جسر: تقارير:
ما أن تلاشت سحب الدخان الناتج عن انفجار مدينة عفرين، الذي وقع في الثامن والعشرين من شهر نيسان الفائت، حتى تكشفت حجم الخسائر البشرية الكبيرة، والقصص المروعة للضحايا، حيث يعد التفجير الأكثر دموية مقارنةً بالانفجارات السابقة التي ضربت المدينة شمال حلب.
“كانت أرض الحادثة مليئة بالمشاهد القاسية والدموية لأشخاص من مختلف الأعمار احترقوا حتى الموت” هذا ماقاله “محمد العموري”، الإعلامي مدينة “عفرين”، بمنظمة الدفاع المدني السوري لـ “جسر” مبيناً أن الحصيلة النهائية التي نتجت عن التفجير بلغت 42 شهيداً و61 مصاباً، فضلاً عن احتراق 11 سيارة و 30 دراجة نارية، فيما قدرت مصادر محلية الأضرار المادية باحتراق ما لا يقل عن 200 محل تجاري ضمن الشارع الذي شهد التفجير الدامي.
أم تلف صغيرها
تواصلت صحيفة “جسر” مع الطبيب “حسام حمدان”، بمدينة عفرين للحديث عن إحدى الحالات والتي تبدو أكثرها تأثيراً بسبب فظاعة المشهد الذي يرويه الطبيب قائلاً “وصلتنا جثة متفحمة لامرأة تبدو رغم شدة تفحمها في العشرين من عمرها، وهي متقوقعة بشدة على نفسها، وقد بدت حتى عظام لوح الكتف نتيجة الاحتراق”، مشيراً إلى أن الوفاة حصلت بعد دقائق من الانفجار الأمر الذي يسمح لها بأخذ وضعية الحماية والانحناء على نفسها، لاتقاء اللهب الناتج عن التفجير.
وتابع قائلاً “استمر العمل الطبي باستقبال عشرات الحالات معظمهم من المهجرين قسراً من بيوتهم وقراهم، وكانت علامات القهر بادية على وجوههم، وبعد برهة من العمل عدت إلى الشابة أتامل حالها واتساءل في نفسي أين أهلها؟؟ وماذا سنخبركم وكيف سيتعرفون عليها؟؟ فأصابني الذهول وأنا ابصر خمس أصابع صغيرة تلتف على عنقها، يا الله إنه صغيرها! تحتضنه بين ذراعيها ويحتضنها بكلتا ذراعيه الصغيرتين، ممسكاً بعنقها، وهما يصارعان ذلك اللهيب، والجحيم الذي يطوقها حتى وصل إليهما، ولم انتبه إلى الطفل في المرة الأولى لشدة التصاقه بوالدته”.
واختتم بقوله “أظنها كانت تنظر في عينيه الصغيرتين تتمنى قبلة منها، تحميه من وهج النيران التي حوصر بها، رحلت عن دنيانا مهجرة مكسورة مقهورة صائمة في شهر رمضان”.
مصير الجثث والمفقودين
مصدر طبي في مشفى عفرين العسكري طلب عدم الكشف عن هويته قال لـ ”جسر”، إن “42 مصاباً استقبلهم المشفى 4 منهم بحالة حرجة جداً تم تحويها للمشافي التركية، ومع وصول نبأ الانفجار للمشفى استنفر الطاقم الطبي بداخله، ولكن الصدمة كانت كبيرة بسبب حجم الخسائر البشرية”، مشيراً إلى أنه حدث نوع من الارباك مع وصول حالات شديدة الاحتراق وأكثر ما أثر في المصدر، مشهد لسيدة تركض وهي محترقة الوجه تبحث عن طفلها الصغير الذي فقدته في مكان الانفجار، ومع الساعات الأولى من التفجير وحتى تاريخ اليوم يتوافد بعض الأهالي، على المشافي للسؤال عن مصير المفقودين، إذا ما كانوا من بين الضحايا والجرحى، ويؤكد أن غالبية من زار المشفى بحثاً عن مفقود لم يجده في قائمة المصابين، خيمت عليه علامات القلق والتوتر بشكل كبير.
وعرفت سيدة من الجثث المتفحمة عن طريق علامة، وهي أن يدها مبتورة بوقت سابق، وسيدة أخرى تم التعرف عليها من خلال “ضرس”، من معدن الفضة في أسنانها، وجثث أخرى عن طريق العلامات مثل الخاتم الشخصي، وكل تلك الحالات لم تتجاوز العشرين حالة، وتم دفن البقية في مقبرة عفرين مع وضع ورقة تمثل طول وعرض الجثة، بعد أخذ عينة من كل جثمان وترقيمه برقم وحفظ العينات في المشفى، حتى يتم التعرف على الجثث من خلال التحاليل عندما يبحث الأهالي عن المفقودين.
حروق الناجين غيّرت ملامحهم
تواصلت “جسر” مع أحد أفراد عائلة الشاب “محمد حسن الديوب” ومرافقه في داخل المشفى، وهو أحد المصابين بتفجير السوق الشعبية في مدينة “عفرين”، للوقوف على تفاصيل وروايات الناجين من الانفجار، وبحسب المصدر العائلي فإن الشاب متزوج منذ أقل من ثلاثين يوماً، ويبلغ من العمر 21 عاماً، ويقيم في مدينة عفرين منذ ستة أشهر بعد نزوحه من بلدة “جرجناز”، بريف إدلب الجنوبي.
وتشير المصادر نقلاً عن الشاب الذي يتحدث بصعوبة إثر إصابته، بأنه كان في السوق بغرض شراء بعض الحاجيات الضرورية للمنزل، وعند حدوث الانفجار يقول ”هرعت من السيارة التي كنت بداخلها لا شعورياً، ونزعت ملابسي وبدأت بالركض خارج دائرة النيران، حتى قام عمي المصاب بحروق طفيفة بنقلي إلى المستشفى”، وأشارت المصادر أن عملية إسعافه كانت باتجاه مشافي ريف إدلب الشمالي، بسبب اكتظاظ المشافي في مدينة عفرين بالمصابين إثر التفجير.
ومن المنتظر أن يخضع “الديوب” لعمل جراحي غداً السبت 2 مايو/ أيار يتضمن إزالة طبقات الجلد المحترقة وترميم مناطق متفرقة من جسده، ما يستدعي عملاً جراحياً آخر خلال الأيام المقبلة، حتى تتحسن حالته الصحية بشكل كامل، وتقول المصادر إنن وضعه الصحي يتجه نحو الاستقرار نسبياً، ويعد متوسطاً مقارنةً مع المصابين في الانفجار ذاته.