جسر: ريف دير الزور:
ما زال فيصل عواد السلامة، (موليد عام ١٩٨٤) ابن بلدة ذيبان بريف الزور، يسير على خطا والده، الذي ورث عنه تلك المهنة أو كما يحب أن يسميها “الهواية” وهي صيد الطيور الجارحة في البادية، منذ أن كان طفلاً صغيراً في عام ١٩٩٣ يرافق أباه بدافع الفضول إلى أن أصبح الآن كما يصفه البعض بـ “المعلم” في تلك المهنة.
فيصل مقيد بفترة محددة خلال العام للصيد، إذ أن موسم الصيد يبدأ من شهر أيلول وحتى بدايات شهر كانون الأول، نظراً لأن الطيور تأتي من الشمال إلى الجنوب، بحيث تتبع الحرارة، وفي الشهر الثالث يتم التزواج، لتعود في موسم هجرة معاكس من الجنوب إلى الشمال.
ينتقل الصيادون مع بداية الشهر التاسع حاملين معهم خيمهم، لينصبوها في البادية، خيمة للنوم، وخيمة للجلوس (القعدة)، وأخرى للطبخ، مع طباخ يرافقهم، للاقامة لعدة أشهر في البادية، ويتخلل تلك الأشهر زيارات يعودون فيها إلى بيوتهم أو لشراء بعض الحاجيات، وغالباً ما يكون مكان الصيد الذي يرتاده فيصل بادية الجزيرة، الواقعة بين الحسكة ودير الزور، وفي منطقة تبعد عن بلدة ذيبان حوالي ٩٠ كم.
قبيل اندلاع الثورة السورية، كان التخييم يتم بالقرب من حقل العمر أي ما يبعد ٢٠ كم، عن بلدة ذيبان، أما بعد تعاقب العديد من الفصائل على حقل العمر وصراعها للسيطرة على النفط، لم تعد المنطقة آمنة بما فيه الكفاية، فبدأ فيصل بالتخييم في منطقة الروضة وماحولها، أي ما يبعد عن ذيبان بحوالي ١٠٠ إلى ١٥٠ كم، حيث تبدأ عملية الصيد قبل بزوغ الشمس ومن ثم يعودون حوالي الساعة العاشرة صباحاً، وفترة مسائية أخرى تبدأ من العصر حتى المغرب.
يؤكد فيصل أن الكلمات المكتوبة غير كافية لرصد وشرح طرق الصيد التي بتبعونها، إلا أنه استطاع أن يشرح بعضها عن طريق مقاطع مصورة، يقول “نستخدم طيور كالحمام والعصافير، وطيور القطا، والفري، وأحياناً طير الباشق، كطعم في سبيل استدراج الطائر الذي نريد صيده، والذي يتم مراقبته عن طريق مناظير خاصة”.
عندما يرى الصياديون الطير، يتم إعداد الطير سواء أكان حمامة أو أي طائر آخر، وذلك بما يسمى عملية التشبيك، فتوضع المصيدة بين جناحي الحمام، أو الطائر المستخدم، ويتم ربط المصيدة أيضاً بقدم الحمامة، ومن ثم ترمى فيقترب الطير لاصطيادها فتعلق مخالبه بالمصيدة.
كما أن هناك طريقة أخرى للصيد باستخدام طير الباشق الذي يعتبر كشافاً، حيث يتم تغطيه عينيه، كي لا يطير عالياً، وتوضع اسلاك وريش طائر على قدميه أو ما يسمى “خرط”، ليظن الطير الحر، أنه بحوزة الباشق صيد ما، ويتجه نحوه لينتزعه منه، فيشتبكان ببعضهما في عملية تسمى “التشبيك”، وتعتبر حاسة النظر لدى الطير الحر قوية جداً إذ أنه يرى فريسته على بعد نحو ٢٠ كم.
وهناك أيضاً طريقة للصيد، لا تستخدم كثيراً، إلا لصيد البواشق، وللتسلية، كما يتم انتهاجها في المناطق الوعرة، وتسمى القبة، وهي عبارة عن قفص مصنوع من أسلاح حديدية، وقاعدة خشبية، يوضع بداخلها (طائر صغير، أو حمامة، أو جربوع أو حتى فأر)، وعلى الصندوق تثبت الخرط أو المصيدة، عندما يرى الطائر المستهدف الصيدة (الطريدة) بداخله، يتجه لالتقاطها فتعلق أقدامه بالمصيدة.
ويختلف سعر الطيور من عام إلى آخر، كما أن سعر الطير في بداية موسم الصيد أعلى من سعره في نهايته، وفيما بتعلق بالطير الحر فهناك طير حر كامل، وطير مثلوث غير كامل، وله قياسات، طيور حجمها كبيرة، وأخرى صغيرة لا تكبر، وكل هذه العوامل تحدد سعرها والطير الأكثر غلاء هو الحر حسب لونه وقياسه وريشه وحسب رأسه وكفه.
وبيع أحد الطيور (طير حر) على سبيل المثال في عام ٢٠١٥ بـ ٤٥ مليون ليرة، أما عائلة فيصل فتمكنت من بيع طير “قوسية فرخ شيهان” في عام، ٢٠١٦ بـ ١٢ مليون ليرة أي ما يعادل ٢٥ ألف دولار.