جسر: متابعات
يصر نظام السوري على إنكار انهياره الاقتصادي وانهيار عملته، ويواظب على محاولة إيهام السوريين بأن الحكومة تعمل جاهدة للتغلب على الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلاد، من خلال إصدار قرارت ومراسيم تشرع قوانين يدعي النظام بأن الغرض منها حماية الاقتصاد السوري.
لكن تلك القوانين ليست إلا غطاء يشرع فيها النظام لنفسه التعدي على ملكية الأفراد الخاصة، وبغالبها تتعارض مع الدستور السوري الذي تنص قوانينه على حماية الملكيات الخاصة. وآخر تلك القرارت هو القرار رقم /5/ الذي يقيد قدرة الأفراد على بيع ممتلكاتهم.
ينص القانون رقم /5/ الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء مؤخراً على “إلزام الجهات العامة المخولة قانوناً بمسك سجلات ملكية العقارات والمركبات بأنواعها والكتاب بالعدل بعدم توثيق عقود البيع أو الوكالات المتضمنة بيعاً منجزاً وغير قابل للعزل قبل إرفاق ما يُشعر بتسديد الثمن أو جزء منه في الحساب المصرفي للمالك أو خلفه العام أو الخاص أو من ينوب عنه قانونا. وتقبل وثيقة الإشعار المصرفي سواء كانت صادرة عن مصرف عام أم مصرف خاص مرخص أصولاً”. على أن يبدأ العمل بالقرار ابتدأ من 15 شباط/فبراير.
ويجبر القرار البائع والشاري على فتح حساب مصرفي، وهذا ما يعتبر بحد ذاته تعدياً
على حرية الفرد بالتحكم بأمواله الخاصة.وناهيك عن ذلك، هناك الكثير من التعقيدات التي تترافق مع فتح حساب مصرفي في سوريا، كالحصول على الموافقات الأمنية ودفع رسوم مالية لفتح الحساب وترك وديعة مالية لتشغيل الحساب، مما يحمل المتعاقدين رسوماً مالية إضافية في عملية البيع.
على حرية الفرد بالتحكم بأمواله الخاصة.وناهيك عن ذلك، هناك الكثير من التعقيدات التي تترافق مع فتح حساب مصرفي في سوريا، كالحصول على الموافقات الأمنية ودفع رسوم مالية لفتح الحساب وترك وديعة مالية لتشغيل الحساب، مما يحمل المتعاقدين رسوماً مالية إضافية في عملية البيع.
كما أن القرار يجبر الناس على دفع ثمن العقار بالليرة السورية، مما قد يزيد من حجم الأضرار على الشاري أوالبائع، بسبب عدم ثبات قيمة العملة. فإلى اليوم لا يعترف البنك المركزي بسعر صرف الدولار في الأسواق، والذي وصل إلى 1065 ليرة مقابل الدولار الواحد، فيما لا يزال السعر الرسمي عند 434 ليرة. وبسبب تذبذب سعر صرف الليرة اعتمد السوريون في السنوات الأخيرة على تقييم العقارات وفقاً للدولار، ولكن القرار الأخير سيتسبب بخسارة أحد الطرفين.
وفي ظل إجراءات البنوك السورية التقشفية، سواءً الحكومية منها أو الخاصة، والتي تتجلى بتجميد الأرصدة ووضع معايير وسقف للسحوبات المالية، فإن معظم السوريين في الداخل يخافون من وضع أموالهم في البنوك، فكيف هو الحال مع وضع مبالغ ضخمة تخص بيع وشراء عقارات.
كما شرع القرار سحب الضريبة العقارية من حساب الشاري دون الرجوع إليه، علماً أن الضريبة سترتفع عما هو متعارف عليه، ففي السابق كان البائع والشاري يلجآن إلى سعر تخمين العقار لدفع الضرائب وفقاً له. والأسوأ من ذلك أن القرار لا يضمن حقوق الشاري، حيث يفرض عليه إشعار بتحويل جزء من المبلغ أو المبلغ كامل إلى الحساب المصرفي للبائع، لتثبيت الملكية دون أن يفرض على البائع قراراً بإفراغ العقار باسم الشاري؛ وهو الأمر الذي قد يخلق العديد من المشاكل القانونية، فمن المتعارف عليه في عملية البيع والشراء أن الشاري يدفع جزءاً من المبلغ عند توقيع العقود، والجزء الثاني يدفعه عندما يتم تسليم العقار، والجزء الأخير يتم دفعه في مرحلة الفراغ في السجل العقاري.
لكن المكاتب العقارية داخل مناطق النظام أوجدت حلول بدلية للالتفاف على القرار حتى قبل الشروع في تنفيذه. وقال مصدر خاص ل”المدن”، يعمل في مجال العقارات، إن هناك طريقتين للتعامل مع القرار بأقل الخسائر: الأولى أن يتم تنظيم عقدين، الأول هو اتفاق بين الطرفين على المبلغ وطريقة التسليم تضمن حقوق كلا الطرفين، والثاني هو العقد الذي تلزمنا به الدولة، وفيه نحدد سعر العقار بمبلغ أقل، ليتم فيه احتساب ضرائب أقل، ويتم وضع مبلغ صغير في البنك لاتمام العملية بشكل رسمي. وأما الطريقة الثانية، فهي أن يتم البيع والشراء بشكل مباشر بين البائع والشاري، ومن ثم يتم تسجيل العقار وإفراغه في سجلات الدولة على أنه هبة وليس عقد بيع.
ولكن كل هذه الحلول غير القانونية، التي قد تكون مفيدة للسوريين وستقيهم بعض الشيء من بلطجة الدولة، قد تجعلهم عرضة للنصب والاحتيال؛ مما يجعل القرار الجديد عبئاً إضافياً سيواجهه السوريون في الأعوام القادمة. وفعلياً لا يمكن قراءة هذا القرار سوى باعتباره وسيلة جديدة يعتمد عليها النظام لتجميد أموال السوريين في مصارفه، بعد أن بات معظم السوريين يتحاشون التعاطي مع المصارف السورية، إثر الخسائر الكبيرة التي تكبدوها بسبب انهيار سعر العملة الوطنية.
المصدر: المدن