جسر:متابعات:
منذ قرابة الأسبوعين والأزمة تتصاعد يومياً، ومعها تقفِل محطات وترفع أخرى خراطيمها في وجه مواطنين لنفاذ كميات المحروقات لديها، حتى وصلت اليوم إلى ذروتها. إذ تكاد تنفد مادتي المازوت والبنزين نهائياً في مناطق بعلبك الهرمل وعموم البقاع والجنوب والشمال، وبعض مناطق الجبل. وعند الاستفهام عن السبب، لا نحظى بجعبة المعنيين سوى على تبرير واحد لا غير، هو تأخر فتح الاعتمادات المالية من قبل مصرف لبنان. التبرير الذي تجهد الشركات المستوردة للنفط ومعها موزعي المحروقات على تسويقه، لحرف الأنظار عن عوامل أخرى تساهم في تكديس أرباحهم وإذلال المواطنين أمام المحطات.
فتح الاعتمادات
لا شك أن تأخر مصرف لبنان، وتالياً المصارف، في فتح الإعتمادات المالية المخصّصة لاستيراد المحروقات، يساهم بشكل كبير في إحداث أزمة شح بالمازوت والبنزين في الأسواق. لكن الأزمة اليوم لا تكمن في شح الكميات وتقنين بيعها، كما جرت العادة منذ أشهر. إنما تكمن في فقدان مادتي البنزين والمازوت تماماً من عشرات محطات المحروقات. والسبب، وفق مصدر مطلع لـ”المدن”، يتعلّق بأمرين. أولهما، تخزين شركات استيراد النفط والموزعين والمحطات كميات كبيرة من البنزين والمازوت. والأمر الثاني، هو تهريب المحروقات إلى سوريا، خصوصاً أن سوريا تواجه اليوم أزمة فقدان المحروقات من أسواقها، ما يجعل من السوق اللبنانية مصدراً أساسياً لمادة البنزين، التي تفوق سعر الصفيحة منها الـ40 ألف ليرة.
وفي حين تصر الشركات على أن الكميات المستوردة من البنزين تقل كثيراً عما كانت عليه في السابق، بسبب التأخر في فتح الاعتمادات المالية، يكشف المصدر أن الكميات المستوردة لم تختلف فعلياً عن المرحلة السابقة. إذ يستورد لبنان ما يعادل 5 مليون ليتر من البنزين يومياً. ويؤكد أن غالبية الشركات المستوردة تخزن عشرات ملايين الليترات من المحروقات بصنفيها، طمعاً بتحقيق أرباح أكبر في المرحلة المقبلة، بعد حديث مصرف لبنان عن رفع الدعم عن استيراد المحروقات وغيرها.
تهريب البنزين الى سوريا
وعلمت “المدن” أن عدداً من الشركات المستوردة تعمد الى تهريب البنزين إلى سوريا بشكل يومي، عبر وسطاء أو brokers. وتحقق أرباحاً تقدّر بملايين الدولارات. كما أن عمليات تهريب التجار عبر المعابر البرية على حدود البقاع الشمالي، لم تعد خافية على أحد. فسكان تلك المناطق يشهدون عبور صهاريج البنزين في وضح النهار إلى سوريا، وعلى مدار الساعة.
بعد انفضاح أمر تهريب البنزين إلى سوريا جهاراً، رب سؤال، هل تجرؤ وزارة الطاقة على الإفصاح عن حجم المخزون الاستراتيجي من المحروقات، المتواجد في المخازن لدى الشركات والمنشآت؟
تخزين مخالف لقواعد السلامة العامة
ولا تقتصر ممارسات الشركات والموزعين والمحطات على التهريب، وحرمان السوق اللبنانية من المحروقات، لتحقيق مزيداً من الأرباح. فبعض الشركات تبتكر آليات جديدة لتخزين المحروقات، بعيداً عن أعين مراقبي وزارة الاقتصاد والأمن العام والجمارك، أو ربما بالتواطؤ معهم. ومن الآليات المستحدثة تخزين البنزين والمازوت في خزانات تحت المباني السكنية بعيداً عن المحطات، متجاهلة أدنى قواعد السلامة العامة. ووفق شاهد عيان، تقوم شركتان بتخزين البنزين في خزانات تقبع تحت مباني سكنية في بلدة بدنايل، في منطقة بعلبك الهرمل، في حين أن خزانات المحطات التابعة لتلك الشركات فارغة. وقد خضعت لأكثر من مرة للتفتيش من قبل الأمن العام من دون جدوى.
يصرّ أركان القطاع النفطي على ربط أزمة شح المحروقات عموماً، والبنزين خصوصاً، بالتأخير في فتح الاعتمادات المالية من قبل مصرف لبنان فقط، من دون الاعتراف بنشاط عمليات التهريب إلى سوريا، ذلك خوفاً من منح مصرف لبنان الذريعة لرفع الدعم عن المحروقات سريعاً. حتى أن أحد القيمين على قطاع المحروقات قال حرفياً: “لا يمكننا رفع الصوت فيما خص التهريب خوفاً من وقف الدعم.. فلتتولى القوى الأمنية مهمة مكافحة التهريب”.
لا جدّية في الرقابة
واقع أزمة المحروقات اليوم ومشهد طوابير السيارات أمام محطات المحروقات، ونشاط التهريب إلى سوريا بشهادة أهل القطاع، إنما يؤكد كذب وعدم جدية أي من الوعود التي قطعتها اللجنة التي تم تشكيلها من قبل رئيس الحكومة السابق حسان دياب، قبل استقالة الحكومة، وضمت حينها ممثلين عن الأمن العام والجمارك ووزارتي الطاقة والاقتصاد، لتولي مهمة مراقبة استيراد المحروقات ومتابعة مسار بيعها وتخزينها. فلا جدية ولا مصداقية. لا بل أكثر من ذلك، يتم استنزاف آخر دولارات احتياطات مصرف لبنان، وحرمان المواطن اللبناني من أكثر المواد حيوية، أمام أعين الجميع، من دون أن يحرّك أحدهم ساكناً.
إفلاس محطات وانتفاع أخرى
أزمة شح المحروقات من السوق اللبنانية أدت الى إفلاس الكثير من المحطات غير التابعة لشركات الاستيراد. ومن بين المحطات المتأزمة سلسلة محطات الأيتام على سبيل المثال. إذ أقفلت نحو 10 محطات منها بشكل كلي، من أصل 47 محطة. ومن المتوقع أن تقفل نحو 7 محطات إضافية قبل نهاية العام الجاري. أما المحطات العاملة، فجميعها مغلق لعدم توفر المحروقات، باستثناء ثلاث محطات فقط لا تزال تعمل، ومعرّضة لرفع خراطيمها في أي لحظة. ومثل محطات الأيتام، تعاني بعض المحطات الأخرى غير التابعة للشركات المستوردة وغير المُنتفعة من عمليات التخزين والتهريب.
المصدر:صحيفة المدن