ريهام منصور
على الطريق بين بلدة الشحيل في ريف ديرالزور الشمالي وحقل العمر النفطي، انفجرت عبوة ناسفة باليافعين عمر 15 عاماً، وسعيد 17 عاماً، عندما كانا يحاولان زرعها على الطريق الذي تسلكه الدوريات الأميركية، فقتلتهما.
أشبال الخلافة!
الصديقان عمر وسعيد، انتسبا منذ كانا طفلين إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، والتحقا بمعسكراته إبان سيطرته على ديرالزور. وبعد حصار منطقتهما من قبل “التحالف الدولي” و”قوات سوريا الديموقراطية”، خرجا منها، وأجريا “المصالحة” الشكلية المعتادة، ليتم اهمالهما كلياً بعد ذلك نظراً لصغر سنهما.
وليس ذلك بحالة فريدة أو منفصلة عن السياق الاجتماعي، إذا ما عرفنا أن أربعة من أبناء عمومة عمر، كانوا قتلوا قبل سنوات أثناء قتالهم في صفوف التنظيم؛ عبدالله، ابن الـ16 عاماً، قُتلَ عندما كان يقاتل بالقرب من الحدود العراقية-السورية، وتوفيت والدته متأثرة بالصدمة، ما دفع شقيقه عبدالرحمن ابن الـ14 عاماً، إلى القيام بعملية انتحارية بسيارة مفخخة في الموصل العراقية. أما الأخ الثالث محمد، 13 عاماً، فقتل في مدينة البصيرة لدى تحريرها من قبضة “داعش”. أحد أقاربهم، حذيفة، 6 سنوات، قُتلَ عندما انفجرت به عبوة ناسفة كان يلهو بها.
أطفال فتحوا عيونهم على الدنيا ليجدوا أنفسهم في كنف “داعش”؛ في بيئة عائلية موالية بشدة للتنظيم، أو في بيئة التعليم المتشدد التي فرضها وتخرّج منها عدد هائل من الأطفال المقاتلين. أولئك الأطفال تم إعدادهم بشكل ممنهج ليكونوا بذرة التنظيم التي قد تكفل انبثاقه يوماً ما.
إدارة التوحش.. وتدريبه
منذ وقت مبكر اهتم “داعش” بضم أعداد متزايدة من الأطفال إلى صفوفه، بسبب قلّة “العناصر البشرية المؤمنة” ونقص الكوادر الإدارية المنظمة، ولتعويض الفاقد من هؤلاء بسبب “القتل المستمر”، وانكشاف القادة السابقين والحاجة لكوادر غير معروفين، والاستمرارية “الجيلية” للتنظيم، بحيث يتم ضمان انتقال فكره وإرثه من جيل إلى آخر، وربط أسر الأطفال المجندين بكاملها بالتنظيم، بحسب ما ذهب إليه مؤلف “إدارة التوحش”.
في مناطق سيطرة التنظيم السابقة، تم تجنيد الأطفال بعمر ما بين 7 و14 عاماً، لسهولة زراعة “العقيدة” فيهم من دون شكوك، وهم أصلاً من مجتمعات ذات ميول دينية.
ولطالما بدأت عمليات التجنيد السابقة للأطفال من عائلات أعضاء التنظيم، لـ”الترفيه” عنهم، قبل أن يُعرض عليهم مبايعة “الخليفة”، بعد تصوير ذلك على أنه أمل لا يُنالُ بسهولة. إذ تفنن التنظيم بخلق الحوافز الغريبة، كتعمد إذاعة أسماء المقبولين من الأطفال المبايعين. استثناء البعض لطالما أشعر المقبولين بالتفوق، والمرفوضين بالدونية.
عملية تحويل الأطفال الى”مجاهدين” كانت تتم في معسكرات لـ15 يوماً، يلقنون فيه مبادئ العقيدة الإسلامية وفق منظور التنظيم، ويتم خلالها تفحص إمكاناتهم وملكاتهم الفرديّة. من كان ملائماً للتدريب العسكري، تمّ نقله إلى معسكرات تدريب على القتال وحمل السلاح، لمدة 40 يوماً، قبل زجهم في ميادين “العمل” المختلفة. ويقول بعض من خضعوا لتلك المعسكرات، إن الأطفال يمرون بمراحل قصوى من الاجهاد تبلغ حد التعذيب الجسدي والنفسي، لجعلهم أكثر شراسة وعدوانية، ولمعرفة قدراتهم المتباينة على التحمل.
أعداد متزايدة
وفق آخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن “داعش” جنّد نحو 3500 طفل. ويشير التقرير إلى تضاعُف عدد الأطفال الذين شاركوا فى معارك العام 2015 ثلاث مرات مقارنة بالعام 2014. وواصلت الأعداد زيادتها باضطراد. وأشار التقرير إلى أن تزايد أعداد الأطفال السوريين كان لافتاً، وقد قتل منهم نحو 350 منهم في المعارك، وفجر 48 آخرون أنفسهم بعربات مفخخة أو أحزمة ناسفة. فى العام 2016 تزايدت وتيرة تجنيد الأطفال، ونعى التنظيم 89 طفلاً ويافعاً، قتلوا في عمليات التنظيم بينهم ابنا البغدادي؛ حذيفة ومعتز، اللذين قال التنظيم إنهما قتلا أثناء القتال في سوريا.
معضلة انسانيّة وأمنيّة
لا أحد يعرف بدقة عدد الأطفال المُجندين، ولا نوع المهمات التي دربوا عليها أو كلفوا بها. وفي الحالات التي يتم كشف بعضهم، فإن ثمّة معضلة أخلاقية تتمثل باحتجازهم. كما يُشكل اطلاق سراحهم خطراً أمنياً، كما في حالة عمر وسعيد. وتزداد خطورة هؤلاء عندما يكونون من غير السوريين. ويُقدّرُ على سبيل المثال أن ثمة 290 طفلاً المانياً ترعرعوا في مناطق سيطرة “داعش”، ويتوجب على حكومتهم إعادتهم وفق القوانين السارية.
والمعضلة لا تتمثل فقط في التربية التي تلقاها هؤلاء، المهام التي يمكن أن يتولوها بأمر من قيادات التنظيم السريّة، بل أيضاً في نوعية الحياة التي عاشوها، إذ تعرض جزء من أهلهم ورفاقهم للقتل أمامهم، ما سيغذي فيهم غريزة الانتقام والعدمية، بصورة يصعب علاجها.
المستقبل!
في ظل استمرار تدهور الأحوال الانسانية والأمنية في مناطق سيطرة التنظيم سابقاً، شرقي سوريا وغربي العراق، وانسداد الأفق وانعدام فرص التغيير الحقيقي للواقع الذي نشأ منه التنظيم بل وتفاقمها، فأي مستقبل قد ينتظر هؤلاء؟
في غضون سنوات، سيكون لهم الخبرة والمهارة والأدوات، التي تمكنهم من الاضطلاع بقيادة موجة عنف جديدة، لا أحد يمكنه التكهن باتساعها ولا نتائجها. وتبدو كل عمليات التأهيل وإعادة الدمج المقترحة أو التي تم تجريبها بالفعل، ليست أكثر من ستار رقيق، يمكن لشبكات المتطرفين أن تتستر به لحماية افرادها وكوادرها، أكثر مما هي أدوات لإعادة أولئك الشباب إلى الحياة الطبيعية. وهو هدف يحتاج لتحقيقه تأمين تعليم جاد لهم، يحرضهم على التفكير النقدي والتشكيك بمسلمات المظلومية. وكذلك، يتوجب توفير فرص للعمل والحياة الكريمة. وقبل كل ذلك، انتشالهم من دوامة الموت والعدمية التي دفعوا لها دفعاً، اجتماعياً وسياسياً.
المدن ١٠ تموز/يوليو ٢٠١٩