على الولايات المتحدة الأمريكية بعد إعلان وزير خارجيتها استخدام النظام السوري مجددا الأسلحة الكيميائية تنفيذ تعهد الخط الأحمر
النظام السوري عبر الاستخدام المتكرر لسلاح الدمار الشامل الكيميائي هو خطر يهدد العالم والبشرية وليس السوريين فقط
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إن النظام السوري عبر الاستخدام المتكرر لسلاح الدمار الشامل الكيميائي يشكل خطراً يهدد العالم والبشرية وليس السوريين فقط، ودعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنفيذ تعهد الخط الأحمر بعد إعلان وزير خارجيتها استخدام النظام السوري مجدداً الأسلحة الكيميائية.
وأشار التقرير إلى أن التحقيقات الأمريكية بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية في ريف اللاذقية والإعلان عنها يصب في مسار كشف جرائم الحرب التي لا يزال النظام السوري يمارسها، وتعريته أمام دول العالم كافة وبشكل خاص أمام الدول التي ترغب في إعادة العلاقة معه كالدولة المصرية التي تقود جهود حثيثة لإعادة نظام يرتكب جرائم حرب إلى الجامعة العربية بدلاً من التأكيد على طرده وفرض مزيد من العقوبات والعزلة الدولية ضده.
ونوه التقرير الذي جاء في 11 صفحة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد أعلن في الـ20 من آب عام 2012 -وكرر ذلك في مناسبات عدة- أنَّ استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري يعتبر خطاً أحمر، وهذا التصريح يُعتبر بمثابة تعهد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للشعب السوري بأن لا يستخدم السلاح الكيميائي ضدهم ويضمن اتخاذها كل الإجراءات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في حال استخدامه للسلاح الكيميائي، وطبقاً للتقرير فإن هذا التعهد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لا يصبُّ في صالح السوريين وحدهم بل هو خدمة للبشرية جمعاء وتعهد لكل سكان العالم بأن لا يشاهدوا أشخاصاً يقتلون خنقاً.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“يجب على دول العالم كافة أن تتكاتف وفقاً للمادة 1 المشتركة من اتفاقيات جنيف لمنع النظام السوري من خرق اتفاقيات جنيف عبر استخدام أسلحة دمار شامل، ويجب على الدول أو الشركات التي تحاول إعادة تأهيل النظام السوري ومساعدته اقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً أن تعلم أن النظام السوري لا يزال يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعليه فإنها سوف تكون متورطة بموجب القانون الدولي، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تمنع ذلك وأن تقود تحالفاً حضارياً لحماية العالم من خطر أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والقضاء عليها وعلى جميع من يستخدمها بمختلف الأساليب السياسية والاقتصادية والعسكرية.”
وذكر التقرير أن ما لا يقل عن 191 هجوماً كيميائياً هي حصيلة استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري منذ تعهد الرئيس باراك أوباما حتى نهاية حقبته الرئاسية في 20/ كانون الثاني/ 2017.
وبحسب التقرير فإن هذا التعهد لا يتعلق بإدارة الرئيس باراك أوباما وحده بل بجميع الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وأن هذا التعهد لا يزال سارياً ولا يزال الشعب السوري والبشرية تأمل في تصحيح الخطأ والإيفاء به وتخليصها من سلاح الدمار الشامل الذي يمتلكه النظام السوري ومن كل من تورط في استخدامه، وكذلك من برَّر استخدامه عن طريق النفي أو استخدام حق النقض لحماية النظام السوري؛ مشيراً إلى روسيا التي أعاقت تمديد عمل آلية التحقيق المشتركة المشكَّلة بقرار مجلس الأمن رقم 2235 ما يعني أن النظام الروسي قد وافق على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية بشكل أو بآخر وقدم له الحماية كي يقوم بتكرار استخدامها مرة أخرى.
واعتبر التقرير أن إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت أكثر حزماً واتخذت خطوات أكثر جدية في ظل فشل مجلس الأمن الدولي في منع النظام السوري من استخدام أسلحة دمار شامل وبالتالي تهديد الأمن والسلم الدوليين، وفي هذا الإطار ذكر التقرير استهداف القوات الأمريكية مطار الشعيرات بريف حمص الشرقي بعد هجوم خان شيخون الكيميائي في 4/ نيسان/ 2017 ولكنه أشار إلى أن هذا الهجوم لم يمنع النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية 14 مرة قبل أن ينفذ هجوم مدينة دوما بريف دمشق الذي ردت عليه قوات أمريكية وفرنسية وبريطانية واستهدفت منشآت تعمل على تطوير برنامج النظام السوري للأسلحة الكيميائية، عقب الهجوم في نيسان/ 2018، إلا أن الهجوم العسكري بحسب التقرير لم تتبعه خطوات دولية جدية نحو عملية انتقال سياسي تساهم في تنحية الحكومة والنظام الذي أمر باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وبناء على كل ذلك، فقد تشجَّع النظام السوري وكرَّر استخدام الأسلحة الكيميائية في قرية الكبينة بريف اللاذقية الشرقي في 19/ أيار/ 2019.
وفقاً للتقرير فقد ارتكب النظام السوري على مدى ثماني سنوات جرائم وانتهاكات فظيعة بحق المدنيين السوريين، ولم يستجب لأي من مطالب لجنة التحقيق الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية، ولا مطالب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ولا حتى قرارات مجلس الأمن، وكان يفترض بمجلس الأمن أن يتَّخذ تدابير جماعية ويتحرك بموجب المادتين 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة، لكنه فشل أيضاً بسبب الحصانة التي منحتها روسيا للنظام السوري، كما أنَّها لم تُحجم عن استخدام حق النقض في حالة النظام السوري، الذي ليس فقط لم يلتزم بمسؤولية حماية المدنيين، بل هو من ارتكب أفظع الانتهاكات بحقهم، وصلت مرتبة جرائم ضدَّ الإنسانية، وإبادة داخل مراكز الاحتجاز عبر عمليات التعذيب.
وبحسب التقرير فإنَّ ما يحصل في سوريا ليس مجزرة واحدة أو انتهاك واحد بل هو استمرار في عمليات القتل والتعذيب، والعنف الجنسي، والإخفاء القسري، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، وحصار المدنيين واقتبس التقرير ما ذكرته اللجنة الدولية المعنية بالتَّدخل وسيادة الدول في تقريرها المنشور في كانون الأول 2001، الذي جاء فيه: “إنْ تخلَّف مجلس الأمن عن الوفاء بمسؤوليته في أوضاع تهز الضمير وتستصرخ النجدة فسيكون من غير المعقول أن نتوقع من الدول المعنية أن تستبعد استخدام وسائل أخرى أو اتخاذ أشكال أخرى من التدابير للتصدي لخطورة وإلحاح هذه الأوضاع”
وفي هذا السياق أكد التقرير أن الدول وافقت بالإجماع في قمة عام 2005 على مسؤولية كل دولة عن حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وإن هذه المسؤولية تستلزم منع هذه الجرائم، ومنع التحريض على ارتكابها بكافة الوسائل الممكنة، وعندما تخفق الدولة بشكل واضح في حماية سكانها من الجرائم الفظيعة، أو تقوم هي بارتكاب هذه الجرائم كما في حالة النظام السوري، فإن من مسؤولية المجتمع الدولي التدخل باتخاذ إجراءات حماية بطريقة جماعية وحاسمة وفي الوقت المناسب.
استعرض التقرير حصيلة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وفقاً لتواريخ قرارات مجلس الأمن الدولي، التي بلغت ما لا يقل عن 217 هجوماً كيميائياً نفَّذها النظام السوري منذ أول استخدام موثق للأسلحة الكيميائية في سوريا في 23/ كانون الأول/ 2012 حتى تشرين الأول/ 2019، نفَّذ النظام السوري ما لا يقل عن 33 هجوماً قبل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 في حين أنه نفَّذ 184 هجوماً بعد هذا القرار، منها 115 بعد القرار رقم 2209، و59 هجوماً بعد القرار رقم 2235.
وطبقاً للتقرير فقد تسببت الهجمات جميعها في مقتل ما لا يقل عن 1472 شخصاً، منهم1397 مدنياً، بينهم 185 طفلاً، و252 سيدة، إضافة إلى 68 من مقاتلي المعارضة المسلحة، و7 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في أحد سجون المعارضة.
أكد التقرير أن كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة وآلية التحقيق المشتركة ومنظمات دولية مثل هيومان رايتس ووتش، والعفو الدولية قد أثبتت مسؤولية النظام السوري مرات عديدة عن استخدام الأسلحة الكيميائية.
وقد خرق النظام السوري عبر استخدام الأسلحة الكيمائية عدداً واسعاً من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، وشكَّل ذلك الخرق المتكرر والواسع النطاق بحسب التقرير جرائم ضدَّ الإنسانية وكذلك جرائم حرب وفقاً للمادة السابعة والثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كما خرق كافة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والمتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
طالب التقرير الإدارة الأمريكية بالقيام بتحقيقات في حوادث إضافية لهجمات بالأسلحة الكيميائية قام بها النظام السوري وفضح ممارساته وتعرية حلفائه مشيراً إلى الاتفاقية الموقعة بين الحكومة الأمريكية والشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي سيتم بموجبها تزويد الحكومة الأمريكية بالحوادث الموثقة في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأوصى التقرير الإدارة الأمريكية بملاحقة الضباط والقادة السياسيين والعسكريين المسؤولين عن ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا، مؤكداً أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان ستقوم بتزويديها بقوائم المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وحثَّ التقرير الإدارة الأمريكية على الحفاظ على تعهد “الخط الأحمر” عبر استهداف القوات والمطارات التي لا تزال تستخدم أسلحة الدمار الشامل الكيميائية، وملاحقة القادة الذين أمروا تلك القوات باستخدام الأسلحة الكيميائية.
ودعا إلى تشكيل تحالف حضاري يهدف إلى القضاء على الأسلحة الكيميائية المتبقية لدى النظام السوري وضمان عدم تكرار استخدامها، وإلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية صارمة على كل من يحاول تأهيل النظام السوري الذي أثبتت الإدارة الأمريكية تورطه باستخدام أسلحة كيميائية تُهدد أمن وسلامة الإقليم والعالم.
طالب التقرير المجتمع الدولي بعدم التخلي عن السوريين وتركهم وحيدين أمام توحش النظام السوري واعتبار أنهم وحدهم مسؤولون عن محاسبة النظام السوري على انتهاكاته مشيراً إلى ضرورة فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ضدَّ هذا النظام الذي لا يزال مُصراً على ارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
أشار التقرير إلى أن على المجتمع الدولي إيجاد تحالف إنساني يهدف إلى حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، لأنَّ روسيا ستستمرُّ في عرقلة مجلس الأمن واستخدام الفيتو آلاف المرات، والتدخل الإنساني الفوري لحماية الشعب السوري من الجرائم ضد الإنسانية التي يمارسها النظام السوري، ذلك على غرار تدخل حلف شمال الأطلسي لحماية المدنيين من عمليات القتل والتطهير في يوغسلافيا.
أكد التقرير أن على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تكثيف الجهود في عمليات التحقيق والإعلان عن النتائج من أجل تحقيق العدالة والمحاسبة عبر كشف الحقيقة للسوريين والعالم لأن البيروقراطية والبطء في عمليات التحقيق وإصدار التقارير يفقد اللجنة كثيراً من المصداقية ويفقد المنظمات السورية والمجتمع السوري الحماسة وجدوى التحرك والتعاون معها.