثة بعد أن يركل زميله الرأس بعيداً عنها ويشرع في تكرار عملية القطع.
شاهد: التسجيل الثالث ويظهر التمثيل بجثة “حمادي” وقطع الذراعين
حرق الجثة
يظهر التسجيل الرابع مجموعة من المقاتلين يحرقون جثة شخص بعد قتله وقطع رأسه ويديه وتعليقه بساقين منفرجتين رأسا على عقب، وبعد ترجمة الأصوات، تأكدت “جسر” أن اللغة التي يتحدث بها الرجال روسية خالصة، ومن خلال المصطلحات المستخدمة يُستنتج أنهم عناصر في جهاز أمن أو أعضاء في شركة أمنية. يناقش المسلحون الروس طريقة حرق الجثة، ويوجهون التحية لـ”جهاز التجسس”، ولم نستطع تحديد الجهاز المقصود.
وفيما يلي الترجمة الحرفية لما ورد في التسجيل الرابع:
– أحدهم محذراً: بدون وجوه (يقصد لا تظهروا الوجوه اثناء التصوير)
– انتبه هناك هواء لكي يحترق جيدا
– لا تحرق المطاط حتى يظل معلقا
– هذا لي
– نعم هذا حصتك دائما (ليحرقه)
– احرق من الأسفل
– لا تصب أكثر وأنتظر ربما يشتعل بقوة
– إنه لا يحترق.
– لا إنه يحترق. أنت مثل شخص صيني.
– صبَّ على مؤخرته!
– أحدهم يتحدث باللاسلكي ويقول إنهم في عنبر
– يشتم (عبارة نابية). والجلد يحترق.
– انتبه فهي (الجثة) تنحني وقد تقع أو تنقطع
– خذ يده!
– العظام تآكلت
– صب على رجليه والمهم ألا يحترق المطاط (الذي يعلق به من رجليه أو حذائه)
– احترقَ يا اخي
– نعم نعم وصب على رجله الأخرى!
– الآن الآن!
– جهاز التجسس باقي. التجسس خالد
– يعمل أحدهم إشارة بأصابعه ويقول: هذه إشارة المرتزقة
– انظر أخيراً (ويضحك احدهم بصوت عالي)
– رجله!
– لنمش من هنا
– هيا لنغادر
تحليل التسجيلات
وبعد فحص ومقارنة التسجيلات؛ تأكدت “جسر” أن جميعها تمّ في موقع واحد؛ حيث تظهر في عمق المشاهد في جميع التسجيلات خزانات وقود أو مايشبه ذلك، مصادر جسر أكدت أن التسجيلات تمت في حقل الشاعر النفطي في بادية حمص والذي كان تحت سيطرة النظام بمساعدة حلفائه الروس في تلك الفترة، كما أن ملابس الضحية في التسجيلات اﻷربعة واحدة، إضافة لحديث المسلحين باللغة الروسية، وارتدائهم لنفس الملابس.
مصادر أهلية أعلمت “جسر” أن الجثة في التسجيل تعود للمواطن “محمد طه اسماعيل العبدالله”، المعروف بـ”حمادي الطه البوطه”، من مواليد الخريطة في محافظة ديرالزور العام 1986، وأنه كان يعمل في لبنان في مكبس لطوب البناء، وأنه اعتقل على الحدود أثناء عودته إلى البلاد في تموز/يوليو 2017 ليساق للخدمة اﻻحتياطية في مطار “التيفور”.
من هو “حمادي” ولماذا توجه للبنان؟
تمكنت “جسر” من التواصل مع شخص مقرب جداً من “حمادي”، تحفظ على ذكر اسمه من أجل سلامته الشخصية، المصدر أكد لـ”جسر” أن الشاب في التسجيلات اﻷربعة هو “حمادي”، “محمد طه اسماعيل العبدالله” من مواليد قرية الخريطة بمحافظة ديرالزور في 1 أيلول/سبتمبر 1986.
وقد أدى خدمة العلم بشكل اعتيادي في سوريا، كغيره من أبناء جيله، وهو متزوج ولديه أربعة أطفال، يعيشون في ظروف سيئة للغاية في منزل جدهم، الذي يقوم بإعالتهم بعد مقتل معيلهم.
المصدر أوضح لـ “جسر” أن “حمادي” دفعته ظروف الفقر والحاجة للسفر إلى لبنان، ولم يشارك بأي نشاط ثوري خلال اندلاع الثورة السورية، إذ آثر أن يكون حيادياً وألا ينخرط بأية أعمال ثورية.
توجه حمادي إلى لبنان في 16 أيلول/سبتمبر 2016 للعمل، ككثير من السوريين هناك، في مكابس طوب البناء، وبقي هناك يعمل لإعالة أسرته دون أن يقوم بزيارة سوريا.
رحلة العودة
قرر “حمادي” العودة إلى سوريا في 27 آذار/مارس 2017، بعد مرور سبعة أشهر على إقامته في لبنان، ليتم اعتقاله عند دخوله البلاد، وإجباره على الالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية، ولم يعلم ذووه حينها أنه قادم لزيارتهم أو أنه اعتقل.
المصدر لفت إلى أن ذويه علموا باعتقاله من خلال بعض الأصدقاء العاملين في لبنان، الذين كانوا برفقته أثناء عودته إلى سوريا، لكن مدة الاعتقال تلك لم تتجاوز الشهر الواحد، وعلم ذووه أنه يخدم في منطقة الدريج، وآخر تواصل معهم كان عبر تسجيل صوتي أرسله بتاريخ 5 أيار/مايو 2017 لتنقطع بعدها أخباره، وهو تاريخ يتماشى مع تأريخ الموقع اﻹوكراني للتسجيلات التي سربها.
خبر مقتل “حمادي” لم يتلقاه ذووه بشكل رسمي، حيث انتشر تسجيل مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، في أيار/مايو 2018، ظهر فيه “حمادي” يتعرض للتعذيب على أيدي مسلحين روس.
وبانتشار التسجيل، أقام ذوو “حمادي” مجلس عزاء غيابي له، ولم يقوموا بأي رد فعل خوفا من بطش النظام المجرم، الذي لن يتوانى عن إلحاق الأذى بهم، رغم تأكيدهم عدم قيام ابنهم بأي عمل ضده.
– بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، نشرت صحيفة Novaya Gazeta الروسية تحقيقا تناول قضية “حمادي”، واعتمدت تحقيق جسر واحدا من مصادرها فيما يخص المعلومات الشخصية للضحية وموقع الجريمة. اقرأ تحقيق نوفيا جازيتا.