وقال موقع “ميدل إيست آي” البريطاني المتخصص بأخبار الشرق الأوسط، أن شركة غامضة ومجهولة مقرها في بريطانيا تقوم بإسكات الناشطين السوريين بمحو لقطات الفيديو التي يصورونها عن الاحتجاجات الأخيرة في سوريا من صفحات “فايسبوك”، بحجة خرق حقوق النشر. وتدعى الشركة “Yala Media Network”، وأنتجت حتى الآن عملاً فنياً واحداً هو مشروع “لو مثلاً” للممثلين زهير عبد الكريم وأندريه سكاف في رمضان الماضي.
وكانت تظاهرات السويداء في حزيران/ يونيو الماضي لحظة نادرة في إظهار السخط ضد النظام، ولم تحظ بتغطية من الصحافة السورية الرسمية. وبدلاً من ذلك نظمت السلطات تظاهرات مضادة لحرف النظر عن آثار العقوبات الأميركية التي فرضت في ذلك الوقت باسم “قانون قيصر”. وجاء شك الناشطين بمحاولات كبت الصور التي التقطها الناشطون كجزء من محاولات الحكومة لإسكات أي صوت معارض لها.
والحال أن محاولات الحذف والتحكم بمنصات التواصل الاجتماعي في سوريا ليست جديدة. فقد عبر الناشطون السوريون منذ العام 2014 عن رعبهم من حذف “فايسبوك” لقطات فيديو يرون أنها أكبر دليل على انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان وجرائم الحرب. وأعرب 35 ناشطاً وصحافياً سوريا خلال الشهرين الماضيين عن حنقهم من حذف “فايسبوك” لحساباتهم، لأنهم قاموا بتحويل محتوى يخرق القواعد المتعلقة بنشر المواد ذات العلاقة بالإرهاب، أو أنها لم تف بمتطلبات المنصة. إلا أن الوضع الحالي مختلف هذه المرة، حيث يقوم الناشطون الداعمون للنظام السوري باستخدام سياسات حقوق النشر في “فايسبوك” كوسيلة لاستهداف الأصوات الناقدة والمستقلة، وفي قلب الظاهرة الجديدة شركة “يللا ميديا نتوورك”.
ودهش الناشطون والصحافيون في الشهر الماضي عندما أخبرتهم شركة “فايسبوك” أن الصور التي حملوها عن التظاهرات التي اندلعت في مناطق الحكومة تعود ملكيتها إلى شركة “يللا” التي لم يسمع بها إلا القليل. وبسبب حقوق النشر، فقد تم حذف ما حمل، أو منع تداوله، أو لم يسمح بتحميله.
وتصف “يللا” نفسها عبر صفحتها في “فايسبوك” بأنها “شركة تعنى بالإنتاج التلفزيوني والموسيقي عبر منصات تابعة لها أو عبر شركاء متعاونين معها”. ورغم أن لها 30 ألف متابعاً، إلا أن تفاعلها ضئيل، ولا يتجاوز منشورين بما فيها ترويج لحلقات مسلسل رمضاني. أما المعلومات المالية وتلك المتعلقة بشركتها الشقيقة “يللا غروب”، فلا تتعدى نصوصاً وهمية وصوراً مخزنة ورطانة تسويقية غير واضحة.
ورغم أنها تقدم نفسها كمنصة إعلامية عربية مستقلة، إلا أن ولاءها السياسي يميل مع الحكومة السورية. ولديها محتوى مكون من اسكتشات مسرحية وأغان مزعجة لفنانين ومخرجين سوريين، ومنها اسكتشات تعود للفنان بشار إسماعيل الذي عبر عن دعمه علانية للرئيس بشار الأسد وانتقد بشدة المعارضة.
وبحسب الموقع، يظهر عنوان شركة “يللا” عبر صفحتها في “فايسبوك” بأنه “بريتش مونومارك” في وسط لندن. وقدمت الشركة عنواناً بريدياً يقود إلى شارع راق في لندن. وتستخدم الشركة الشقيقة “يللا غروب” المسجلة في بريطانيا نفس العنوان في وسط لندن. والشخص الوحيد الذي سجل كموظف في مجموعة “يللا غروب” هو أحمد مؤمنة، وتم تعريفه بالمهندس الفلسطيني المقيم في الإمارات، وولد العام 1988، وتم تسجيله مرتين كمدير وسكرتير.
ويدير مؤمنة حسابين آخرين في “فايسبوك”، وكلاهما يشير إلى أنه مقيم في دمشق. ويحمل أحد الحسابين شعار “يللا غروب”، ولم يشترك إلا في عدد من المنشورات العامة، ولديه صور عامة منها صور للأسد في الزي العسكري. أما البروفايل الثاني، فليس ناشطاً ويصف نفسه بأنه “مدير يللا غروب” وأن أصله من حلب. ولم يكن “ميدل إيست آي” قادراً على التحقق من هويته، وإن كان من أصل فلسطيني أم لا. ولا يوجد ما يشير إلى أنه موظف في الإمارات العربية المتحدة أو أنه مهندس.
ويصف مؤمنة نفسه بأنه متخصص بالدعاية الإعلامية والتسويق الرقمي. وتشير الصفحة في “فايسبوك” إلى أنه مدير لمنظمة إعلامية أخرى هي “مومينتو ميديا نتوورك” ومقرها أوبسالا في السويد. وعلى خلاف “يللا غروب” فله صورة في مكتبة ولوحة مكتوب عليها اسمه ويظهر فيها شعار “مومينتو”.
ورغم أن الموقع ليس متاحاً، إلا أن الصفحات المتاحة حتى تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من خلال “ويباك ماشين” تكشف أن الشركة عملت على زيادة عائدات الإعلان من خلال الخدمات الإعلامية. ولديها عنوان في ماليزيا يشبه شركة مقرها في ماليزيا وهي “أرابيك ويب أس دي أن بي أتش دي” برقم هاتف تركي. وعندما يتم الاتصال بالرقم التركي رد عامل في الخدمة، وأجاب عندما سئل إن كان يعمل في “مومينتو” بأنه يعمل في “يللا غروب”، وأن “مومينتو” لديها إدارة مختلفة.
وبحسب صفحة “مومينتو” في “فايسبوك”، فقد أنشئت العام 2016، ولا تحتوي إلا على لقطات فيديو أصيلة ومعظمها لقطات عشوائية مأخوذة من “يلا ميديا نتوورك”. ورفضت الشركة الاتهامات بعد الاتصال بهاتفها الأرضي في لندن. ورد شخص اسمه باسل قال أنه المدير التنفيذي.
وقال باسل الذي لم يذكر اسمه الكامل، أن الشركة تقوم بإدارة العملاء وتنتج موادها الخاصة للمشاهد المتحدث بالعربية عبر العالم. وأضاف أن لديهم فروعاً في ماليزيا والإمارات العربية المتحدة. وعندما سئل عن لقطات السويداء أبعد باسل المسؤولية عن “يللا”، قائلاً أن من زعم ملكيتها قد تكون واحدة من الشركات الشقيقة لها وليس الشركة نفسها.
وبحسب باسل فلدى الشركة 1000 لقطة فيديو تحمل يومياً على منصتها. وزعم أن المنصة تعمل كسمسار للعملاء. وقال ان الشركة لا يمكنها تحديد من زعم ملكية اللقطة بالإنابة عن “يللا”. وعند فحص مزاعم باسل عن لقطات الفيديو تبدو غير صحيحة، فقنوات “يوتيوب” لا يوجد فيها سوى 100 فيديو وكلها اسكتشات ولقطات موسيقية ولا علاقة لها بالسياسة.
ورد الناشطون والصحفيون بطريقة مختلفة، فعندما أخبروا بخرق قواعد النشر قاموا بالاستئناف على القرار، كما قالت ريان معروف، رئيسة تحرير منصة “السويداء 24” للصحافيين المحليين. وقالت: “حدث لنا أربع أو خمس مرات خلال الاحتجاجات، وكل مرة اتبعنا نفس الخطوات”. وبحسب “فايسبوك”، فإن المحتويات التي تم حذفها لأنها خرقت قواعد حق النشر تم حذفها من دون إشعار. لكن ليس كل مستخدمي المنصة على علم بحقوق النشر أو الاستئناف.
وعلق أسامة جاروسي، الباحث السوري في قضايا الأمن الإلكتروني: “الكثيرون لا يعرفون أن لديهم فرصة للجدال، ولديهم فترة قصيرة لعمل هذا ولا يعرفون بالأمر”، وأضاف أن “هناك أشرطة فيديو عن التظاهرات تم حذفها”، مضيفاً أن حذف الفيديوهات قام في الماضي “على أساس أنها احتوت على مشاهد عنف”. فيما قال ممثل لـ”فايسبوك” إن الشركة ستتابع الشكاوى.
وتعتبر التظاهرات في سوريا قضية حساسة، فالاحتجاجات السلمية العام 2011 تم قمعها بقوة، وقادت إلى حرب أهلية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت التظاهرات نادرة. وجاءت التظاهرات الشهر الماضي في مناطق الدروز الموالية للنظام على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية، حيث حاولت الحكومة حرف النظر عنها وترضية السكان هناك.
وقال سهيل الغازي، الباحث في بمعهد التحرير بواشنطن: “لطالما حاول النظام السوري تشويه المتظاهرين في المناطق ذات الغالبية السنية، لكنه لم يستطع عمل هذا في السويداء. يحاول النظام إقناع المواطنين بأن الوضع مستقر ولكنه صعب وعليهم التكيف معه”، فيما أعرب الجاروسي عن خشيته من عهد جديد من الرقابة، مضيفاً: “مزاعم حقوق النشر هي طريقة جديدة لقمع حرية التعبير وكبت نشر وانتشار أفلام فيديو للمعارضة”.
المصدر: موقع المدن/ 22 تموز 2020