جسر: خاص:
وصل التلوث البيئي في دير الزور مراحل غاية في الخطورة، خلال السنوات التسع الأخيرة، حيث تعددت مصادره، وتنوعت أشكال المشاكل البيئية الناتجة عنه. ولعل تلوث مياه الفرات هي أكبر كوارث المنطقة، حيث لا يوجد مصدر آخر للمياه، في ظل عدم صلاحية المياه الجوفية للشرب أو الاستعمال المنزلي بسبب ملوحتها العالية، كما أنها لا تصلح إن للزراعة أو للتربية الحيوانية. فماهي مصادر التلوث البيئي في دير الزور؟
النفايات:
أدى غياب الخدمات الضرورية من معالجة ونقل للنفايات إلى انتشارها في الكثير من أرجاء المنطقة وخاصة في البادية، وذلك على الرغم من وجود آليات النقل التي يؤمنها برنامج فرات، لكن إهمال الإدراة المحلية، وقلة الوعي اﻷهلي، يستمران في مفاقمة أزمة النفايات، التي تجرفها السيول إلى نهر الفرات لتزيد من مشاكل التلوث. يضاف إلى ذلك النفايات الطبية التي لا يوجد أي آلية لمعالجتها أو التخلص منها.
وعليه، فإن حل مشكلة النفايات يتطلب برامج شاملة تركز على التوعية أولا، بالإضافة إلى الآليات الهندسية وأعداد كافية من العمالة المؤهلة.
الصرف الصحي:
تتدفق مياه الصرف الصحي في ديرالزور وبقية مناطق وادي الفرات، إلى النهر مباشرة دون أي معالجة، حيث لا توجد أي محطة تصفية، فتصب مخلفات البشر والمناطق الصناعية والصرف الزراعي جميعها في النهر حتى وصل الحال بمياهه أن اكتسبت لونا أصفر ورائحة كريهة.
لقد فاقم انعدام محطات التصفية والتنقية الملائمة الأزمة، ونستطيع القول إن 10%، لا أكثر، من أهالي دير الزور، لديهم الماء الصالح للشرب، رغم وجود محطات مياه في المنطقة، لكنها دون المستوى الكافي لحاجة السكان من المياه النقية.
التلوث النفطي:
أدى انقطاع المشتقات النفطية المكررة خلال السنوات التسع الماضية إلى استخدام السكان وسائل التصفية المحلية البدائية (الحرّاقات)، لتأمين حاجاتهم من الوقود. فتحول النفط مصدرا للتلوث المفرط، نتيجة لاستخراجه وتكريره العشوائيين، حيث أن القائمين على استثمار وتوزيع وتصفية النفط، هم غالبا ممن تعوزهم الخبرة أو العلم بكيفية حماية البيئة، بل إن بعضهم لا يملك الوازع الأخلاقي الذي يمنعه من التسبب بالتلوث.
وتتنوع مصادر التلوث النفطي وتتعدد اشكاله:
- انفلات الغازات المرافقة للنفط في الجو وامتزاجها بمياه المطر:
تتم عملية التخلص من الغاز المرافق للنفط أصولا بطريقتين؛ إما عبر فصله وحرقه أثناء عملية الإنتاج؛ أو فصله وإرساله عبر أنابيب إلى معمل “كونيكو” لاستثماره. أما الآن، فإنه يترك في الجو مسببا تلوثا بالغ الأثر.
- التلوث الناتج عن رمي مخلفات الحرّقات في الاودية:
في الوقت الحالي تتم اﻻستفادة من نواتج حرق النفط عبر بيعها واستخدامها في تدفئة الدواجن، فإن لم يكن فإنها تُرمى في العراء، حيث يؤدي تعرضها للعوامل البيئية، وامتزاجها بمياه الأمطار إلى تسربها للمياه الجوفية أو تدفقها إلى نهر الفرات مباشرة عبر فيضانات اﻷودية.
- التلوث الذي ينتج عن الغازات الناتجة عن حرق النفط الخام:
تصدر عن عملية حرق النفط الخام، من أجل تأمين مصدر الطاقة لتسخين النفط، كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون والابخرة السامة التي تلوث الهواء في المنطقة، وتمتزج مع الغيوم ناقلة السموم الى مياه الأمطار، التي تنتشر بدورها خلال عملية الهطول على نطاق واسع، وهذا يؤثر على كل التربة المحيطة، بالإضافة لتأثيره على المزروعات والحيوانات التي تشرب من مياه الأمطار في البوادي أو من سدود التخزين الترابية.
- التخلص من المياه المرافقة للنفط في العراء:
ترافق النفط مياه مسمومة، وعادة ما يتم التخلص منها عبر حقنها في الأرض؛ كي تعوض الفاقد في طبقة المياه في طبقات إنتاج النفط. أما الان؛ فيتم التخلص منها في العراء أو عبر عملية التبخير أثناء تسخين النفط فتنتشر سمومها في الجو؛ وتلوث بالتالي كامل البيئة المحيطة.
التلوث الناتج عن الخزانات الترابية حول الابار المنتجة:
أدى تخزين النفط في أحواض ترابية لسنين إلى اختراق المادة النفطية للتربة، وتسربها إلى المياه الجوفية وبالتالي انتقالها عبر المياه المستخرجة من اﻵبار إلى الإنسان والحيوان على حد سواء.
- التلوث الذي يصيب العاملين مباشرة من خلال ملامستهم المستمرة للنفط:
لا يلتزم العاملون في مجال تصفية النفط بالوسائل البدائية بمعايير الحماية، فيعملون بلا قفازات أو أحذية مناسبة ولا حتى كمامات، ما يعرضهم مباشرة لاستنشاق الغازات السامة وملامسة النفط على مدى ساعات العمل الطويلة.
التلوث الناتج عن غسيل الخزانات في المدن والقرى الذي يتجه الى نهر الفرات:
تقوم مغاسل السيارات بغسيل خزانات النفط الملوثة، فتنتقل مخلفات الغسيل إلى نهر الفرات عبر الصرف الصحي أو إلى جوف الأرض من خلال الحفر الفنية التي تستخدم لاستيعاب مياه الصرف الصحي.
- التلوث الناتج عن انسكاب النفط الخام على الأرض:
يلوث انسكاب كميات كبيرة من النفط التربة المعرضة لمياه الأمطار، وحين تتشكل الفيضانات تجرف هذه التربة الملوثة الى نهر الفرات عن طريق الاودية التي تصب فيه.
- التلوث الناتج عن انسكاب المحروقات التي تباع في شوارع المدن والقرى:
لا تخضع محلات بيع الوقود في المدن والقرى لأي معايير، لذلك يسبب انسكاب الوقود على الأرض تلوثا ينتقل إلى المناطق الزراعية مباشرة، ويتسبب بتلف بالغ للتربة، وللصحة بشكل عام عبر تلوث المنتجات الزراعية.
انتشار غاز ثاني أكسيد الكبريت السام في بعض حقول النفط:
ينتج الكثير من آبار النفط في دير الزور غاز ثاني أكسيد الكبريت السام، وبمستويات عالية، وهو غاز سام ومميت عند تعديه تركيزا معينا في الهواء المستنشق، كما أن كشفه غير ممكن إلا عن طريق أجهزة كشف الغاز والتي لا يمتلكها العاملون في قطاع النفط الآن.
- التلوث الإشعاعي المنتشر في عدة حقول نفطية:
يحوي الكثير من آبار النفط في سوريا، نسبة عالية من الإشعاعات، وهو أمر ثابت تماما، ومعروف للمطلعين منذ سنوات، لكن العاملين في النفط الآن ﻻ يرتدون أي ألبسة تقيهم تلك الإشعاعات، التي تصل، مع مرور الزمن، إلى مستويات مسرطنة.
النتائج السلبية للتلوث النفطي:
- النتائج السلبية للتلوث النفطي على الانسان:
يحمل الدخان الكثيف للنفط المحروق موادا هيدروكربونية لها أثر شديد الضرر على الصحة العامة، وتسبب أمراضا في الجهاز التنفسي والهضمي، علاوة على السرطانات. كما تسبب الولادة المبكرة والإجهاض والعيوب الخلقية لدى حديثي الولادة، والأمراض كالطفح الجلدي ومشاكل في الذاكرة والصداع والخمول وضعف المناعة.
كما يتسبب تسرب المواد النفطية الى نهر الفرات والمياه الجوفية بتلوث المياه التي يشرب منها الإنسان والحيوان ما يؤدي إلى اﻹصابة بالأمراض التي تصل الى مستوى السرطان في كثير من الحالات.
كما تتضرر المزروعات المروية بمياه نهر الفرات الملوثة بشكل مباشر، وقد يتسبب تناولها بالكثير من الأمراض للسكان وخاصة في البيئة الريفية، حيث لا تُغسل الخضار قبل تناولها في كثير من الأحيان، بسبب تدهور مستويات الوعي الصحي بين السكان وخاصة الأطفال.
- النتائج السلبية على الحيوانات:
تعتبر الثروة الحيوانية من أهم سبل العيش في المنطقة، وفي ظل التلوث الحاصل فإن تلك الحيوانات تتضرر بنفس القدر الذي يتضرر منه الانسان، أو اكثر؛ إذ تلوث مياه الامطار والري الملوثة المراعي التي ترعاها الماشية في المنطقة بالإضافة الى تضرر الثروة السمكية في نهر الفرات.
- النتائج السلبية على التربة:
يحتوي النفط الخام على عدد كبير من المركبات الضارة، التي تؤدي جميعها إلى تلويث الأرض والمياه، وتكون على شكل ملوثات نفطية عضوية سامة، أو ملوثات نفطية غير عضوية سامة، وتضم العديد من المركبات الخطرة والتي تعمل على تدمير كافة أنواع الأتربة، ومنها التربة الزراعية الخصبة، وتحولها إلى تربة عقيمة لا نفع منها.
مقترحات:
– توفير المصافي النفطية الملائمة وأماكن العمل المتوافقة مع معايير الصحة والسلامة وحماية البيئة وإيقاف عمليات التكرير العشوائي.
– حصر تسويق المشتقات النفطية بمحطات الوقود التي تحتوي على خزانات محكمة اﻹغلاق ومنع عمليات البيع العشوائي. استعادة السيطرة على الآبار التي تضخ النفط بشكل مفرط في العراء والخزانات الترابية.
– معالجة التربة الملوثة وفق معايير حماية البيئة وترحيل جميع التربة الملوثة في أماكن تواجد الحراقات.
– توفير محطات لتنقية مياه الشرب لكامل وادي الفرات، وإعادة تأهيل المحطات الموجودة، وتوسيع شبكة المياه لتشمل التوسع العمراني والتزايد السكاني.