محمد حسان/ نقلاً عن المدن
في مدينة البصيرة شرقي ديرالزور، يتسلل أحمد البالغ من العمر 12 عاماً، بلباسه الأحمر الفاقع بين المتظاهرين المحتجين على سياسات “قوات سوريا الديموقراطية”، وهو يحمل لافتة كتب عليها: “أين أخوة الشعوب؟”، هاتفاً بصوته الناعم “بروح بالدم نفديك يا أدهم”.
وأدهم السرحان، الذي هتف أحمد باسمه، هو شاب من قرية ضمان شمالي ديرالزور، قُتل في 25 نيسان/أبريل مع والده وأخيه وزوجة أخيه، على يد قوة مشتركة من “التحالف الدولي” و”قسد” من دون أي سبب.
هتافات أحمد، التي امتزجت مع جلبة المحتجين، اختفت بعدما أطلق أحد عناصر “قسد” النار في محاولة لتفريق المتظاهرين.
الاحتجاجات تتسع
أخذت رقعة احتجاجات أهالي أرياف ديرالزور الخاضع لسيطرة “قسد” بالاتساع، وبدأت تمتد باتجاه مدن وبلدات مختلفة. فالاحتجاجات التي بدأت مطلع نيسان/أبريل بقرى الكسرة ومحيميدة والجنينية، توسعت دائرتها خلال الأيام الماضية إلى قرى الريفين الشمالي والشرقي.
وسُجّلَ خلال اليومين الماضيين 7 نقاط تظاهر في قرى ضمان والحصين ومدينة البصيرة وبلدة الشحيل والطيانة، إضافة لحالات قطع للطرقات الداخلية.
علي السالم، أحد المشاركين في الاحتجاجات، قال لـ”المدن”، إن الاحتجاجات ستستمر حتى تحقيق مطالب الأهالي، وهناك تنسيق لزيادة نقاط التظاهر في عموم أرياف ديرالزور الواقعة شرقي الفرات”.
وأضاف السالم “أن الاحتجاجات تتم بشكل سلمي تام، بعيداً عن السلاح أو الشعارات الطائفية أو العرقية”.
أسباب الاحتجاج
أسباب كثيرة تقف وراء اندلاع الاحتجاجات وأهمها تردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة “قسد”، التي تشهد الأسواق فيها ارتفاعاً في أسعار السلع الغذائية، إضافة لارتفاع أسعار المحروقات. هذا عدا عن تعامل “قسد” مع النظام وتزويدها له بالوقود عبر المعابر النهرية.
كما تتواصل الاعتقالات التعسفية التي تطال المدنيين بتهم مختلفة مثل “الدعشنة” والتعامل مع “درع الفرات”، عدا عن عمليات التعذيب للمعتقلين، فقد قتل 3 مدنيين تحت التعذيب خلال نيسان وحده. وتُسجّل حالات احتجاز للكثير من أهالي أرياف ديرالزور داخل المخيمات، وعدم السماح بعودتهم إلى قراهم مثل قرى الباغوز والسوسة.
ومن مسببات الغضب الشعبي أيضاً؛ الفساد الإداري والمالي في دوائر المجالس المدنية التابعة لـ”قسد”. وسياسة التجنيد الإجباري، والهيمنة الكردية على المنطقة، إضافة لضعف الخدمات وعدم توفرها وعدم إعطاء المكون العربي دوره في إدارة المنطقة.
أما السبب المباشر الذي ساهم بزيادة حدة الاحتجاجات، فهو قتل عائلة السرحان في قرية ضمان على يد قوة مشتركة من “التحالف” و”قسد” بتهمة التعامل مع “داعش”.
شيطنة المحتجين
في 28 نيسان خرجت مظاهرة في بلدة الطيانة شرقي ديرالزور، ضمن حركة الاحتجاجات المستمرة. فداهمت “قسد” موقع المظاهرة، وأطلقت الرصاص في الهواء لتفريق المحتجين، كما شنت حملة اعتقالات طالت 11 مشاركاً فيها.
إبراهيم، أحد أبناء البلدة، قال لـ”المدن”، إن “قوات مكافحة الإرهاب” هي من داهمت البلدة لتفريق الأهالي، وقامت باعتقال المتظاهرين بالإضافة لشخصين صودف مرورهم أثناء المداهمة”.
وأضاف إبراهيم: “تم اقتياد جميع المعتقلين إلى مكان مجهول ونخشى أن يتعرضوا لعمليات تعذيب أو أن يتم تلفيق تهم باطلة لهم”.
تعامل “قسد” الأمني ضد المحتجين، ترافق مع عمل إعلامي مركز يقوم به مكتبها الإعلامي وشبكات إعلامية موالية لها، بهدف شيطنة الاحتجاجات، واتهام المحتجين بالتبعية لتركيا وقطر، أو حتى بالعمل لصالح النظام.
هذه مطالبنا
عقدت “قسد” خلال اليومين الماضيين، اجتماعين مع وجهاء العشائر، الأول في منطقة العزبة غربي ديرالزور مع وجهاء عشيرة البقارة، والثاني في منطقة المعامل شمالي ديرالزور مع وجهاء عشيرة البكير، في محاولة لوقف حركة الاحتجاجات.
وطالبت “قسد” بحضور ممثلين عن المتظاهرين في اجتماع منطقة المعامل، إلا أنهم رفضوا ذلك، واكتفوا بإرسال مطالبهم التي تلخصت في 10 نقاط.
إيقاف الحملة التعسفية التي تقوم بها الاجهزة الأمنية ضد الأبرياء. واطلاق سراح المعتقلين على خلفية تقارير كيدية وإلصاق التهم الجاهزة بهم “داعشي” أو “درع الفرات”. واخلاء سبيل النساء والأطفال من أبناء المنطقة المحتجزين في المخيمات. وعدم التعامل مع النظام وإيقاف المعابر الخاصة بتهريب النفط. وتفعيل دور أبناء المنطقة القياديين في “قسد”. ومعاملة أهالي ديرالزور في الحسكة والرقة بصورة حسنة والسماح لهم بالدخول والخروج منها من دون كفيل. وإلغاء التجنيد الاجباري والإكتفاء بالمتطوعين. وإلغاء دور الكوادر المتواجدين في المجلس المدني وتفعيل دور رؤساء اللجان ورئيس المجلس المدني. وتوفير المحروقات والكهرباء. وعدم التعرض للمتظاهرين. وإنهاء مشاكل القيادة العسكرية مع المدنيين.
انفجار الوضع
رئيس “التيار العربي المستقل” محمد الشاكر، قال لـ”المدن”، إن واقع المكون العربي شرقي الفرات واقع مرير، “نتيجة التهميش والاقصائية من قبل المكون الكردي الذي يُهيمن على إدارة المنطقة وثرواتها”.
وأضاف: “الإستمرار في النهج الاقصائي ضد المكون العربي قد يؤدي إلى انفجار الوضع في المنطقة، ونشوب صراع ذي طابع قومي بين العرب والأكراد”. وأكد “أن انفجار الوضع يضع المنطقة أمام خطر كبير، يتمثل بإمكانية استغلال النظام وإيران لحالة التوتر ومحاولة الهيمنة على شرق الفرات، أو حتى إيجاد مناخ غير مستقر يعيد تنظيم داعش إلى واجهة الأحداث في المنطقة من خلال عملياته الأمنية”.
وعن الحلول الممكنة أشار الشاكر: “الحل يكمن في تسليم إدارة المنطقة لأبنائها، تفعيل الدور التشاركي بين المكونات والتوزيع العادل للثروة في تلك المناطق”.
يد مكسورة
أحمد الذي تملكه الخوف أثناء إطلاق النار لتفريق المحتجين، حاول الهرب إلى أحد الأزقة ليحتمي بجدرانه، لكنه اصطدم بدراجة نارية كان صاحبها يحاول الهرب أيضاً. وتسبب ذلك بكسر يد أحمد.
ورغم إصابته، ينتظر أحمد موعد المظاهرة المقبلة ليخرج مطالباً بحقوقه.