جسر: اقتصاد:
لعل نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف شعر بالملل من الزيارة الأخيرة فقد قام بنفس الزيارة في مارس 2018 وعلى رأس فريق “رفيع المستوى” وها قد مضى عشرون شهراً (أو 634 يوماً) على زيارته السابقة وكان وقتها محملاً بـ 30 مشروعاً، والفرق الوحيد أنه في الزيارة الأخيرة يوم أمس الإثنين، أصبح لديه أربعون بدل ثلاثين، بمعدل زيادة خمسة مشاريع كل سنة، والتي لم ينفذ منها أي مشروع يذكر تقريباً، فقد وضعوا في يناير 2018 خريطة طريق للطاقة والكهرباء التي تُقطع في كل المحافظات السورية ساعات كثيرة، وكذلك وضعوا في 26 آذار 2018 خريطة طريق في مجال الطاقة والنفط والغاز، ونقص البنزين والمازوت وغلائه في كل المحافظات.
في آخر زيارة لوزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك 2018، قال إنه وضع مع نظيره في النظام علي سليمان غانم، “خريطة طريق” لتسريع التعاون في مجال الطاقة والنفط والغاز، وصرح تصريحاً مهماً حيث قال إنه توصل مع الجانب السوري إلى اتفاق فيما يتعلق بتطوير وإعادة إعمار محطات توليد الكهرباء، لكن المشكلة تكمن في تمويل تلك المشاريع، وأضاف “الزملاء السوريون يعملون حالياً على حل مسألة تمويل هذه المشاريع”.
إذاً المشكلة في تمويل تلك المشاريع التي لا يمكن للروس الذين تحملوا الكلفة العسكرية للحفاظ على النظام على مدى خمس سنوات؛ أن يضيفوا للفاتورة البليونية للديون السورية ديناً جديداً لإعمار البنية التحتية، والحل بالطبع هو البحث عن ممول، وكانت وقتها خطة الوزير طموحة حيث تحدث وزير الطاقة الروسي عن اتفاق مماثل لإعادة إعمار البنية التحتية في مجالي النفط والغاز، وتشمل مستودعات تحت الأرض وإنتاج النفط والغاز ومصانع التكرير، ولكن العقوبات الاقتصادية، وخاصة قانون قيصر بات عقبة أمام تمويل أي مشروع لأي نوع من إعادة الإعمار، ودونه الحل السياسي وإعادة اللاجئين والنازحين، ووقف قصف المدنيين وإخراج المعتقلين، ومحاسبة المجرمين، وقد اعتذرت الصين ودول أخرى كثيرة عن تمويل أي مشروع في سوريا لأن عواقب العقوبات على الشركات مميتة لأية شركة عالمية بسبب ارتفاع المخاطر في الشروع بالتورط في إعادة الإعمار.
شعر الروس أنهم انتظروا كثيراً على الكعكة الاقتصادية السورية منذ أن وقعوا مع النظام السوري “عقد عمريت” عام 2013، وهو اتفاق ضخم مع شركة روسية، ويعتبر الأول من نوعه من أجل التنقيب عن النفط والغاز
هنا يأتي الفارق الوحيد بين زيارة بوريسوف الأولى عام 2018، وزيارته الأخيرة 2020، حيث أتى معه وزير الخارجية الروسي الذي لم يزر سوريا منذ ثماني سنوات ليوصل رسالة قوية للأسد مفادها أن الانتخابات الأميركية على الأبواب خلال أقل من ستين يوماً، وقد لا نحظى بصديق أفضل من ساكن البيت الأبيض الحالي فعلينا الإسراع بالتعاون مع اللجنة الدستورية وإظهار المرونة السياسية، رغم الضغط الإيراني الذي ينبغي على الأسد تجاهله لأنه “دعمنا الحاسم” (الروسي) هو الذي كان سبباً في استتباب الحكم للنظام كما قال لافروف، بمعنى أن الأسد مدين للروس فقط وليس للإيرانيين بسيطرته على أكثر من 60 بالمائة من الأراضي السورية.
شعر الروس أنهم انتظروا كثيراً على الكعكة الاقتصادية السورية منذ أن وقعوا مع النظام السوري “عقد عمريت” عام 2013، وهو اتفاق ضخم مع شركة روسية، ويعتبر الأول من نوعه من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، لكن هنالك 400 جندي أميركي يحكمون السلة الغذائية والثروة النفطية السورية، وكاد الروس بعد خمس سنوات – منذ دخولهم في سبتمبر 2015 – أن يفقدوا الأمل بالحصول حتى على تكاليف ما أنفقوه عسكرياً وخاصة عندما وقع قائد “قسد” مظلوم عبدي مع شركة دليتا كريسنت إينيرجي الأميركية في الأول من آب الفائت اتفاقاً لتحديث حقول النفط في شمال شرقي سوريا وبمباركة من وزير الخارجية الأميركي، بمعنى أن حلم السيطرة على ثلث ناتج الدخل القومي السوري على الأقل قد تبدد، ولذا وجب الإسراع بالحل السياسي لأسباب اقتصادية، وأن نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزينسيكون سيكون محرَجاً بعد مضي ثلاث سنوات على تصريحه في ديسمبر2017 “أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة في سوريا” دون أن يضع الروس يدهم على الثروة النفطية السورية.
إن روسيا تريد وضع يدها على آخر ميناء سوري وهو ميناء اللاذقية وستمنع وضع يد الإيرانيين عليه رغم توقيع الإيرانيين اتفاقية مع النظام، ولن يتوانى الروس عن طردهم كما تم طردهم من شركة الفوسفات، وسيكون على الأغلب ضمن المشاريع الأربعين التي سيوقعها الجانب الروسي في كانون الأول ديسمبر 2020، وسيكون مصير ميناء اللاذقية نفس مصير مينائي طرطوس وبانياس.
إن روسيا تريد وضع يدها على آخر ميناء سوري وهو ميناء اللاذقية وستمنع وضع يد الإيرانيين عليه رغم توقيع الإيرانيين اتفاقية مع النظام، ولن يتوانى الروس عن طردهم كما طردوهم من شركة الفوسفات
إضافة إلى أن حزمة المشاريع الروسية تتضمن 8 مشاريع في القطاع الصناعي، وخمسة مشاريع مياه، وثلاثة مشاريع مطاحن وصوامع، بينها مشروع لزيادة الطاقة الإنتاجية في مطحنة الفداء في حماة لتصل إلى 400 طن يوميا، وكذلك مشروع لإعادة تأهيل وزيادة الطاقة الإنتاجية لمطحنة غرز في درعا لتصل إلى 100 ألف طن، إضافة إلى مشروعين في قطاع الصحة، وكذلك سبعة مشاريع أشغال عامة، وثلاثة مشاريع في قطاع النقل منها مشروع لإعادة تأهيل وتطوير الخط الحديدي من مناجم الفوسفات حتى مرفأ طرطوس، إضافة إلى مشروع لإنشاء مطار في طرطوس مكان المطار الزراعي الحالي ومشروع تدريب مهني ومشاريع أخرى.
يبقى سؤال بريء للمواطن السوري المسكين: ماذا بقي إذن من الاقتصاد السوري فيما لو قُدّرَ حدوث “معجزة الصفقة سياسية”؟
وفي ظل مناطق النفوذ الثلاثة الروسية والأميركية والتركية ومئات القواعد العسكرية التي واضح أنها لن تغادر الأراضي السورية بل أنها تتقاسم سوريا جغرافياً واقتصادياً وادّعاء تمسك الأطراف الفاعلة بـ “وحدة سوريا”… عملياً وبدون شعارات وبعقول باردة… ماذا تعني “وحدة سوريا” بعد حدوث”معجزة الصفقة السياسية”؟
موقع تلفزيون سوريا