جسر: متابعات:
في السنة العاشرة من الحرب، يبدو أن لدى السوريين موضوعاً جديدًا يشغلهم بعيداً عن الصراع الدائر، بما في ذلك إدلب وملايين اللاجئين الممنوعين من العودة إلى منازلهم، أو خطر انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد.
وفق صحيفة “لوموند” الفرنسية، ذهل السوريون، بعدما اعتقدوا أنهم رأوا حتى الآن كل شيء فيما يتعلق بفساد قادتهم، عندما كشفت صحيفة روسية أن الرئيس بشار الأسد أهدى زوجته أسماء لوحة لديفيد هوكني، “سبلاش”، تبلغ قيمتها أكثر من 27 مليون يورو.
وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن أهم ما في هذا الخبر، ليس حقيقة شراء الديكتاتور السوري هذه اللوحة، بل أن هذه الفضيحة كشفتها وسيلة إعلامية قريبة من الكرملين، على خلفية تصفية حسابات بين بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أغنى رجل في سوريا، والذي كان أمس أحد أعمدة النظام، وأصبح الآن هدفاً لحملات “مكافحة الفساد”.
وتقول الصحيفة إن رامي مخلوف المستفيد الرئيسي من “التحرير” الاقتصادي الذي قاده بشار الأسد بعد أن خلف والده حافظ الأسد.
حيث بنى مخلوف إمبراطورية حقيقية، وتولى “عمليات خصخصة” الشركات المملوكة للدولة، واستثمر في بنوك “خاصة” جديدة، ومع شركة الاتصالات “سيريتل”، حاز مركزًا مهيمنًا في سوق الهواتف المحمولة.
وبثروة تقدر بمليارات الدولارات، يقدرها البعض من 3 إلى 7 مليارات وفقاً للمصادر، أصبح مخلوف الممول الأكبر للميليشيات الموالية للأسد، التي كان دورها في قمع الانتفاضة الشعبية عام 2011 حاسماً.
كما حرص مخلوف على دعم الأنشطة “الخيرية” التي قامت بها أسماء الأسد، زوجة “الطاغية” السوري، لا سيما من خلال جمعيته البستان.
تقسيم الغنائم
وقد أدى صعود المنتفعين الجدد بالحرب منذ عام 2018، إلى توترات ملموسة بشكل متزايد بين بشار الأسد وابن خاله الثري.
وأدت استعادة النظام لمعظم الأراضي السورية إلى إعادة تعريف تقسيم الغنائم في بلد مدمر، وهو ما يدفع مخلوف ثمنه بشكل واضح.
وقد زاد من حدة ذلك عودة أسماء الأسد إلى الأضواء في أغسطس 2019، التي شُفيت “تماماً” من سرطان الثدي، وسيطرت على مؤسسة “البستان” التي كانت تابعة لمخلوف، وكذلك فرضت سيطرتها على شركة “سيريتل” التي يملكها مخلوف.
وقال الكاتب الصحفي السوري، عبد الوهاب بدرخان، إن “هناك خلاف بين الأسد ومخلوف يمكن قراءته بأن هناك العديد من الأشخاص كونوا ثروات قبل وخلال الأزمة السورية، بتسهيلات من دوائر النظام، لكن النظام حاليا لديه حاجة إلى أموال لكي يدير الدولة أو العمليات العسكرية وغيرها”.
وهناك تنافس بين أطراف النظام بمن فيهم الأسد ومخلوف ووالده محمد، على بعض الموارد التي كان أهل مخلوف يسيطرون عليها بموافقة الأسد وهذه الموافقة ربما لم تعد واردة لأن النظام أمام ضائقة مالية، وفق بدرخان.
الخلاف العميق بين الأسد ومخلوف أدى إلى العديد من الإجراءات ضد الأخير، وكان أحدثها الحجز المالي.
ودفعت قرارات النظام السوري بحق مخلوف الأخير إلى الظهور في فيديو على هيئة “فاعل خير”، يناشد فيه ابن عمته بشار الأسد وسط قرارات الحجز ومطالبات لشركاته بدفع مليارات الليرات كضرائب لخزينة الدولة.
وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن بعض أصول رامي مخلوف تحت الحراسة القضائية، وهناك متأخرات ضريبية كبيرة جدا مطلوبة، ولكن قبل كل شيء سقطت المحرمات من حصانة آل الأسد.
وفي الآونة الأخيرة، تم ضبط أربعة أطنان من الحشيش بمصر في شحنة حليب من شركة مخلوف، في حين تم ضبط أصول شركة أخرى، هي شركة “أبار بتروليوم”، التي تخضع بالفعل لعقوبات أميركية في عام 2018، ولكن هذه المرة من قبل نظام الأسد.
وتقول الصحيفة يدعي مخلوف، دون أن يكون مقنعاً حقاً، أنه استثمر في شركة آبار النفطية، دون أن يكون مرتبطاً بها قانوناً.
وقد تفاقمت هذه التوترات غير المسبوقة بين أبناء عمومة الأسد ومخلوف بسبب “كشف” محرج للغاية لبشار في وسائل الإعلام القريبة من الكرملين، بما في ذلك هدية بشار المفترضة لأسماء.
ويتأكد أن مثل هذه “المعلومات” تشكل انتقاماً لحملة مخلوف ضد مصالحه، ويذكر البعض بأن محمد وحافظ مخلوف، والد رامي وشقيقه، استقرا في موسكو (كان حافظ مخلوف حتى عام 2014 أحد رؤساء أجهزة الأمن السورية).
غضب روسي من ضعف الأسد
وترى الصحيفة أن عدم الارتياح أعمق، حيث لا تقتصر قدرة الأسد على إعادة بناء سوريا، بل وحتى على إدارتها بطريقة “طبيعية”.
ونشر ألكسندر أكسينوك، نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية على موقع المجلس تحليلًا صارمًا لنظام الأسد قائلا: “من الواضح بشكل متزايد أن النظام متردد أو غير قادر على تطوير أسلوب حكم يحد من الفساد والجريمة ويسمح بالانتقال من اقتصاد عسكري إلى علاقات اقتصادية طبيعية”.
والأخطر من ذلك هو نشر وكالة ريافان الروسية “استطلاع رأي” يُزعم أنه أجري في أبريل 2020 ويقول إن من بين ألف سوري. 71.3% من الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون الفساد المشكلة الرئيسية في البلاد، و53.1% سيصوتون ضد بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية لعام 2021، و70.2% يرغبون في “ظهور سياسيين جدد”.
وتستدرك الصحيفة أنه وبطبيعة الحال، لا قيمة لهذه الأرقام، ولا تخدم إلا كبالون اختبار لسياسة روسية محبطة بشكل متزايد بسبب عجز الأسد عن الخروج، ولو ظاهرياً، من منطق الحرب الأهلية الخالص.
وتعود الصحيفة إلى عام 1984، عندما تصادم حافظ الأسد وشقيقه رفعت، على الرغم من أنهما أنقذا نظامهما الذي كان مهدد بتمرد إسلامي، إلى جانب انتفاضة شعبية.
ولم يتجنب الشقيقان القتال في وسط دمشق إلا بفضل وساطة الاتحاد السوفياتي الذي أخرج رفعت من سوريا.
وترى الصحيفة أن الخلاف بين بشار الأسد ورامي مخلوف ليس له اليوم نفس البعد العسكري، لكنه يكشف، مرة أخرى، عن التناقضات التي تشكل “حالة الهمجية” التي يوجد عليها نظام الأسد.
وتختم الصحيفة تقريرها بالقول” الحرب التي شنها حافظ ثم بشار الأسد ضد شعبيهما هي في الواقع في صميم ديناميكيات قوتهم، بغض النظر عن المشاجرات التي تثير الآن العائلة الحاكمة”.
المصدر: موقع الحرة/ ١ أيار ٢٠٢٠