رأي – منهل باريش
جسر: متابعات:
خرق الطيران الحربي التابع لمحور روسيا-النظام قرار وقف إطلاق النار بعد ساعتين من إعلان وزارة الدفاع الروسية عنه، يوم الخميس. وقال مدير مركز حميميم الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء يوري بورينيكوف في بيان صدر بإسمه “بموجب الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع الجانب التركي، فإن نظام وقف إطلاق النار في منطقة إدلب لخفض التصعيد، دخل حيز التنفيذ اعتبارا من الساعة 14:00 من يوم الخميس، الموافق 9 كانون الثاني (يناير) 2020”. مطالباً “قادة التشكيلات المسلحة غير الشرعية بالتخلي عن الاستفزازات بالسلاح، وسلك سبيل التسوية السلمية للأوضاع في مناطق سيطرتهم”.
في السياق، أكد الرئيسان التركي رجب طيب اردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في بيان مشترك، الأربعاء على ضرورة ضمان التهدئة في منطقة إدلب السورية وشددا على “ضرورة ضمان التهدئة في إدلب عبر تنفيذ جميع بنود الاتفاقيات المتعلقة بها”. وأكد البيان على “ضرورة الالتزام بحماية سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها السياسية وسلامة أراضيها”. وأشار إلى “ضرورة الحزم في محاربة جميع أشكال الإرهاب في سوريا، واحباط الأجندة الانفصالية فيها”.
وجاء في نص البيان عقب لقاء اسطنبول بين الرئيسين “نؤكد على أهمية تنفيذ جميع بنود التفاهم المبرم بين الجانبين في 17 أيلول (سبتمبر) 2018 (اتفاق سوتشي) وفي 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 المتعلق بمنطقة شرق الفرات وانسحاب قوات وحدات حماية الشعب الكردية من الشريط الحدودي بعمق 30 كم”.
وختم البيان “ملتزمون بالعمل في إطار آلية مسار أستانا، ودعم اللجنة الدستورية لإيجاد حل سياسي دائم، بشكل يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254”.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أنّ الجانبين التركي والروسي اتفقا، مساء الجمعة، على وقف إطلاق نار في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب اعتبارا من الساعة 00:01 ليوم 12 كانون الثاني (يناير) وفق التوقيت المحلي.
وأشار البيان إلى أنّ نظام وقف إطلاق النار “يشمل الهجمات الجوية والبرية، بهدف منع وقوع المزيد من الضحايا المدنيين ولتجنب حدوث موجات نزوح جديدة وإعادة الحياة لطبيعتها في إدلب” من دون التطرق إلى مدة وقف إطلاق النار أو تفاصيل متعلقة بتطبيق اتفاق سوتشي بين الدولتين.
ويعتبر وقف إطلاق النار تتويجا لجهود أنقرة التي بذلتها الشهر الماضي، حين أرسلت وفدا عسكرياً إلى موسكو بهدف إقناع المسؤولين هناك بضرورة وقف الهجوم الذي يشنه النظام السوري، ويعتبر ملف إدلب واحداً من أبرز الملفات التي تداول بها الرئيسان في لقاء اسطنبول، الأربعاء، خلال زيارة بوتين السريعة لتركيا وحضوره تدشين خط “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وأوروبا، إلى جانب الرئيس الصربي ورئيس الوزراء البلغاري.
بالتزامن مع اللقاءات الروسية التركية المشتركة، استقبل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، يوم الجمعة، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، والسفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساتيرفيلد، وأصدرت وزارة الدفاع التركية بيانا حول الاجتماع، ذكرت فيه، أن الجانبين “تبادلا وجهات النظر حول قضايا الأمن الإقليمي وعلى رأسها سوريا” من دون ذكر لأي تفاصيل حول اللقاء، ومن المرجح أن يكون جيفري قد استمع إلى وجهة النظر التركية حول تأزم العلاقات داخل هيئة “التفاوض” المعارضة بعد دعوة الخارجية السعودية شخصيات سياسية سورية مستقلة بدون التشاور مع رئيس الهيئة أو “الائتلاف الوطني” وهو ما فُسر على أنه محاولة لتحجيم دور الائتلاف المعارض الذي ترعاه تركيا، وبالتالي تقليص نفوذها في هيئة التفاوض.
على الصعيد الإنساني، أعلن المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة، استيفان دوغريك، الخميس، مقتل 1460 مدنيا، من بينهم 417 طفلا و289 امرأة بسبب الهجوم الذي يشنه النظام وحلفاؤه في الفترة الممتدة بين 29 نيسان (أبريل) الماضي إلى 5 كانون الثاني (يناير) الجاري حسب متحدث الأمين العام للأمم المتحدة، استيفان دوغريك.
وقف إطلاق النار
ويعلق أكثر من أربعة ملايين سوري آمالهم على نجاح وقف إطلاق النار أو “الهدنة” كما يريدون تسميتها. ولا تشجع تجارب المدنيين السوريين مع الهدن التي أعلنتها روسيا إطلاقاً، فإعلان وقف إطلاق النار من الجانب الروسي ارتبط بخيبات وهزائم كبرى منذ تدخلها إلى جانب النظام السوري مطلع تشرين الثاني (أكتوبر) 2015. فروسيا أخلت باتفاقية وقف الأعمال العدائية التي وقعتها بعد أقل من أربعة أشهر على تدخلها في سوريا مع أمريكا في 22 شباط (فبراير) 2016 وتعاملت مع الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام والتي تسيطر عليها المعارضة على أنها تسيطر عليها إما تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “جبهة النصرة” مستغلة غياب آلية تمييز (في مناطق سيطرة التنظيمات الجهادية وفصائل المعارضة) في بيان المجموعة الدولية لدعم سوريا، الصادر في الـ 11 من الشهر ذاته. وفشلت أمريكا في إلزام روسيا بتطبيق نص الملحق المتعلق بالاتفاق وخصوصا الفقرات التي تعني النظام وحلفائه وخصوصاً:
“وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي من قبل القوات الجوية التابعة للجمهورية العربية السورية والقوات الجوية الفضائية الروسية، ضد مجموعات المعارضة المسلحة (حسب ما سيتم تأكيده للولايات المتحدة أو لروسيا الاتحادية من قبل الأطراف المشاركة في وقف العمليات العدائية)” و”التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة في وقف إطلاق النار”.
وتُذَكر الهدن الروسية، بتهجير أهالي ومقاتلي شرق حلب نهاية عام 2016 حيث أعلنت موسكو هدنة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) بعد قصف وحشي على المدينة أدى الى إنهيار الجبهات الشرقية التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر.
ومع انتهاء جولة استانا الأولى، ورغم التزام روسيا بوقف إطلاق النار، سقطت منطقة وادي بردى نهاية شهر كانون الثاني (يناير) وقاطع وفد الفصائل المعارضة الجولة الثالثة من مسار أستانا التي عقدت في 13و 14 آذار 2017 بسبب خرق روسيا لنظام وقف إطلاق النار ومشاركتها بعملية تهجير أهالي حي الوعر في مدينة حمص.
وفي مطلع نيسان (ابريل) 2018 أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن “وقف إطلاق النار” في مدينة دوما، مقابل “استئناف انسحاب المسلحين من المدينة” واستكمال التهجير الذي بدأ في 22 آذار (مارس) في بلدات زملكا وعربين وعين ترما.
وعقدت القوات الروسية اتفاقية تهجير جديدة بحق أهالي ريف حمص الشمالي، تزامنا مع الجولة التاسعة من مسار أستانا منتصف أيار (مايو) عام 2018.
وأعلنت روسيا هدنة من جانب واحد بعد معركة السيطرة على ريف حماة ربيع وصيف 2019 حيث أعلنت بعد سيطرتها على قلعة المضيق واللطامنة وكفرنبودة والهبيط وخان شيخون وبلدة التمانعة هدنة في 31 آب (أغسطس) 2020.
وتعلن روسيا اليوم، التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد في منطقة إدلب، بعد شهر من الهجوم على ريف معرة النعمان الشرقي وقضم مناطق جديدة، وهي بذلك تفرض منطقة خفض تصعيد أخرى وترسم حدودا جديدة لها، بسبب استحالة استعادة سيطرة الفصائل على ما خسرته أو موافقة روسيا على الانسحاب مما سيطرت عليه مع النظام، وتجبر الأطراف وضامن الفصائل (تركيا) على الموافقة على تحديث عمق المنطقة منزوعة السلاح الثقيل والخالية من الفصائل المتطرفة والجهادية والقبول بالواقع الجديد.
فتح الطرق الدولية
إن طريقة التعامل الروسي في مسار أستانا أو مع اتفاق سوتشي، أيلول (سبتمبر) 2017 لا يعني أن تركيا قادرة على وقف الهجوم المحتمل بعد فترة وجيزة، وفي حال تمكن العسكريون الأتراك من الحصول على وقف إطلاق نار لمدة ستة شهور، فإن ذلك يعني تأجيل المشكلة لا حلها. فروسيا كما أصبح واضحا تريد تطبيق نص اتفاق سوتشي نهاية الأمر، وكونها تراعي حساسية عدم إحراج حليفها الاستراتجيي الجديد تركيا، فإن ذلك لا يعني غض الطرف عن تحقيق أول الأهداف الروسية وهو فتح الطرق الدولية أو على الأقل طريق حلب-دمشق وإخراج الفصائل المصنفة إرهابية من عمق المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، وهو ما يعني أن حجة الروس ستبقى قائمة بوجود هيئة “تحرير الشام” وهو ما يعيد السؤال لدى السوريين المكدسين في إدلب تحت أشجار الزيتون، كيف ستطبق تركيا اتفاق سوتشي؟
القدس العربي: 11-01-2020