نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا للمعلق ديفيد غاردنر، ناقش فيه اقتراب انتهاء الخلافة، وهل ذلك سيؤدي إلى القضاء على الجهادية.
ومع اقتراب انتهاء معركة الباغوز ستخسر داعش آخر معاقلها في سورية، إلا أن كاتب المقال يؤكد أن الناجين من الجهاديين اختفوا في المناطق الخالية وعادوا لهجماتهم وعملياتهم الانتحارية.
ويفيد غاردنر بأن الهدف الرئيسي للسلطات الأمنية الأوروبية هو منع موجة جديدة من الهجمات الإرهابية، بالطريقة ذاتها التي شهدتها باريس وبرلين ونيس وبروكسل ولندن ومانشستر وأنقرة وإسطنبول.
ويقول الكاتب إن “الوقت قد حان لتعيد الدول الغربية النظر في سياستها الخارجية التي ولدت الجهادية فلن يمضي الوقت قبل أن تظهر سلالة ضارية لو استمر الغرب في نهب الشرق الأوسط، فأول موجة للجهادية الحديثة ظهرت في نهاية الحرب الباردة، وكان الغرب قوة مساعدة لها، فقد دعمت الولايات المتحدة حركة المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ما ساعد أسامة بن لادن على وضع الأسس لتنظيم القاعدة وحربه غير المقدسة وهجمات ١١ أيلول لكن التخبط الغربي في هذا القرن كان مذهلا ودون مبرر الحرب الباردة”.
واعتبر غاردنر أن غزو العراق الذي روجت له أمريكا وريطانيا بطرق كاذبة، هو أكثر الأمثلة إثارة للدهشة، فالدمار الذي حل بالبلاد التي ركعت بسبب الحروب والعقوبات والطغيان، لم يتسبب بالصدمة والترويع مثلما كشفت الحرب الأمريكية التي لا ترحم عن حدود السلطة الأمريكية.
ويعزو غاردنر ظهور الحركات الجهادية السنية في العراق إلى الغزو الامريكي الذي فكك المنطقة ودفع الشيعة الى السلطة الذين استبدوا بها مع من يعاونهم من الميليشات الايرانية التي هي المستفيدة الأولى من الحرب.
ويعلق الكاتب قائلا إن “الكثير من هذا تم توقعه لأن الحرب في العراق كانت عملية متهورة في لعبة النرد الإقليمي، وتم إنقاذ جزء من الشرف الأمريكي في عملية زيادة عدد الجنود عام 2007 – 2009، حيث قامت الولايات المتحدة بالتحالف مع جماعات الصحوة بقمع فرع تنظيم القاعدة في العراق، الذي سبق تنظيم الدولة، والذي خرج من رماد الحرب في سوريا وعاد للعراق وأعلن فيه خلافة ألغت الحدود بين البلدين عام 2014”.
ويرى غاردنر أن “مستقبل المنطقة أصبح رهن حروب بالوكالة التي تدعمها إيران الشيعية والسعودية السنية، والمواجهة بين إيران وإسرائيل، التي زاد من خطرها الرئيس دونالد ترامب”.
ويقول غاردنر “يجب أن نتذكر أن الجهاديين استطاعوا عمل هذا بأقل من عشر ما يتوفر لديهم الآن، وبدؤوا هجماتهم على الأنبار ونينوى في غرب العراق ووسطه، وهي المنطقة التي ظهروا منها عام ٢٠٠٣، وتجمعوا فيها مرة أخرى عام ٢٠١٤”.
ويرى الكاتب أن “هذا لم يحدث بشكل عشوائي، أو بسبب طبيعة المنطقة الخاصة، لكنه كان نتيجة للسياسات الغربية أو غيابها، كما في حالة سوريا، التي تستمر فيها الحرب القاسية منذ ثمانية أعوام”.
وتنقل الصحيفة عن الدبلوماسي الأمريكي البارز ويليام بيرنز، الذي ساعد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في التوصل لاتفاق نووي مع إيران عام ٢٠١٥، قوله إن بيت أوباما الأبيض “زاوج بطريقة منتظمة النتائج القصوى بالوسائل الدنيا”، وكان يقصد في هذا فشل أوباما في تطبيق تعهده عام ٢٠١٣ لمعاقبة نظام الرئيس بشار الأسد بعد استخدامه غاز السارين ضد المدنيين في مناطق المعارضة، حيث كانت هناك فجوة كبيرة بين ما وضعه أوباما وما قام به.
ويقول غاردنر إن “الولايات المتحدة وأوروبا صفقت للمعارضة السنية ضد نظام الأسد، من خلال خليط جمع ما بين الانتهازية والتردد، فوعدوها دون تزويدها بالوسائل التي تساعدها على الإطاحة به، وبدلا من ذلك ترك الغرب وأمريكا مهمة التعهدات والتزويد لحلفائهم، مثل السعودية، ما أدى إلى ميل المعارضة نحو التطرف الإسلامي”.
ويعلق الكاتب قائلا إن “هذا كان متوقعا؛ لأنه ساعد إلى تحويل سوريا إلى منطقة جذب للمتطرفين، وفي الوقت الذي تضايق فيه أوباما من العراق وأفغانستان، فإن سوريا تحولت إلى نسخة عن الساحتين، والثرثرة كلها في واشنطن عن تجنب التداعيات غير المقصودة لم تكن شيئا على الأقل للمعارضة السنية التي تشعر أنها تعرضت للخيانة”.
ويبين غاردنر أن “ترامب يريد اليوم الإعلان عن النصر ومغادرة سوريا، فالتدخلات الغربية المتهورة لم تنجح، ولا الانسحاب الذي تم بطريقة غير مدروسة، كما في العراق وليبيا، وهنا في الحقيقة خيارات صعبة، فالتدخل دون الالتزام بإعادة البناء، مثل العراق وليبيا، لم ينجح، لكن في سوريا تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بلعبة خطيرة، فهي تفكر بإعادة البناء مع بقاء الأسد في السلطة”.
واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى ما قام به نظام الأسد في مدينة درعا التي شهدت ولادة الثورة قبل ثمانية أعوام، حيث نصب تمثالا برونزيا لوالده حافظ الأسد مكان ذلك الذي دمره الناشطون، و”هذا يعكس بالضرورة موقف النظام من إعادة الإعمار، وهو الهيمنة الكاملة لعائلة الأسد، وهذه هدية أخرى للجهاديين”.