كتبها-خليفة خضر: ظلت هذه الحياة التي تأقلمنا عليها حتى عام ٢٠٠٥ والذي انتهى بتزفييت الطريق العام وتمديد الكهرباء التي أخذت تنقطع فقط ليلاً، في أوقات أمس الحاجة إليها من أوقات اليوم.
لكن انتقلنا الى مرحلة لم نكن لنتوقع العيش فيها وكم بات العيش مع الصيان أفضل من العيش مع رجال على هيئة صيان، فالطريق تم تزفيته لبناء مشاريع سكنية لم يتم الانتهاء منها حتى عام ٢٠١٩ في الأراضي الخلفية للحي.
أثناء فترة تصليح وترقيع مجاري الحي، كان قد استغل أهالي الحي عدم استطاعة دخول سيارات الدولة التي تهدم منزل كل عائلة تخالف في عملية البناء أو عائلة بَنت غرفة لابنها الذي تزوج وزاد عدد العائلة، و لقلة الدخل المالي، اضطر الكثير من الأهالي من بناء عدة غرف بشكل طولي على منازلهم الأفقية، فبعد تعبيد وتزفييت الطريق وإصلاح المجارير، سمح تزفييت الطريق لسيارات الدولة التي يركبها رجال بدينون بطريقة غير متناسقة و يحملون بأيدهم فؤوس كبيرة، بالدخول إلى المنزل وهدمها أو سرقة أغنام عائلة حولت أرض صغيرة إلى مرتع لعدة أغنام يعيش منها أصحاب البيت، وأحياناً لا يهدمون الغرفة بل يكتفون بحفر فجوة صغيرة بسقف الغرفة وتركها، تسير سيارت الدولة الزرقاء الكبيرة ويتراكض خلفها الأطفال وأنا منهم.
حتى الأن اللحظة لا أفهم كيف إن كانت تلك الغرف والأغنام تخالف القانون وفي حال دفع صاحب الغرفة أو صاحب الأغنام المال للشرطي الذي يقود سيارة بيضاء أمام السيارة الزرقاء المحملة بالرجال، لم تعد تخالف القانون ولا تسبب بكارثة وأمراض على الأطفال، هل المال هنا قربان أو حرز ديني أو زكاة أو رشوى بالمصطلح الصريح.
إن كانت الدولة تخاف علينا من الموت، وتمنع من أجله بناء الغرف الصغيرة الناتجة عن التضخم السكاني، لما لا تجد حلول أخرى تكبح تفكيرنا من التفكير ببناء هذه الغرف ولما إن أعطينا الدولة بعض المال، تسمح لنا باستكمال البناء الذي ربما قد يسبب بموتنا.
كنا نظن أن لا إجابة عن هذه التساؤلات التي تخطر ببالنا فلا تجارب سابقة لدول حولت العشوائيات لمناطق سكنية حملت كل السكان وقدمت دراسات وتجارب لتحديد النسل ومحاربة العطالة وتحويل العشوائيات لمناطق سكنية لا تستدعي الأهالي للبحث عن طرق غير قانونية للمجاهدة في عملية البقاء على قيد الحياة.
كنا نظن أن لا طرق بديلة للعيش إلا وفقاً لهذه الحياة، ناس يخافون الدولة ويخشونها، لما نخاف الدولة ونخاف إذا ما شاهدنا شرطي ونخاف إذا ما شاهدنا رجل أمن … نعم ” أمن” نخاف إذا ما شاهدناه، قلما تشاهد من يبتسم من رجال ” الأمن” مع الأهالي والذي من المفروض أن يكون هذا الرجل هو من يجلب الأمن للأهالي.
كبرنا تحت نظرية لا حياة إلا بالرشاوي والتملق لرجال الأمن والبحث عن طرق ملتوية للعيش وارتداء قميص الخوف كلما خرجنا خارج الحي أو المشي في الشارع الذي تحول بعد دفع العوائل الرشاوي للمخفر إلى شارع يعج بالمحلات والمنازل ذات الطوابق الثنائية ومستودعات لتخزين الطعام، قد تجد مطعم لتخزين الورق وملاصق له معمل لصهر الحديد!
كانت تهدم منازل الفقراء خوفاً من موتهم, ويسمح للأغنياء ودافعي الرشاوي من استكمال بناء منازلهم ومحلاتهم المخالفة، قد تريد الدولة الخلاص منهم والحفاظ على الفقراء منا.
معيار الحياة اختل وكل ما نتعلمه في المدارس وعن أسباب كره دولتنا للدول الأخرى التي تسحق مواطنيها لا نجد منه شيء على أرض الواقع، نكره الدول التي تعلمنا الدولة كرهها ولكن لا نكره دولتنا.
الشارع يعج بالسيارات ومنها سيارات الدولة التي تراقب الأهالي، تعود السيارات لمخفر المنطقة، ربما الدولة لا تسمع باسمنا ولا اسم حينا إلا عن طريق المخفر، حتى موكب تامر حسني لم يزور حينا كما وعدنا الرجل الأنيق الذي أتى ووزّع عدة صور له وطلب من الأهالي انتخابه في دورة مجلس المحافظة.
انتظرنا تامر حسني ولم تسير سيارته على شارعنا الذي تم تزفيته بعد عدة سنوات من المعاناة وسارت على الطريق الدولي، بالرغم أن لو سيارته سارت على شارعنا لوصلت إلى منتصف المدينة بأقل وقت.
خمنا سيارة على أنها لتامر حسني كانت قد ظهرت في أحد أغانيه، لم تكن هي وظل حينا بعزلة عن العالم وعن سيارات المشهورين ورئيس البلد الذي زار حلب ولم يمر علينا ويسلم علينا.