وسيبقى الاقليم تحت مظلة “قسد” سياسياً، وستمثله في أي عملية تفاوضية مقبلة. وسبب هذا الانفصال او الاستقلالية، هو عدم تحمس أكراد سوريا لخوض معركة مع الإيرانيين هناك، ولديهم تحفظات تكفي لعدم استفزاز طهران، التي تمتلك مع نظام الأسد أوراق ضغط كافية في الجزيرة السورية. هذا عدا عن العلاقة الوطيدة التي تجمع قيادة حزب “العمال الكردستاني” في قنديل مع نظام الملالي، وعمادها العداء لتركيا. وهذا ما يمنع الفرع السوري من “العمال الكردستاني”؛ “الإتحاد الديموقراطي” من القيام بأعمال مناهضة لإيران في سوريا. وقد فضل “الاتحاد الديموقراطي” أن يتخلى عن قيادة إقليم ديرالزور، بما يمثله من ثروات وأوراق قوة سياسية، مقابل عدم خوض غمار صراع إقليمي دولي مع إيران.
الموقف الأميركي
وحملت المستشارة بشدة على سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، المتساهلة مع ايران، والتي اهملت حلفاء واشنطن، وأعربت عن استيائها الشديد من موقف الحكومة العراقية في القمة العربية الأخيرة، إذ سجّلت بغداد تحفظها على البيان الذي أدان النظام الايراني، وبوصفه سبب حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
خطة بولتون؛ “باء”
هذا التوجه الاميركي ليس بالجديد، فقد تداول ساسة ومحللون أميركيون منذ مدة، ما يشير إلى وجود خطة أميركية بديلة في حال لم تستجب روسيا والحكومة العراقية لطلبات الإدارة الاميركية بالحد من نشاطات ايران التوسعية “المهددة” للاستقرار في المنطقة. وأشاروا إلى حماسة مستشار الأمن القومي الاميركي للخطة “باء”. ومنحت الإدارة فرصة للمسارات السياسية والديبلوماسية الأقل كلفة، والتي اصطلح على تسميتها بالخطة “ألف”، وهي التي لم يحالفها النجاح على ما يبدو، بدلالة التوتر الحاصل على جانبي الخليج العربي وفي مياهه، وبجوار اسرائيل في كل من لبنان وسوريا، كما بالموقف العراقي في قمة مكة الأخيرة.
هل ينجح التحالف مع العرب؟
تعتبر محافظة ديرالزور عاصمة شمال شرق سوريا، سكانياً وثقافياً واجتماعياً. وعلاوة عن كونها الحاضرة الأكبر، وثاني المحافظات السورية مساحة، فهي خزان سوريا النفطي، بأكثر من ثلث احتياطي البلاد النفطي. وتعد المحافظة الثانية من ناحية الإنتاج الزراعي نظرا لعبور نهر الفرات فيها. وتمتلك المحافظة اطول خط حدودي مع العراق، وفيها معبر البوكمال/القائم، الذي تم تداوله مؤخراً بوصفه همزة وصل بين النفوذ الايراني في العراق وفي سوريا.
وكل قبيلة عربية في ديرالزور مشطورة إلى قسمين؛ يقطن الاول في شرقي الفرات المسيطر عليه اميركياً، فيما يقطن القسم الآخر غربه المسيطر عليه ايرانياً. ويدور صراع حاد لاستقطاب كل منهما للشطر الآخر وتوظيفه. والمحافظة هي مقر القوات الاميركية في شرقي الفرات، حيث تتسع وتعزز قاعدة حقل العمر النفطي الاميركية بشكل كبير، وبات فيها مطار عسكري متوسط الحجم. بينما تركز ايران على مدن المحافظة الكبيرة الواقعة تحت سيطرتها؛ ديرالزور والميادين والبوكمال، وبدأت بعملية اختراع للمزارات الشيعية، مثل عين علي قرب القورية، التي أصبحت وجهة جديدة للحجيج الايراني، ومركزاً للتشيع الجديد، في اطار خطة التمدد والتجنيد.
الكاتب السوري عبدالناصر العايد، وهو احد أبناء تلك المنطقة، يقول لـ”المدن”، إن كل “الشروط متوفرة لفتح معركة كبيرة ضد ايران في تلك المنطقة، فالسكان المحليون المناوئون لنظام الأسد بالمطلق، يعتبرون أن بقاء النظام إلى اليوم ما كان ممكناً لولا التدخل الايراني، وأن ايران مسؤولة عما لا يقل عن نصف المقتلة السورية، وبإيدٍ واسلحة إيرانية مباشرة، هذا ناهيك عن الخلاف القومي العربي الفارسي، والحساسية الشديدة لنشاطات ايران التبشيرية في منطقة سنية بالمطلق”.
ويشير العايد إلى ضعف وهشاشة النخبة التي يمكن أن تقود صراعاً اقليمياً ودولياً في تلك المنطقة، “فمعظم كوادر تلك المحافظة قد نزحت عنها في مراحل سابقة، سواء عند مواجهة نظام الاسد، أو عندما بسطت داعش سيطرتها عليها لمدة أربع سنوات، أو حتى عندما استعادتها قسد من داعش، فالأخيرة لم تتردد أيضاً في منع القيادات العسكرية والسياسية في المنطقة من العودة إليها، واوكلت أمر الإدارة الخدمية وحسب إلى بعض أبناء تلك المنطقة، فيما هيمنت كوادرها، وجلها مجلوب من قنديل، على القرار في المحافظة”. وتحتاج الاستراتيجية الجديدة إلى ترتيبات سياسية واجتماعية معينة، وفق تصوره لتصبح ممكنة التحقق.
الجانب العراقي السني
العايد أشار إلى وجود مسعى أميركي لاستقطاب وتسليح القبائل العربية السنية في غرب العراق وشماله، للغاية ذاتها، موضحاً أن قاعدة “عين الأسد” التي باتت اشبه بجزء سيادي أميركي في العراق تتصرف على نحو انفرادي، أمام عجز الحكومة العراقية الموالية لطهران. القوات الاميركية هناك، هي الدعامة الأقوى في الحرب على “داعش”، وسيكون رحيلها أو التلويح به هو إشارة البدء لنهوض الجهاديين مجدداً في غرب العراق العراق وشماله، ووصولهم لاحقاً إلى مشارف بغداد.
وأشار العايد إلى أن قاعد حقل العمر يتم تطويرها بوتيرة متسارعة لتصبح النظير السوري لقاعدة عين الأسد العراقية، التي زارها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في وقت سابق، دون اخطار القيادة العراقية.
فرصة للخطة “أ”؟
مراسل “المدن” محمد الخلف، أشار إلى مغادرة مليشيات عراقية لمدينة البوكمال، الجمعة، على نحو مفاجئ. وقد يكون هذا الانسحاب احد نتائج الضغط الاميركي على الحكومة العراقية، لكنه من ناحية أخرى، قد يكون في اطار استجابة تدريجية من ايران وحلفائها، للخطة الاميركية “أ” القائلة بانسحاب ايران بطرق “سلمية” من سوريا على وجه الخصوص، مع الحفاظ على بعض مصالحها السياسية والاقتصادية هناك، وإلا فإنها ستضطر لخوض حرب مكلفة، متعددة الرؤوس والجبهات.