وعلمت “القدس العربي” من مصدر مطلع أن السبهان قدم مغريات مالية لشيوخ العشائر ووعدهم بدفع مبلغ خمسين مليون دولار لتنمية المناطق العربية على ضفة نهر الفرات اليسرى (الجزيرة) وأن المبلغ سيتم دفعه بصك غير مباشر للمجالس المحلية وإنما عبر برنامج إعادة الاستقرار في منطقة شرق نهر الفرات الذي تشرف عليه الخارجية الأمريكية. كما وعد بتقديم مبالغ مالية بشكل مباشر لشيوخ العشائر.
ويعتبر اللقاء الذي جمع نائب وزير الخارجية الأمريكية جويل رايبون بمشايخ القبائل العربية، الأول بين مسؤول أمريكي وشخصيات عشائرية عربية في مناطق نفوذها المباشرة وليس في دولة مجاورة. وهو ما يعطي انطباعاً بأن الإدارة الأمريكية الحالية باتت تنظر إلى العشائر العربية بجدية أكثر عن الأوقات السابقة.
وأضاف المصدر أن السبهان ركز على أهمية دور العشائر العربية في محاربة النفوذ الإيراني على الأرض والعمل من أجل توسعة نشاط القبائل ليطال منطقة “الشامية” أو منطقة غرب نهر الفرات وهي المناطق العشائرية التي تركز فيها نشاط إيران على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية” والممتدة من دير الزور إلى البوكمال على الحدود العراقية.
مع دخول السعودية وأمريكا على خط استقطاب العشائر هذا يمكن القول إن العشائر أصبحت ورقة نزاع بين المحاور الإقليمية والدولية المتنازعة. فإيران تنبهت باكرا إلى أهمية العشائر وخصوصا في منطقة ريف حلب الجنوبي وقرى منطقة الشامية الممتدة على سرير النهر الأيمن.
واقتصر دور أمريكا سابقا على دعم قوات سوريا الديمقراطية أثناء عمليات دمج الكتائب العربية في منطقة منبج في مجلس منبج العسكري وأيضا دعم تأسيس مجلس دير الزور العسكري الموحد الذي شكلته وحدات الحماية الكردية من خلال تعيين قائد عربي على رأسه في آذار (مارس) 2017. والذي تشكل قبل بدء معركة السيطرة على محافظة دير الزور وطرد آخر جيوب التنظيم في منطقة شرق نهر الفرات.
وكما هو متوقع فان هذا الصراع الذي بدأت نذره في مناطق عشيرة العقيدات وتحديدا في بلدة الشحيل، يعني أن عجلة الإنفلات الأمني قد بدأت وأن التحرك ضد الوحدات الكردية مستمر ولن يتوقف رغم كل محاولات امتصاص التوتر، ورغم انصياع قيادة الوحدات إلى منع اعتقال أي من أفراد القبائل العربية بدون موافقة من شيوخ العشائر، فإن تأجيل الصدام هو أمر مؤقت بين العشائر العربية والوحدات الكردية.
ومع ازدياد اللاعبين الإقليميين في شرق الفرات فان الصراع لن يبقى صراعا على الاستقطاب السياسي بل هو في طريقه ليأخذ بعدا أمنيا يدخل شرق الفرات في حالة فلتان أمني كبيرة للغاية، يكون الصراع فيه مبنيا على موجات من الاغتيالات والتصفيات لقادة العشائر أولا وللقادة الأمنيين والعسكريين والفاعلين من كل الأطراف في محاولة اضعاف عناصر القوة وتشتيتها لدى كل طرف من الأطراف.
وشكلت إيران “لواء الباقر” ليكون بوابة اختراقها لقبيلة البكارة حيث سعت من خلاله إلى تجنيد أعداد كبيرة من شباب القبيلة في حلب والرقة ودير الزور. وسهلت إيران عودة شيخ قبيلة البكارة نواف البشير من تركيا إلى حضن النظام السوري واستقبل استقبالا حافلاً في دمشق من قبل قادة الميليشيات الإيرانية.
وتدعم إيران كذلك “المجلس القومي لشيوخ العشائر والقبائل العربية” بشكل غير مباشر عبر خالد حسين الحسن الذي يقود لواء الباقر، وتسعى إلى استمالة شيوخ العشائر والوجهاء المحليين في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية من خلال صلة القرابة بين العشائر العربية والامتدادات الجغرافية والتداخلات بين قبائل العقيدات والبكارة بين جانبي نهر الفرات. وتشكل إيران ملاذا آمنا لشباب العشائر الهاربين من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ومطاردتها لهم بهدف التجنيد في صفوفها، كما خيار نجاة للفارين من الخدمة العسكرية والمتخلفين عن الإلتحاق بها من خلال ضمهم إلى أفواج الدفاع المحلي التي يقودها الإيراني الحاج جواد، حيث يتمتع المنضوون فيها بحرية حركة وتصرف أكبر من أقرانهم الذين يخدمون مدة عسكريتهم بدون أي امتياز أو حتى مقدرتهم على الحصول على إجازة صغيرة.
أما تركيا فقد بدأت بالتحرك نحو العشائر السورية، ولو تحرك المرتاب الذي يجهل كيف يتعامل مع هذا الملف. فدعمت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تشكيل “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية المعارضة” في منطقة “درع الفرات” حيث اعتبر رئيس الحكومة السورية المؤقتة، أحمد طعمة عراب اقناع المسؤولين الأتراك بأهمية التحرك في ملف العشائر ومنطقة شرق الفرات.
ويلحظ أن تركيا في إطار انفتاحها على التجمعات والشخصيات العشائرية استقبلت رئيس الإئتلاف الوطني المعارض الأسبق، أحمد الجربا والمقدم مهند الطلاع قائد “مغاوير الثورة” التي تعمل في منطقة التنف تحت الرعاية الأمريكية. وتأتي هذه التحركات في إطار بلورة أفكار تركية لكيفية التعامل مع ملف شرق الفرات في إطار الانفتاح الأمريكي الذي يدعيه المبعوث الأمريكي جيمس جيفري.
تغير التحالفات والاصطفاف دفع القبائل العربية إلى إنتاج مشيخة جديدة على خلاف المشيخة التقليدية. كما حصل في قبيلة البكارة التي عينت حاجم البشير شيخا لها بعد عودة الشيخ الأسبق نواف البشير إلى النظام السوري. ويمكن القول إن مشيخة القبيلة انقسمت بين الدول المتصارعة نفسها. فأصبح للقبيلة نفسها ممثل في مناطق النظام وممثل في مناطق قوات سوريا الديمقراطية وممثل في تركيا. وبعض تلك القبائل لديه ممثل رابع وخامس في دول الخليج العربي أو الأردن.
لكن هذا السباق لكسب العشائر العربية في شرق الفرات سيؤدي إلى صدام داخل القبائل نفسها وصدام بين القبائل حسب الاصطفاف الإقليمي والتحالفات، وربما يدفع القبائل إلى حمام دم على غرار انتقام تنظيم “الدولة” من عشيرة الشعيطات عام 2015.
القدس العربي ١٠ تموز/ يوليو ٢٠١٩