جسر: متابعات:
ولم تشهد محافظة إدلب ومحيطها منذ الخامس من الشهر الفائت، عمليات عسكرية واسعة، أو قصفا جويا من الطيران الروسي أو طيران النظام، ولكن قوات الأسد ومليشيات إيرانية تساندها، خرقت الاتفاق مرات عدة، إذ وجهت قصفاً صاروخياً ومدفعياً إلى مناطق عدة في إدلب، وهو ما استدعى رداً من فصائل المعارضة السورية. وعلى الرغم من سريان وقف إطلاق النار، إلا أنّ الجانبين المتصارعين استغلا التهدئة لمزيد من حشد القوات، ربما استعداداً لجولة قتال أخرى أكثر ضراوة، في حال انهيار الاتفاق، الذي تؤكد المعطيات الميدانية أنه ليس أكثر قوة من اتفاق سوتشي المبرم في سبتمبر/أيلول من عام 2018، والذي سرعان ما تجاوزه الروس بعد أشهر من إبرامه.
ورصد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أخيراً وصول المزيد من التعزيزات العسكرية لقوات النظام والمليشيات الإيرانية الموالية لها إلى جبهات إدلب، مشيراً إلى أنّ هذه التعزيزات تمركزت على محاور عدة، منها: كفرنبل وحزارين والفطيرة ومحاور أخرى في جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى محور سراقب، ومحاور بشرق مدينة إدلب على مقربة من الحدود الإدارية مع محافظة حلب. وفي المقابل، لم تنقطع التعزيزات العسكرية من قبل الجانب التركي إلى نقاط تمركز تابعة له في محافظة إدلب، تجاوزت الأربعين نقطة موزعة في أنحاء المحافظة كافة.
وفي هذا الصدد، تناقلت وسائل إعلام أول من أمس الجمعة، ما نشره “معهد دراسات الحرب” المقرب من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، عن الوجود العسكري التركي في محافظة إدلب، إذ أشار إلى أنّ نحو 20 ألف جندي من القوات التركية انتشروا في منطقة إدلب خلال الفترة الممتدة من 1 فبراير/شباط وحتى 31 مارس/آذار الماضيين. وأضاف المعهد في تقريره، إلى أنّ المقاتلين هم من القوات الخاصة التركية ذات الخبرة، إلى جانب الوحدات المدرعة والمشاة المعروفة باسم “الكوماندوس”، والتي شاركت في العمليات السابقة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي. وأشار إلى أنّ تركيا تواصل تعزيز قواتها في منطقة خفض التصعيد الرابعة، ويمكن أن تستأنف معركتها التي كانت أطلقت عليها تسمية “نبع الربيع” ضدّ النظام السوري.
وكان اتفاق الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين الموقّع في 5 مارس/آذار الماضي، قد نصّ على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب-اللاذقية “أم 4″، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق الدولي “أم 4″، فأشار إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين موسكو وأنقرة على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس الماضي.
وباستثناء وقف إطلاق النار في محافظة إدلب ومحيطها، لم يستطع الجانبان الروسي والتركي تنفيذ بقية بنود الاتفاق، وخصوصاً لجهة تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي “أم 4” الذي يصل مدينة حلب في الشمال السوري بمدينة اللاذقية في الساحل غربي البلاد. وفشلت القوات الروسية ونظيرتها التركية في تسيير أولى الدوريات المشتركة على الطريق، إذ انطلقت الدورية في منتصف الشهر الفائت بمقتضى الاتفاق، من بلدة سراقب شرق إدلب ووصلت إلى بلدة النيرب، لتعود مجدداً إلى النقطة التي انطلقت منها بسبب قطع الطريق من قبل مدنيين محتجين. وعبّر مئات المدنيين في محافظة إدلب عن رفضهم للاتفاق من خلال إشعال إطارات بهدف منع مرور الدوريات المشتركة الروسية – التركية.
وخيّب الاتفاق الروسي التركي آمال الشارع السوري المعارض، إذ لم ينصّ على انسحاب قوات النظام من المناطق التي سيطرت عليها في فبراير/شباط الفائت، وخصوصاً مدينتي معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي وسراقب في ريف إدلب الشرقي، ما يعني استمرار مأساة عشرات آلاف النازحين الذين يرفضون العودة إلى سلطة النظام خشية تعرضهم لعمليات انتقام واسعة. وكان هؤلاء النازحون يأملون باتفاق يعيد النظام إلى الحدود الجغرافية لاتفاق سوتشي المبرم في عام 2018، ما يمهّد الطريق أمام عودة آمنة لهم إلى منازلهم. وكانت قوات النظام قضمت منذ إبريل من العام الفائت ريف حماة الشمالي، وريفي حلب الجنوبي والغربي، وجانباً من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، ما أدى إلى حركة نزوح كبيرة باتجاه الشمال السوري لم يجد اتفاق موسكو حلولاً لها.وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أشارت إلى اختصار مسار الدورية المشتركة الأولى مع القوات التركية على طريق “أم 4″، بسبب “استفزازات” من قبل من وصفتهم بـ”تشكيلات إرهابية”. وسيّر الجانب التركي بعد ذلك دوريات عدة على الطريق من دون مشاركة روسية، خشية استهداف من قبل مجموعات متطرفة رافضة للاتفاق.
وكانت مجموعات متشددة في الشمال السوري أعلنت رفضها الاتفاق الروسي التركي، وهو ما يفتح الباب أمام الروس لنقض الاتفاق تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وهي الحجة التي اعتمدت عليها موسكو والنظام في تجاوز كل الاتفاقات السابقة، سواء المبرمة ضمن مسار أستانة أو تلك المبرمة بين الروس والأتراك منفردين. وأصدرت ما تسمى بغرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، منتصف الشهر الفائت بياناً، دعت فيه لرفض مخرجات المؤتمرات الدولية، واعتماد ما وصفته بـ”خيار المقاومة”. وتضمّ هذه الغرفة، التي أُنشئت في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، مجموعات متشددة، منها “تنظيم حراس الدين”، و”جبهة أنصار الدين”، و”أنصار التوحيد”، و”جماعة أنصار الإسلام”.
وكان الاتفاق المثير للجدل قد حدّد منطقتي النفوذ التركية والروسية في محافظة إدلب من خلال اعتماد الطريق الدولي “أم 4” خطاً فاصلاً بينهما، ما يعني تشريد أكثر من مليون مدني سوري بقيت مناطقهم تحت سيطرة قوات النظام التي تبدو أنها حققت أكثر مما تريد من الاتفاق، وتتطلع للسيطرة على مدينتي جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وأريحا في ريف إدلب الجنوبي، لإحكام السيطرة على الطريق “أم 4”.
في السياق، قال القيادي ضمن فصائل المعارضة، العميد فاتح حسون، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ “اتفاق موسكو أبرم في ظروف مختلفة عن الظروف الحالية”، موضحاً أنه “لم تكن جائحة كورونا قد انتشرت بعد”. وأشار إلى أنّ “انتشار الوباء بين صفوف المليشيات الإيرانية جعل القيادة الروسية تعطي التعليمات لقواتها بالابتعاد عن تجمعات الإيرانيين، وهذا ألقى بظلاله على ترتيبات الحشود التي ما زلت مستمرة على جبهات إدلب”. وتابع حسون بالقول: “نظام الأسد وداعموه لن يستطيعوا القيام بأي اعتداء ناجح على إدلب، فالمجتمع الدولي يركز جهوده حالياً على مكافحة جائحة كورونا ومنع انتشارها، وبالتالي يضغط لإيقاف الحروب في العالم، ومنها الحرب التي يشنها نظام الأسد وداعموه على السوريين في منطقة إدلب”.
وأكد حسون أنّ “الجيش الوطني السوري إلى جانب الجيش التركي، متأهّب لهذه المعركة، لا سيما أنّ تركيا لم تتوقّف عن حشد قواتها منذ تم الاتفاق في موسكو، وتعمل على رفع مستوى عتادها بتطعيمه بمضادات الطيران الأميركية الصنع، وهذا له دلالة، منها دعم واشنطن للجيش التركي في معركة إدلب، لتثبيت الاتفاق بالقوة، إن خرقه نظام الأسد وداعموه”. وختم حسون بالقول إنّ “الاتفاق حتى الآن ثابت، ولن يكون بوسع قوات النظام قضم أي منطقة جديدة، بل ستتراجع لاحقاً إلى حدود اتفاق سوتشي، ولو بعد حين”.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، أشار القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى البكور، إلى أنّه “منذ توقيع الاتفاق، انخفض مستوى التوتر، على الرغم من بعض الخروقات من قبل النظام والروس والمليشيات الإيرانية، بإطلاق بعض القذائف والصواريخ على المناطق المدنية المشمولة بالاتفاق، كما حصل في أفس وكنصفرة وأطراف بنش والطلحية”. كما لفت إلى أنّ “الفصائل الثورية أظهرت التزاماً كاملاً بوقف إطلاق النار في مناطق الشمال السوري كافة”.وعلى مدى شهر من وقف إطلاق النار، عمدت مليشيات محلية مدعومة من النظام، إلى “تعفيش” المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد في إدلب. وقالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقرير لها صدر حديثاً، إنّ “عمليات النهب الواسعة التي تقوم بها قوات النظام السوري والإيراني في إدلب وما حولها، تُهدد عودة النازحين وتزرع الأحقاد الدينية”. وسجّل التقرير عمليات نهب نفّذتها قوات النظام والمليشيات الإيرانية، لقرابة 30 منطقة منذ إبريل من العام الماضي وإلى الآن، في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي.
وأضاف البكور أنّ “الدوريات المشتركة حققت نجاحاٍ جزئياٍ، من خلال تسيير دوريات تركية على جزء من الطريق فقط”. ورجح استمرار الاتفاق لـ”فترة قصيرة، في ظلّ تفشي وباء كورونا في مناطق سيطرة النظام”، مضيفاً: “هناك تصريحات من قبل مسؤولين روس تؤكد عدم مشاركة بلادهم بأي عمل عسكري على إدلب”.
وفي السياق، بحث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في أواخر الشهر الفائت في العاصمة السورية دمشق، مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، سبل ضمان وقف إطلاق نار دائم في منطقة إدلب، في مؤشر على أنّ الجانب الروسي حريص على استمرار الاتفاق وصموده. ومن الواضح أنّ تفشي وباء كورونا المستجد في العالم، ألقى بظلاله على الشمال الغربي من سورية، حيث أجّل الجانبان الروسي والتركي تطبيق الاتفاق، ما خلا استمرار وقف إطلاق النار، ما يعني استمرار الوضع على ما هو عليه في الوقت الراهن بانتظار انحسار الوباء.
المصدر: العربي الجديد