ريهام منصور/ نقلاً عن المدن
أخذت الاحتجاجات على “قوات سوريا الديموقراطية” و”إدارتها الذاتية” المهيمنة على الجزيرة السورية بالاتساع. وبدأت شعارات المتظاهرين تصبح أكثر مباشرة وحدّة، بل وإنذاراً، لتبلغ حد مطالبة القوات الاميركية المتواجدة في المنطقة بالتحرك لوضع حد لتسلط كوادر “العمال الكردستاني” قبل فوات الأوان.
مطالب معيشية
مظاهرات ديرالزور اندلعت أولاً في ريفها الغربي، حيث تمر يومياً عشرات الصهاريج المحملة بالنفط إلى مناطق النظام مروراً بالرقة. وقطع المحتجون الطريق على قوافل النفط في بلدات الجنينة والحصان وسفيرة، ورفعوا شعارات تطالب بتوفير المحروقات وخفض أثمانها، أسوة ببقية مناطق سيطرة “قسد”.
ناشط سياسي في المنطقة، قال لـ”المدن”: “يُستخرج النفط من آبار ديرالزور، وتتم تصفيته بطرق بدائية مدمرة لصحة الاهالي والبيئة الطبيعية، ليباع ليتر المازوت في المنطقة بـ120 ليرة، بينما ينقل إلى القامشلي وعامودا وغيرها من البلدات الكردية ليباع فيها بـ50 ليرة، هذا أمر عجيب بالفعل ويذكرنا بالقرداحة وامتيازاتها”.
مطالب سياسية حادة
المظاهرات اتسعت لتشمل ريف ديرالزور الشمالي أيضاً، وتزامنت مع إضراب في بعض البلدات مثل الصور والبصيرة. واتسعت المطالب لتشمل رفض سلطة “الكوادر”، وهم أعضاء أكراد من حزب “العمال الكردستاني” حاربوا أو تدربوا في جبل قنديل، ولهم الكلمة العليا، سواء في قيادة “قسد” أو استخباراتها، أو في الإدارات المدنية المرتبطة بها.
المتظاهرون هتفوا “الشعب يريد خروج قنديل”، و”لا للاحتلال الكردي”، و”باسم الديموقراطية باكونا (سرقونا) الحرامية”. وانتشرت في مواقع التواصل صور ومقاطع مصورة للمظاهرات، وتظهر فيها لافتات كتب عليها شعارات من قبيل: “نحن تحت مظلة الولايات المتحدة، يسقط الاحتلال الكردي”، “لا للوجود الروسي، الموت لإيران، لا للغلاء”.
رفع العلم الأميركي
تلك المظاهرات لم ترفع سوى العلم الأميركي. وقال ناشط ممن شاركوا بالتحضير لهذه المظاهرة لـ”المدن”: “رفع هذا العلم له غايتين: الأولى هي الرد على مزاعم نظام الأسد وايران وروسيا، التي حاولت عبر إعلامها استغلال الحدث للقول إنها وراءه، أو تجييره لصالحها، فالسكان في المنطقة يعرفون أن الوجود الأميركي هو الضمانة الوحيدة لعدم انقضاض ملشيات النظام وإيران عليهم”.
ومن ناحية أخرى، “يريد المتظاهرون تحميل الإدارة الاميركية مسؤولية ممارسات كوادر حزب العمال الكردستاني القادمين من قنديل، والذين يستثمرون الغطاء الاميركي، لفرض نوع آخر من الاحتلال والقمع والنهب الذي لا يقل سوءاً عما يمكن أن تفعله المليشيات الايرانية وتلك التابعة لنظام الأسد”. وأضاف الناشط: “كل ما نطلبه من الأصدقاء الأميركيين، هو أن لا نُحمى من ذئب لنسلم لأنياب ذئب آخر، نريد أن نحكم أنفسنا بأنفسنا، وليس عبر أصحاب مشاريع لا تمت لنا بصلة”.
العرب والأكراد
ناشطان حاورتهما “المدن”، قالا إن ديرالزور التي تخلو من أي وجود كردي سابق أو لاحق، وتعد كبرى محافظات شرق سوريا، والأغنى نفطياً وزراعياً، يديرها اليوم “الكوادر” اللذين لا يتكلمون العربية، ويضعون واجهات عربية لهم هنا وهناك. ويريد الناس أن تجرى انتخابات ليختار السكان من يمثلهم ومن يتولى الإدارات المدنية في مناطقهم.
الناشطان أوضحا أيضاً أن لا احد من السكان يمكنه ان يتساءل عن إنتاج أو مصير كميات النفط الهائلة التي تستخرج من المنطقة، وهي ثروات من حق السكان، والواضح انها تنهب لصالح “العمال الكردستاني” ومنتسبيه، الذين يتم تأهيلهم على أعلى المستويات، فيما يتم سحق المجتمع وإعادته إلى مواقع أكثر تخلفاً.
وتعامل سلطة “الكوادر” السكان كما لو أنهم في زمن نظام الأسد أو داعش، وهذا ما لن يرضوا به. الأسوأ في نظر الناشطين، كان إرسال “قسد” جنوداً في محاولة لتفريق المظاهرات، وفتح الطرقات لصهاريج النفط، واشتباكها مع المتظاهرين السلميين. تساءل أحدهما: “هل تعلم قسد ماذا سيعني أن يحدث انفصال بينها وبين المجتمع المحلي!؟”.
أصابع نظام الأسد وايران؟
لم تردّ الإدارة الذاتية أو “قسد”، حتى عبر الاعلام على هذه الاحتجاجات. لكن الردود جاءت من حسابات لنشطاء ومعلقين مرتبطين بها، تهجموا على المتظاهرين واتهموهم بـ”الدعشنة” والنعرة الشوفينية العربية، و”العمالة” لنظام الأسد وايران، و”الأصابع البعثية” التي تمتد لتخريب “مكتسبات الشعوب الديمقراطية”. الأمر الذي واجهه نشطاء على الجانب الآخر بالسخرية، والتساؤل عمن يحتضن مقرات الأسد في الحسكة والقامشلي، ومن يورد النفط لنظام الأسد، ومن يتفاوض معه، في إشارة لـ”وحدات الحماية” الكردية، وعمن يمارس القمع والفساد تحت شعار الديموقراطية.
لا حلول في الأفق
منذ نهاية معركة الباغوز، وإعلان “قسد” النصر تحت صور مؤسس “العمال الكردستاني” عبدالله اوجلان، الذي طافت قوافل “قسد” بصوره في المناطق العربية، بدأت علائم الصدع العربي-الكردي بالظهور. الفصائل العربية المسلحة في صفوف “قسد” طُردت من معسكر الباغوز ما أن تمت السيطرة عليه، بعدما كانت رأس الحربة بالهجوم. واستنكفت تلك الفصائل عن مؤازرة الأكراد عندما شن عناصر “داعش” متخفين في الانفاق هجوماً معاكساً بعد أيام من اعلان التحرير.
ومع تقدم الترتيبات المدنية والعسكرية والأمنية في ديرالزور، على غرار ما حدث في الرقة، بدأت الخلافات تتضح أكثر فأكثر. فالعرب على الأقل يريدون أن يتولوا إدارة مناطقهم عبر أشخاص منتخبين، لا عبر أشخاص تعيّنهم “قسد” وفق معايير الولاء الخاصة بها. وهو ما لا يبدو أن السلطة الكردية الغامضة، مستعدة للقبول بها، لما يمثله ذلك من خطر عليها، لا في ديرالزور فحسب، بل في معظم مناطق سيطرتها الحالية، التي ستواجه فيها تحدياً جدياً بالشرعية لو تم اللجوء إلى الانتخابات.