كتبها-خليفة خضر: دخل الحي طور جديد لم يشهده من قبل، هجر الحي عدد من سكانه ولكنهم عادوا بعد فترة، تم رشق الحي بعدد من القذائف، ما كان يميز حينا بحسب زواره أن صوت شارعه العام، فيه مزيج متناقض من الموسيقى والسكان، قد تسمع صوت عبد الباسط عبد الصمد وهو يتلو القران الكريم وصوت لعدد من المطربين الشعبين كربيع البصري، ومن ثم أغنية لتامر حسني وأخرى لمريام فارس، سكان ذوو لهجات سورية مختلفة وأغاني تمجد الرئيس ووالده الخالد.
صوت القذائف التي كانت ترميها الدولة على حينا من المدفعية المتمركزة في ثكنة هنانو، هدمت كل تلك الكاسيهات التي كانت تمجد الرئيس والتي كانت تغني أغاني مريام فارس.
تبدلت الأغاني إلى أناشيد جهادية ودينية تمجد أسامة بن لادن بدل الرئيس والزرقاوي بدل الأب الخالد وأغاني تمجد فرع تنظيم القاعدة في سورية والمسمى جبهة النصرة بدل تمجيد الدولة.
وأخرى تمجد الثورة التي خرج المتظاهرون فيها.
قذائف الدولة التي تترامى على منازل الحي بشكل عشوائي قطعت الكهرباء عن الحي وأعادته إلى ما قبل عام 1995 وقذائف أخرى سقطت على المجارير المشيدة حديثاً على حساب أحد المتعهدين.
وكأن الدولة تريد إخبارنا أن لا علاقة لها بالمجاري ولا بتزفييت الطريق وكل ما حدث ليس لها رضى عنه.
عاد معظم الأهالي إلى الحي، إما لفقر عاشوه في النزوح أو لخلاف عائلي حدث بينهم وبين أهاليهم في القرى التي نزوحوا عليها.
وأخرين نسوا الحي والشارع وأقاموا في قراهم التي هم بالأساس منها.
الباصات تم وضعها بشكل أفقي لقطع جميع الطرقات عدا طريق واحد يجب على كل السيارات التي تريد دخول الحي أن تسلكه.
مع الفراغ وانقطاع الكهرباء وقلة عدد الشباب في الحي، كان تفكيري يسرح ويشرد كثيراً وبعيداً عن الواقع، ظننت أن كل ما دفعته للباصات الصفراء يمكنني استعادته، وقفت بالقرب من باص أخذ الصدء يملىء زواياه، لكن لم يجيبن لا صاحب الباص ولا حتى الباص، سمعت صوت صدى صوتي.
مع قذائف الدولة التي نهشت جسم الشارع وشوهت طريقه المزفت والمعبد والمنار سابقاً، أتت سيارات المسلحين ليلاً واكملت على كل ما لم تستطيع الدولة تخريبه بالقذائف نظراً لعدم استطاعتها العودة إلى الحي، سرق المسلحون أكبال الكهرباء وأبواب المنازل، وأكبال الهاتف تحت الأرض، أي فقر وأي دافع جعلهم يفعلون كل هذا تحت وابل القذائف وبراميل المروحيات، هم أتباع للدولة بفقرهم أو بتطرفهم أو بتجنييدهم، يربطون أكبال الهاتف بمؤخرة سيارتهم ويسحبون الأكبال الواحد تلو الأخر.
عندما نظرت بتاريخ بعضهم وجدت قسم منهم كان من المجرمين الذين أطلقت الدولة سراحهم بداية خروج المظاهرات، كل من اعتقلتهم الدولة قبل اندلاع الثورة، باتوا مسلحين، إما مع الدولة أو ضدها، منهم من حملوا تحت راية ” الشبيحة” السلاح، وأخرين حملوا السلاح تحت راية الفصائل أو الجماعات الجهادية.
بت أسال نفسي، أي جدوى استفادته الدولة من الاعتقال؟ لما لم يتم إعادة تأهيل المجرمين والمتطرفين، كل المال والمحروقات التي أنفقته الدولة في سبيل اعتقال أبناء الحي، انقلب عليها، بشبان يحملون السلاح ضدها وأخرين يحملون السلاح معها ولكن يسرقون ما لم تطاله يد الأخرين، لو انفقت الدولة المال الذي انفقته باعتقال هؤلاء ووضعته في خزانات المدارس وملئتها بالوقود لما كان حالنا مثل هذا الحال.