جسر: رأي:
شن تنظيم داعش اليوم السبت ٢٩ آب/أغسطس، هجوماً منسقاً في ريف دير الزور الشرقي، على منطقة عين علي التي تتخذها الميلشيات الإيرانية مقراً، ومزاراً يرتاده “الحجاج” الشيعة، من العراق وإيران، وتفيد الأنباء الأولية أن مقاتلي التنظيم ثبتوا نقاطاً دفاعية هناك، ولم تبسحبوا من المناطق التي تقدموا إليها، عندما وصلت المؤازرات، كما كان يحدث سابقاً. الأمر عينه يحدث في هذه الأثناء في بادية مدينة موحسن، القريبة من مطار دير الزور العسكري، حيث تمترس التنظيم بخنادق حفرت سابقاً وأخرى جديدة.
أما في ريف دير الزور الغربي، فلا زال التنظيم يتشبث بمواقعه على تخوم بلدة المسرب، التي هاجمها يوم ٢٧ آب، وقتل نحو ١٥ من عناصر الدفاع الوطني فيها، على رأسهم نائب قائد الدفاع الوطني في دير الزور نزار الخرفان، وتمترس مقاتلو التنظيم في منطقة وعرة على تخوم البلدة، عند البادية، وفشلت كافة الحملات التي حاولت إخراجه من هناك، بما فيها حملات عشائرية من أبناء المنطقة، حاولت الوصول إلى جثث بعض قتلى المنطقة، التي لازالت في العراء، وقتل شخص وأصيب آخر لدى محاولة سحبها.
غارات تمهيدية
وكان قد سبق ذلك عدد من عمليات الاغارة التي بثت الرعب في السكان المحليين في منطقة غرب الفرات الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وعلى امتداد ضفة نهر الفرات، من البوكمال على الحدود العراقية، وصولاً إلى حدود محافظة الرقة، فمن هجوم على نقاط النظام قرب فيضة ابن موينع في البوكمال، إلى هجوم على حقل الخراطة النفطي في الجنوب الغربي لمدينة دير الزور، والذي خلف خمسة قتلى من عناصر الدفاع الوطني من بلدة الخريطة، إلى هجوم في ناحية التبني، أدى لمقتل القيادي في لواء القدس عبدو رستم مع مجموعة من عناصره، وصولاً إلى هجوم، في بادية المياذين، أدى إلى مقتل محمد تيسير الظاهر قائد ميلشيا الدفاع الوطني هناك، مع ستة من عناصره، في يوم ١٨ آب الجاري، وهو اليوم الذي أعلنت فيه القيادة الروسية أيضاً عن مصرع لواء الاتحاد الروسي، فياتشيسلاف جلادكيخ، واصابة ثلاثة عسكريين آخرين في انفجار عبوة، في بادية دير الزور.
السكان المحليون خاضعون على نحو مسبق
اللافت في الأحداث الأخيرة، هو رعب قبائل غرب الفرات من هذه التطورات المتسارعة، وهي التي عانت من ويلات التنظيم لسنوات قبل ذلك، فقد احجم أبناء قبائل غرب دير الزور مثلا، عن اطلاق “الفزعة” التقليدية لأقاربهم في المسرب، خوفاً من انتقام التنظيم، الذي باتوا يعتقدون أنه عاد بالفعل إلى مناطقهم، وأن خلاياه النائمة، والأمنية، تسرح وتمرح بينهم.
الأمر عينه ينطبق على عشائر ريف دير الزور الشرقي، ففي فيديو نشر اليوم، لفزعة من بلدة صبيخان، تتجه إلى القورية التي اصبح التنظيم على أطرافها، تودع الأمهات بالدموع ابناءهن، الذين يشعرن بأنهم لن يعودوا من تلك الموقعة.
قبل ذلك، وبعيد هجوم حقل الخراطة النفطي، فرمن ميلشيا الدفاع الوطني الذي كان يقوده الخرفان في ريف دير الزور الغربي، نحو مئتي مقاتل، على وقع تهديدات مباشرة وغير مباشرة لهم بالقتل، وهو ما حدث بالفعل لمن تبقى مع الخرفان.
ويقول أشخاص من سكان غرب الفرات تواصلنا معهم، إنهم يعتقدون بأن عدداً لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة من عناصر التنظيم، سيكون بامكانهم اخضاع أي بلدة أو قرية من قرى ريف دير الزور، فسكانها سيجدون أن لا نوع من المقاومة سيكون ذا جدوى، خاصة مع ما تحمله ذاكرتهم عن عنف وبطش عناصر التنظيم.
الصحراء البيضاء.. الكذبة السوداء
في هذه الثناء، أعلنت موسكو أنها أطلقت عملية “الصحراء البيضاء” لتمشيط منطقة البادية السورية الممتدة من ريف حمص الشرقي حتى الحدود مع العراق، رداً على مقتل الجنرال الروسي، إلا أن أهالي المنطقة لم يشاهدوا طائرة واحدة في السماء طوال الأسبوع الماضي، ويتساءلون بدهشة عن سر عدم قصف المكان الذي يتحصن فيه عناصر داعش في المسرب، حتى أنهم باتوا شبه متيقنين من أن ثمة تواطؤ بين تلك المجموعة، وكل من النظام روسيا والميلشيات الإيرانية، بهدف دفع أبناء منطقة وادي الفرات للفرار وترك مناطقهم، لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة المناوئة بشدة لنظام الأسد، رغم تظاهرها اليوم بالتصالح معه
التحذيرات لم تجد نفعاً
قبل أيام أعلن فلاديمير فورونكوف، مسؤول مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 10 آلاف من مقاتلي تنظيم داعش ما زالوا نشطين في العراق وسوريا بعد عامين من هزيمة التنظيم، وأن هجماتهم زادت بشكل كبير هذا العام.
وأخبر فورونكوف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن مقاتلي داعش يتحركون بحرية في خلايا صغيرة بين البلدين، وأكد أن داعش أعاد تنظيم صفوفه وزاد نشاطه ليس فقط في مناطق الصراع مثل العراق وسوريا ولكن أيضًا في بعض الفروع الإقليمية.
تثبت احداث غرب الفرات المتسارعة، بأن الواقع لا يطابق كلام المسؤول الأممي، بل يتعداه، إذ يبدو أن التنظيم قد اتخذ من بادية الشام، الواقعة عملياً تحت سيطرة الروس ونظام الأسد والميلشيات الإيرانية، منطقة تجميع قوى، وتدريب، وقواعد انطلاق، إلى هدفه التالي، الذي هو بلا شك، السيطرة على بلدات ومدن، والتمترس فيها، وهو ما سينعش آمال انصار التنظيم في كل مكان في العالم، ويؤكد لهم الدعاية الأثيرة للتنظيم، وهو أنه باق، ويتمدد، وبالتالي استعادته للزخم والشعبية التي تمتع بها لسنوات، إبان سيطرته على جزء من العراق وسوريا.
تدخل التحالف الدولي!
تشير الأحداث أيضاً، إن استمرار استئثار كل من روسيا ونظام الأسد وايران، بمناطق غرب الفرات، سيجعل من المنطقة الرحم الذي ستنطلق منه الموجة الجديدة من الهجمات المتطرفة، ليس فقط لأن لا روسيا ولا النظام وايران، يهمها أن تبقى تلك التنظيمات ذريعة لتدخلها وستاراً لهيمنتها، بل أيضاً لأن سياسات وممارسات تلك القوى، هي محفز أساسي لانخراط سكان المنطقة في تلك التنظيمات، في السر وفي العلن، وتغذية بالدماء الجديدة.. الساخنة. وهو ما يدعونا للاعتقاد، بان الأمور ستؤول في النهاية، إلى اضطرار التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، عاجلاً أو آجلاً، للتدخل غرب الفرات، في مناطق النفوذ الروسي والإيراني، وهو ما سيغير الكثير من قواعد اللعبة في سوريا.