جسر: متابعات:
أكد موقع “ديلي بيست” الأمريكي، في تقرير نشره، أن ملاحقة رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، تقف خلفه أسماء زوجة رأس النظام التي أصبحت القوة الحقيقية وراء عرش زوجها.
وأشار الموقع في تقرير لجيرمي هودج بعنوان “سيرسي لانيستر السورية عادت وتريد انتقاما حقيقيا فهي الديكتاتور الحقيقي”، ترجمه موقع “عربي21″، إلى التحولات التي حدثت على أسماء الأسد التي اعتبرت يوما ما “زهرة الصحراء” حسب مجلة “فوغ”.
وقارب الموقع، شخصية أسماء، بسيرسي، في إشارة إلى شخصية سيرسي بمسلسل لعبة العروش، والتي كانت وراء القوة الشريرة.
وأشار إلى أن مزادا للفن الحديث عقدته “دار سوذبي” في لندن، حيث بيعت فيه لوحة للفنان البريطاني ديفيد هوكني “البقع” بمبلغ 23.1 مليون جنيه استرليني، فيما كشفت الأخبار لاحقا أن المشتري الغامض هو ديفيد غيفين الذي باع بيته في بيفرلي هيلز للميلياردير جيف بيزوس بمبلغ 165 مليار دولار.
ما علاقة هذه بقصص سوريا التي دمرتها الحرب؟
ولفت التقرير إلى أن الأسد اشترى اللوحة هدية لزوجته أسماء الأسد. ولا يستبعد قيامه بعمل أناني وسط الحرب.
وأعاد الموقع، الحديث عن مقال “فوغ” قبل تسعة أعوام (وقد حذف من موقع المجلة لاحقا)، فقد تم تصويرها هي وزوجها كشابين (46 و36 عاما) حيويين وقوة ممكنة للإصلاح بين ديكتاتوريات وملكيات العالم العربي، فقد كانت جذابة ومتعلمة في داخل عائلتها في لندن. وكان من السهل تخيل قدرتها على الحد من نزعات زوجها الديكتاتورية ثم حرف بلادها نحو الإنفتاح، ولديهما أولاد جذابون وتعمل في خدمة قضايا إنسانية مع منظمات غير حكومية.
ونوه إلى أنه لو كانت أسماء الأسد، تنفق على الحلي والمجوهرات والملابس لما اهتم أحد خارج حدود سوريا، وكذا مجلة فوغ التي نشرت صورة مفصلة وإيجابية عنها.
ويأتي ذلك قبل أن يتعامل بشار الأسد مع المتظاهرين بوحشية قادت إلى حرب أهلية قتل فيها أكثر من نصف مليون شخص، وهجرت نصف السكان، وأدت إلى أكبر أزمة لجوء في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وساعدت على ولادة تنظيم الدولة.
وأضاف الموقع أن هناك نوعًا من التشكك داخل سوريا من حالة التملق الدولية مع السيدة الأولى التي تعرضت للاننقاد حتى قبل الحرب بأنها منفصلة عن حياة الناس العاديين، وكان واضحا لكل من تجرأ على النظر إلى أن النظام الذي يقوده زوجها صمم لخدمة مجموعة صغيرة من النخبة، ولم تكن أسماء والحالة هذه نموذجا بل ومشكلة، وبهذه الطريقة نظرت والدة بشار أنيسة مخلوف للأمر، فقد نشأت مع زوجها في مناخ متواضع ضمن عائلة تنتمي لطائفة علوية تتهم بالزندقة، حتى عندما استطاع زوجها ضابط الطيران السيطرة على السلطة في سوريا عام 1970.
أنيسة قوة حقيقية بعد وفاة زوجها
ونوه إلى أنه بعد وفاة حافظ الأسد، وصعود نجله بشار إلى السلطة، تحولت أنيسة للقوة الحقيقية وراء السلطة، وحاولت منع زوجته اللندنية من الوصول إلى مفاصل السلطة لأنها لم تكن تثق بها أو تحبها في الوقت ذاته. إلا أن أنيسة ماتت عن عمر يناهز الـ 86 عاما في 2016، ومنذ ذلك الوقت نظر إلى أسماء “44 عاما” الآن، بالقوة الصاعدة، وبنت قاعدة قوة لها ولعائلتها المباشرة مستقلة عن العائلات العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
وأضاف أن البعض في الغرب كان يعتقد أن أسماء تستطيع ضبط رأسمالية المحسوبية في سوريا والصفقات غير الشرعية، لكنها أثبتت ذكاءها وقدرتها على التحرك في متاهة البلد من الجماعات المتنافسة وتجييرها لمنفعتها.
العلاقة بين أنيسة وأسماء
ورأى أن عدم استلطاف أنيسة مخلوف لزوجة ابنها نبع من غياب الدعم الشعبي له وداخل طائفته والطبقة الحاكمة، فهو معروف بالوداعة ولم يكن يثير اهتمام من يراه، وعرف عنه فقدانه القدرة على النظر بشجاعة لمن أمامه، فلم يكن بشار مشروع رئيس قبل عام 1994، وكانت والدته تهيئ شقيقه باسل الذي توفي في حادث سيارة عام 1994، وظل بشار بعيدا عن الأضواء عندما جاء إلى لندن لدراسة طب العيون، حيث التقى أسماء.
هكذا أصبح بشار رئيساً
وأشار إلى برنامج بثته “بي بي سي” بشأن مدرس لغة إنكليزية أحضر لتعليم باسل، في لقائه الأول مع بشار وصفه بأنه شخصية غير مثيرة، وقال: “التقيت به مرة في البيت ولم ينظر إلي، وكان ينظر للأسفل إلى يدي.. وأتذكر عندما فكرت في تلك اللحظة أن والده كان موفقا في اختياره باسل كخليفة”.
وتابع الموقع، أنه بعد وفاة باسل كان هناك ماهر الذي لم يكن خيارا جيدا نظرا لعناده ونزعته للعنف، ومجد الذي كان مدمنا على المخدرات ولديه مشاكل نفسية، ولهذا كان بشار الخيار أمام أم غاضبة وغير راضية.
وأضاف أن أنيسة بعد وفاة زوجها، حاولت تقوية أبناء العائلة حول ابنها الذي انتخب رئيسا، ومنح أخيه ماهر قيادة الحرس الجمهوري والفرقة المدرعة 42 والتي سيطرت على أرباح البترول المستخرج من شرق البلاد في دير الزور. وتمت تقوية شقيق أنيسة محمدا وأبناءه حافظ وإياد ورامي وزاد تأثيرهم بعد عام 2000.
رامي مخلوف قوة متصاعدة منذ عام 2000
وأشار إلى أنه في عام 2000، أنشأ رامي شركة الإتصالات “سيرياتيل” التي كانت واحدة من شركتي اتصالات في البلاد، وتطورت لتسيطر على نسبة 70بالمئة من اقتصاد البلاد، كما استطاع مخلوف ووالده بناء إمبراطورية اقتصادية قدرت قيمتها بخمسة مليارات دولار، فيما مارس إياد وحافظ تأثيرا داخل الأجهزة الأمنية.
ولفت الموقع إلى أن أسماء بقيت مع كافة هذه التطورات على الهامش، ونقل عن الصحفي المعارض إياد عيسى قوله، إنه “قبل الثورة لم يكن الرقيب يسمح لنا بالإشارة إلى أسماء بالسيدة الأولى ولم يسمح لنا بوصف أسماء كزوجة الرئيس” على خلاف أنيسة التي كانت توصف بالسيدة الأولى أثناء حكم حافظ الأسد.
صراع القوى داخل النظام
وأضاف أن التنافسات بدأت تتطور مع مرور الوقت، فقد رأى ماهر الأسد خاله محمد مخلوف الذي كان يترأس الشركة السورية لنفط الفرات تهديدا له ولسيطرته المطلقة على مصادر دير الزور، ثم طورت عائلة مخلوف علاقات قوية مع الحزب القومي السوري الذي أنشئ عام 1932. وكان هذا الحزب منافسا في بعض الأحيان وحليفا في أخرى لحزب البعث العربي الحاكم الذي سيطر على السلطة أول مرة في سوريا عام 1963. ولكن الحزب القومي لديه قاعدة دعم داخل الطائفة العلوية خاصة بلدة آل مخلوف بستان الباشا.
وأوضح أن غالبية السنة دعمت لاحقا الإخوان المسلمين وجماعات إسلامية أخرى، تحرك الأسد لسحقها لاحقا. وجذب حزبا البعث والقومي السوري الطوائف المسيحية والعلوية.
ولفت إلى أن مخلوف تحرك خلال العقد الأول من القرن الحالي لتوطيد صلاته مع الحزب القومي السوري، في محاولة لبناء قاعدة دعم له خارج الحزب الحاكم بحيث صار يطلق اسمه على الحزب، وبعد الثورة عام 2011 أصبح كادر الحزب أساسا للميليشيا المسلحة الموالية لعائلة مخلوف.
وأفاد الموقع بأنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم تكن أسماء التي تنتمي لعائلة تجار تعود جذورها إلى حمص ودمشق لاعبا مهما. وفي رسائل الكترونية تم تسريبها وصفت نفسها “أنا ديكتاتور حقيقي”، ولكنها لم تتحرك لتصبح قوة يحسب لها حساب، وتقرب عائلتها إلا بعد وفاة أنيسة حيث حانت الفرصة لها لمواجهة منافسيها في عائلة مخلوف خاصة رامي.
ورأى الموقع أن مركز الخلاف هو السيطرة على “سيرياتل”، التي تملك الدولة فيها حصة 50%. وفي 27 نيسان/ إبريل أعلنت شركة الإتصالات السورية وسلطة تنظيم البريد أن سيرياتل وشركة الإتصالات الأخرى “أم تي أن” مدينتان للدولة بمبلغ 449.65 مليون دولار، وفيما أعلنت “أم تي أن” أنها ستدفع 172.9 مليون دولار، ظل رامي مخلوف رافضا، وأعلن أن الدولة لا حق لها في هذه الأموال واتهمها بالتراجع عن اتفاق تم توقيعه منذ سنين.
وأشار الموقع إلى أن تهديدات مخلوف، بنشر وثائق تؤكد عدم أحقية الدولة بأموال الشركة، في نظام معروف بمذابحه الجماعية، واللغة التي تحدث بها، كان أمرا مفاجئا. ولكنه لم يكن مدهشا لأن ما حدث هو جهد جماعي لأسماء وبشار وماهر لتجريد رامي من سلطاته.
ونوه إلى أن القصة بدأت في آب/أغسطس الماضي، عندما طلب الروس من النظام دفع قروض متأخرة 2-3 مليارات دولار. وتم وضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية لإجباره على دفع الفاتورة.
أسماء تسيطر على جمعيات مخلوف
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قام الموالون والعاملون في جمعيات أسماء بالسيطرة على جمعية البستان التي تعتبر مصدر تمويل كوادر الحزب القومي والميليشيا الموالية لرامي مخلوف، وأعلن في تشرين الأول/أكتوبر 2019 عن إنشاء أسماء شركة اتصالات ثالثة في سوريا بهدف الحصول على حصة من شركة سيرياتل. وأخيرا أعلنت وزارة المالية في 24 كانون الأول/ديسمبر و17 آذار/ مارس الماضيين عن تجميد حسابات شركة آبار للخدمات البترولية التي يملكها مخلوف، حيث استخدمت الأموال لاحقا لسد العجز في ميزانية الهيئة العامة للجمارك.
تصاعد نمو مقربي أسماء في السلطة
وأضاف أن استهداف أرصدة رامي جاء في وقت بدأ فيه تأثير المقربين من أسماء بالنمو، فبعد وفاة أنيسة مخلوف بفترة قصيرة أخذ أقارب أسماء بالسيطرة على جزء من قطاع الخدمات الأساسية، وجاء بعد إصدار البطاقات الذكية لشراء المواد الأساسية مثل الأرز والغاز والشاي والسكر وزيت الطعام. ومنح العقد لشركة “تكامل” التي يملكها أحد أشقاء أسماء وابن خالتها محمد الدباغ.
وأشار إلى أن تحقيقات كشفت أن الموارد المالية من البطاقات الذكية تم وضعها في حسابات تعود إلى مجلس “تكامل” الذي يديره أقارب أسماء. وفي الوقت الذي تم فيه تجميد حسابات رامي مخلوف قامت وزارة المالية بالإفراج عن حسابات عم أسماء، طريف الأخرس التي جمدت لأكثر من عام.
ولفت إلى أن طريف الذي كان يملك شركة شاحنات صغيرة قبل الحرب في حمص، استخدم صلات ابنة أخيه بالسلطة ووسعها، وبدأ بالمشاركة في شحن الطعام والبضائع عبر سوريا إلى العراق ضمن ما عرف ببرنامج النفط من أجل الطعام قبل الغزو الأمريكي عام 2003. وتوسعت تجارة الأخرس في ما بعد لتشمل الشحن البحري والبناء والعقارات واللحوم وقطاع التعليب. وهو وأقاربه سيجنون الآن الثمار.
وأفاد الموقع أن دخول أسماء القطاع الإقتصادي، جاء بعد معركتها الطويلة مع سرطان النهد، ومنذ ذلك الوقت واصلت إن لم تزد من ظهورها في العام، ووثقت عمل جمعياتها في كل أنحاء سوريا، مصممة على تحضير أبنائها مستخدمة قوتها الجديدة لأخذ مكانهم داخل عائلة الأسد التي تحكم سوريا منذ 50 عاما، وعادة ما يرافق حافظ وكريم وزين والدتهم في جولاتها على المستشفيات لزيارة الجرحى وافتتاح المدارس الجديدة للموهوبين، فيما بدا الحديث في وسائل إعلام النظام حول قدرات الابن حافظ “18 عاما” لخلافة والده، وبدأ يجري جولات لزيارة مواقع البناء ومناطق أخرى أسوة بوالدته.
وختم الموقع، بأن الروس الذين أنقذوا بشار، باتوا قلقين من فساد نظامه والتأثير الإيراني، وربما ظنت أسماء أنهم منفتحون على وجوه جديدة وإن بنفس الإسم.