بهذا الملخص، افتتحت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا بقلم الصحفي المخضرم ومراسلها في بيروت بنيامين بارت، قال فيه إن المواجهة بين مؤسس النظام حافظ الأسد وشقيقه رفعت عام 1984، وإن لم تكن بعيدة من الخروج إلى الشارع، لم تكتب عنها الصحافة الرسمية كلمة، حتى لا تفسد الوهم بوجود نظام هرمي مثالي متحد في طاعته لسيد دمشق.
ولكن هذا المحظور -كما يقول الكاتب- كسر في الأيام الأخيرة بنشر مقطع فيديو على فيسبوك يخاطب فيه رامي مخلوف، أغنى رجل أعمال في سوريا، ابن خاله بشار الأسد الذي ينحدر مثله من الأقلية العلوية.
وفي المقطع الأول الذي بث على الإنترنت يوم الخميس 30 أبريل/نيسان الماضي، ظهر قطب الاتصالات الذي يمقته المعارضون للنظام باعتباره رمزا للفساد، وهو يتوسل إلى رئيس الدولة لإعادة جدولة المتأخرات الضريبية التي تبلغ 178 مليون دولار والتي تطالب مجموعة بأدائها، حسب قوله.
وفي المقطع الثاني، الذي صدر يوم 3 مايو/أيار الحالي، شجب مخلوف (50 عاما) الذي مول إلى حد كبير قمع ثورة 2011 ضد الأسد، الضغوط التي تمارس على شركته سيرياتل التي تتربع على سوق الهواتف المحمولة، لا سيما اعتقال موظفين فيها.
وتساءل مخلوف “هل يمكن لأي شخص أن يتخيل أن الأجهزة الأمنية تهاجم شركات رامي مخلوف الذي كان أكبر داعم وراع لهذه الخدمات خلال الحرب؟”، مضيفا، فيما يشبه التهديد المبطن “إذا واصلنا السير في هذا الطريق سيصبح الوضع في البلاد صعبا للغاية”.
بكائيات مضحكة
واعتبر أن الخلاف بين الشريكين السابقين يمكن أن يكون دليلا على إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي السوري بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية التي شهدت انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من ستين مليار دولار في عام 2010، إلى 17 مليار اليوم.
وينقل الكاتب عن جوزيف ضاهر، الخبير السياسي السوري السويسري والباحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورانس إن “الأموال المقتطعة سنويا من الحكومة تراجعت بشكل كبير”، وبالتالي “يسعى الأسد وزوجته أسماء وأخوه ماهر إلى تركيز الثروة القليلة المتبقية في أيديهم وأيدي رجال الأعمال المرتبطين بهم، إذ لم تعد العائلة الصغيرة تريد الاعتماد على مخلوف الذي تنوي تقليل استقلاليته وإخضاعه للرئاسة”.
وقال الكاتب إن المؤشرات الأولى للخلاف بين الأسد ومخلوف ظهرت في أغسطس/آب 2019، ووقتها بدأت شائعات تتحدث عن توقيف مخلوف في المنزل والاستيلاء على جزء من ممتلكاته، بعد الصدمة التي أحدثتها الصور التي نشرها ابناؤه على منصات التواصل.
ومع أن وضع مخلوف في الإقامة الجبرية لم يثبت، فإن وزارة المالية جمدت أصوله في ديسمبر/كانون الأول 2019 بشكل رسمي، في إجراء شمل أيمن جابر المتخصص في المحروقات، وطريف الأخرس بطل صناعة المواد الغذائية، وسامر الدبس رئيس غرفة التجارة والصناعة بدمشق.
وكما هي الحال في السعودية عندما استغل بن سلمان الأمر لتحييد المنافسين، فإن مناورة الأسد قامت بسبب الضرورات الاقتصادية إضافة إلى الحسابات الشخصية.
وقال أيمن عبد النور، مدير موقع إخباري مؤيد للمعارضة “إن الطوابير أمام المخابز أصبحت أطول. والحكومة بحاجة إلى المال لشراء القمح من الروس، كما أن أسماء الأسد أيضا تريد تأمين مستقبل أطفالها”.
وأوضح الكاتب أن الحملة أجريت بشكل انتقائي، ونجا منها العديد من المستفيدين من الحرب ممن ينظر إليهم على أنهم فاسدون، مثل سامر فوز صاحب فندق فورسيزونز، أرقى فندق في دمشق.
ومن بين جميع رجال الأعمال الذين استجوبتهم الحكومة، كان رامي مخلوف هو الوحيد الذي تجرأ على الدفاع عن نفسه علنا، لمكانته العائلية، لأن “أي شخص آخر كان من الممكن تصفيته خلال ساعة”.
ومن خلال النشر على فيسبوك، يرى الكاتب أن مخلوف يسعى للاستفادة من الدعم الذي يحظى به بين العلويين المستفيدين الرئيسيين من المساعدات التي توزعها منظمته الخيرية “البستان”.
ويرى جوزيف ضاهر أن “مخلوف على عكس رفعت الأسد، ليس لديه دبابات ولا نية الإطاحة ببشار الأسد، ولكن لديه نفوذ واتصالات ببعض الأجهزة الأمنية ومليشيات مستأجرة يمكن أن يخلق بها نوعا من عدم الاستقرار، مما قد يدفع ابن خاله إلى إيجاد تسوية معه، خاصة أن شخصيات من الطائفة العلوية تخشى أن تعاني الأقلية من هذه الأزمة، بدأت بالفعل وساطة بينهما.
المصدر: الجزيرة نت ٧ أيار ٢٠٢٠