جسر:صحافة:
“أنا إنسان واقعي، ولست شخصية حسّاسة. عندما تركت منزل والدي، لم أبكِ. عندما ماتت قطتي المدلّلة، لم أبكِ. عندما توفي والدي الحنون، لم أبكِ. وعندما وجدت عملاً في وكالة “ناسا” الفضائية NASA لم أبكِ. وعندما وضعت قدمي على القمر، لم أبك. ولكن حينما نظرت من هناك إلى الكرة الأرضية، خنقني الحزن والغم، وأجهشت في بكاء مرير، وترددت أن أضع العلم الأميركي على سطح القمر… أتعرفون لماذا؟ … حينما نظرت إلى الأرض من هناك، رأيتها نقطة بلا لون، أو حدود، أو قوميات، أو جنسيات، أو خيرات، أو أسلحة، أو أحزاب؛… وضعت إصبعي الإبهام، ورأيت أنه غطّى تلك النقطة بالكامل. عندها، أجهشت ببكاء لم أعرفه من قبل. بكيت، وقلت في نفسي على ماذا نتحارب نحن البشر، ونقضي على بعضنا البعض! بكيت بحرقة على كل هذا الجهل والعمى والتعصب، الذي غرقنا فيه”. ذلك كان اقتباساً من مذكرات /نيل آرمسترونغ/ أول رائد فضاء أميركي إلى القمر.
بعد غوصه في فلسفة الحياة، لا بد أقنع نفسه هذا المخلوق المُسمى “إنسان” بضرورة وجود علّة أو معنى أو قيمة لهذا الوجود؛ فاستخدم طاقاته العقلية والبدنية، مسخراً ما توفر له من موارد على هذا الكوكب (المعجزة برأيه، والصغير جداً، لكن الغالي برأي “آرمسترونغ”)؛ فولّد الصراعات والقتال والحروب؛ ليصبح كمن يقطع غصن شجرة شاهقة يجلس عليه.
كلمات “آرمسترونغ” الساخطة على الصراعات والحروب الساخنة والباردة، التي قد تدمّر هذا الكوكب، وردت في مفصل زمني؛ والتوتر بين أميركا والاتحاد السوفيتي على أشدّه: غرب – شرق/ رأسمالي -اشتراكي/. تلك القطبية وضعت هذه الكرة الأرضية على رؤوس أصابعها مرات عديدة؛ حيث المسألة مجرد “كبسة أزرار” في حقيبة نووية يتسلمها رئيسيّ القطبين عند وصولهما إلى رأس السلطة.
رغم أن لا شيء يمكن أن يبرر تلك الصراعات التي قد تنهي أحد القطبين، أو تَشِلَّه، أو تجعل هذا الكوكب كسيحاً، إلا أن هكذا صراعات قد يستوعبها، أو حتى يتقبلها عقلنا الملوّث، بذريعة أن مَن نقتله هو “الآخر، أو”هابيل”، أو– The Other” أو “الغويم” بلغة “أبناء عمّنا”؛ ولكن ما قد يستعصي على الفهم أو الاستيعاب أن يحدث الإلغاء أو الشلل والدمار ضمن الأسرة أو البلد الواحد. وهنا لا بد لنا كسوريين من وضع بلدنا الجريحة وأهلها تحت المجهر، ونتفكّر بأي نفس أو عقل أو تربية فعل بها الطغاة ما فعلوا.
إذا كانت مساحة سوريا لا تزيد قليلاً عن واحد بالألف من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية؛ وحدث فيها خلال عقد من الزمن كل هذا؛ فأي شيء يمكن أن يقوله أو يفعله “آرمسترونغ” الذي غطى إصبعه كل الكرة الأرضية بيابستها البالغة 148 مليون كيلومتر مربع، وبحارها البالغة 361 مليون؟
لا نريد أن نحدّث الرجل عن نصف سكان سوريا الذي تشرد، ولا مدنها التي دُمِرَت، ولا الاحتلالات التي ترزح على صدرها، ولا مئات آلاف معتقليها، ولا عن ارتكاب “قادتها”- الذين ما زالوا يشيرون إليها بعبارة /بلدي سوريا/- جرائم حرب بحق مواطنيها؛ بل عن إصرار هؤلاء “القادة” على ألا تستعيد سوريا عافيتها، ما لم يبقوا في السلطة. فما الذي كان سيقوله آرمسترونغ، لو أنه سمع “قادتها” يقولون (نحكمها أو ندمرها)؟ هل كان سيجهش بالبكاء، أم أنه سيرمي نفسه من الفضاء، أو يبحث لها عن مكان في الثقب الأسود الفضائي؟!
نريد فقط أن نقول له إن كل بيان يصدر حول سوريا مِن قبل أولئك المتدخلين بشؤونها يُفتَتح بـ “يؤكد المجتمعون على سيادة ووحدة سوريا أرضاً وشعبا”؛ علماً أن السيادة أضحت في خبر كان، والبلد مبعثر أرضاً وشعبا. لا بد أن نلفت انتباهه أيضاً إلى أن “باراك أوباما” مواطنه، ورئيس بلده السابق، قد ساهم بكارثة سوريا، عندما ترك مستخدم السلاح الكيماوي ضد أهل سوريا طليقاً، واكتفى بوضع يده على المخزون الكيماوي السوري بالتنسيق مع “بوتين” رئيس روسيا، و”نتنياهو” رئيس وزراء حبيبتهم إسرائيل.
ربما نثقل الحمل على السيد “آرمسترونغ” إذا أخبرناه بأن تلك القطعة الجميلة “سوريا”، من الكرة الأرضية التي أبكته، لم تعد صالحة لعيش الآدميين؛ فالغلاء، والعوز، والإهانة، والخوف، والخطف، والاغتصاب، والكذب، والبهائمية الحكومية، والبنزين، والكهرباء، والكورونا، والخبز، ومحمد بن زايد، والبي كي كي، وقدري جميل، والنمر، والأسد، والجولاني، وداعش، والناطقين باسم الله على الأرض، والبطاقة الذكية، والمجتمع المتجانس، والمئة دولار (كي يدخل السوري بلده)، وأمة عربية واحدة، وخالد العبود، ومجلس الشعب، وبثينة شعبان، والثوابت الوطنية، والهوية الوطنية… كل ذلك جعل حياة السوري شبه مستحيلة.
متى يتحكّم بمصير هذا الكوكب الجميل أمثال “نيل آرمسترونغ”، ولا يسمحوا لمخلوق كأوباما، وكل مَن ما ذَكر أعلاه أن يكونوا أصحاب الكلمة الفصل في تحديد مصير هذه الأرض ومَن عليها؟ أعتقد أن نسبة طغمة الشر تلك لا تزيد عن واحد بالمليون. وعلى مَن تبقى من البشرية أن يتجاوب مع ضرورة بقاء هذا الكوكب عفيّاً إنسانياً آمناً مزدهرا. رغم أن في هذا الطرح شيء من الحلم؛ ولكن مَن قال إن الأحلام عيب أو عبث؟ ألم يقل “مارتن لوثر كنغ” يوماًI have a dream عندي حلم”؟ نحن كسوريين عندنا حلم؛ وسنعيد سوريا حرة كريمة عفيّة بلا كل “الكورونات” أعلاه.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا