وسيزر هنا ليس القيصر السوري الذي وثق بكاميرته آلاف الشهداء من ضحايا التعذيب، وكان السبب في إقرار قانون الحماية الأمريكية للمدنيين في سورية ذلك القانون الذي سمي على اسمه المستعار، للأسف الداعي الخفي لهذه المؤتمرات هو قيصر روسيا الحقيقي فلاديمير بوتين الذي أوغل في دماء السوريين وافتخر بأنه قتل منهم مائة ألف منذ تدخله.
وليس من الصدفة أن تتزاحم دعوات عقد مثل هذه المؤتمرات مع إقرار قانون سيزر وفي الفترة التي تسبق البدء بتطبيق مفاعيله في مطلع الشهر السادس من هذا العام، فروسيا تدرك جيدا أن القانون سيطالها ويكبل قدرتها على استخدام قواتها العسكرية في سورية وكذلك سيحد من قدرتها على الاستثمار في قطاعات الاقتصاد السوري، أي أنه سيحول وجودها في سورية من مشروع سياسي واقتصادي رابح إلى مشروع خاسر.
ولمعرفة سر تزاحم دعوات بعض الأطراف لعقد مؤتمرات سورية تحت عنوان استعادة القرار الوطني يجب علينا قراءة مواد هذا القانون ليعلم أن قيصر روسيا يسابق الزمن ويريد ترتيب الأوضاع على الأرض خلال الأشهر القادمة قبل أن تبدأ مفاعيل القانون، فقانون سيزر يعاقب كل ” شخص أو مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد بصفة عسكرية داخل سورية لصالح حكومة سوريا أو باسمها أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران” هذا بالحرف ما ورد في نص القانون، وبالتالي فإن كل نشاطات روسيا العسكرية في سورية ستكون تحت مجهر القانون الأمريكي.
والقانون الأمريكي الذي جاء نتيجة تسوية بين أجنحة الإدارة الأمريكية، خاصة وأن الرئيس ترامب لم يكن متحمسا له، وبالتالي يجب فهم مهلة الأشهر الستة لتفعيل القانون، وكذلك السلطات التي منحها القانون للرئيس بتعليق العقوبات كلا أو جزءا لمدة 180 يوما، ضمن سياق التسويات بين جناح يريد معاقبة النظام وروسيا وإيران على جرائمهم في سورية وجناح يريد التعامل المرن مع روسيا فيما يتعلق بالقضية السورية، ونحمد الله أن الجناح الذي يرى ضرورة معاقبة النظام وحليفيه الروسي والإيراني هو الذي انتصر، وبالتالي أصبح القانون ساريا وعملية استثماره بالشكل الأمثل باتت تقع على السوريين وحدهم من خلال العمل السياسي والديبلوماسي المطلوب منهم لفضح رجال الأعمال والكيانات الاقتصادية التي تتعامل مع النظام أو مع إيران وروسيا في سورية وذلك لإدراجها في لائحة العقوبات.
وبالعودة لموضوع الدعوات المتلاحقة لعقد مؤتمرات سورية في برلين وآخر في القاهرة وثالث في أنقرة وجميعها تحت شعار ” مؤتمر وطني لاستعادة القرار السوري المستقل”، فإن توقيت الدعوة لعقد هذه المؤتمرات يتزامن أصلا مع توقيت تفعيل قانون سيزر، وحقيقة الأمر فإن من يقرأ القسم الثالث من قانون سيزر والمتعلق بتعليق العقوبات ربما يدرك جيدا أن هذه الدعوات قد يكون وراءها محاولة إيجاد مخارج للمحتل الروسي تمكنه من تعليق العقوبات، فنص قانون سيزر في موضوع تعليق العقوبات بأن الرئيس الأمريكي يستطيع تعليق العقوبات بشكل مؤقت لمدة 180 يوما في الحالات التالية:
1. لم تعد الحكومة السورية أو حكومة الاتحاد الروسي يستخدمان المجال الجوي فوق سوريا لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة بما في ذلك البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والأسلحة التقليدية بما ذلك الصواريخ والمتفجرات.
2. لم تعد المناطق المحاصرة من قبل حكومة سوريا أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران أو شخص أجنبي الوارد وصفه في المادة 102 أ(2) (أ) (2)، معزولة عن المساعدات الدولية وإمكانية الوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية وحرية السفر والرعاية الطبية.
3. قيام الحكومة السورية بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين تم احتجازهم قسر في نظام السجون في نظام بشار الأسد وسماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى نفس التسهيلات لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة.
4. في حال لم تعد قوات الحكومة السورية وحكومة الاتحاد الروسي وحكومة إيران وأي شخص أجنبي موصوف في القسم 102 متورطة في استهداف متعمد للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، في انتهاك المعايير الدولية. ” وأنا أنقل هنا نص القانون بالحرف ،حتى أنني أبقيت مصطلح الحكومة السورية الوارد في القانون لأمانة النقل.
وتكمل الفقرة 5 من هذه المادة ما يجب على النظام القيام به من أجل تعليق العقوبات، وتتعلق بالمحاسبة وبمحاكمة مجرمي الحرب وبإتاحة الفرصة للمنظمات الدولية للتحقيق في هذه الجرائم وإطلاق عملية حقيقية للمصالحة والحقيقة وغير ذلك ، وكلها شروط لا يستطيع النظام المجرم تطبيقها لأنها ستطاله على الرغم من الجهد الروسي الحثيث لحمايته،لكن روسيا تدرك أنها لا تملك الأدوات اللازمة لذلك
وحتى لا أطيل فإن هدف روسيا الآن هو محاولة ترتيب أوضاعها في سورية قبل بدء تفعيل قانون سيزر، ولذلك تعمل بشكل حثيث بالتعاون مع تركيا لترتيب أوضاع إدلب بما فيها فتح طريقي M4 و M5 ، وتعمل أيضا مع عملائها الذين زرعتهم في أجسام المعارضة لترتيب مؤتمر تحت عنوان استقلال السوري سيكون من نتيجته المطالبة برفع العقوبات عن سورية تحت ذريعة أن العقوبات الآن تمنع العودة الآمنة للاجئين وكذلك تمنع تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي اللازم لبدء عملية سياسية، ،هذه الذريعة هي التي تتمسك بها موسكو في رفضها للعقوبات الأمريكية على النظام، فوجهة نظر موسكو أن العملية السياسية لا يمكن أن تسير إلا بعد عودة اللاجئين والبدء بإعادة الإعمار، ولتمرير هذا الرأي الروسي لابد من إلباسه لباسا سوريا عبر أدواتها وهو الهدف الحقيقي من وراء عقد مؤتمر برلين.
طبعا أنا لا أشكك بالأسماء الوطنية التي تحمل الكثير من الالتزام والنوايا الطيبة والتي تعمل لعقد مؤتمر برلين، لكن أصحاب هذه النوايا الطيبة قد يكونون مثار استغلال من قبل عملاء موسكو الموجودين في اللجنة التحضيرية لمؤتمر برلين وهم حقيقة وراء هذه الفكرة وترويجها بين أوساط الوطنيين الشرفاء الذين قد يكونون وقعوا ضحية خداع وتضليل هذه الفئة التي خدمت موسكو في سورية أكثر مما خدمها سلاح الجو الروسي وجنرالات الحرب الروسية.
فاتني أن أنوه أن المنظم الحقيقي لمؤتمر برلين هو الأكاديمي الروسي المرتبط بالاستخبارات العسكرية الروسية نيكولاي سيخوف، وهذا الأكاديمي يعمل خلف الستار مع بعض أشخاص اللجنة التحضيرية حتى لا تظهر روسيا وراء الموضوع، طبعا الكثير في أوساط المعارضة يعرفون نشاطات نيكولاي سيخوف ولقاءاته المتعددة مع بعض المعارضين في جنيف وبيرن وفيينا.
محمد صبرا: محام سوري وكبير المفاوضين الأسبق عن الهيئة السورية العليا للتفاوض